تحت شعار "للجسد ألف قصّة وقصّة"، وفي الفترة الواقعة ما بين 15 و22 يونيو/حزيران الحالي، تنظم سرية رام الله الأولى الدورة السابعة عشرة لمهرجان رام الله للرقص المعاصر، ويهدف، في دورته هذه، إلى تقديم الجسد ليس كأداة تعبير فحسب، بل كمساحة وموضوع أيضاً. يتكئ المهرجان هذه السنة على فكرة أن الجسد قادر على أن يروي كثيراً من القصص من خلال خبراته المتراكمة والمختلفة، وذاكرته التي يختلط فيها الشخصي مع الجمعي.
ويكتسب الجسد، في السياق الفلسطيني، دلالة خاصة، حسب ما أكدّ خالد عليان مدير المهرجان في حديث لـ"العربي الجديد"، "لأنه طالما كان، ولا يزال، محل استهداف وتنكيل من قبل المحتل، ومثّل، ولا يزال، أداة للمقاومة والتصدي، ما يجعل الرقص المعاصر يكتسب أهمية تعبيرية، خاصة في فلسطين، حيث تعذيب الأسرى في زنانين الاحتلال يشتمل على استهداف للجسد، وحيث رحلة التهجير القسرية للفلسطينيين من ديارهم عام 1948 في ظروف قاسية بل وربّما مميتة أحياناً لم يكن الجسد بعيداً عن تسجيل ما حصل".
يأتي تنظيم مهرجان رام الله للرقص المعاصر، بالتزامن مع إحياء الذكرى الخامسة والسبعين لنكبة فلسطين، إذ يعتبر المهرجان ملتقى ومنبراً ثقافياً ومساحة للتعبير عن قضايا الحرية، والاضطهاد، والعدالة الاجتماعية.
ويشير عليان إلى أن فلسطين هي أكثر من تاريخ وجغرافيا، "إنها محفورة عميقاً في أرواحنا وعلى أجسادنا، ويمكن فقط للجسد الحرّ أن ينطق بهذه الخبرات والتجارب المكتنزة من خلال لغة جديدة ومعاصرة قادرة، أكثر من غيرها، على التعبير مباشرة ومن دون حواجز عن التعقيدات التي نجابهها".
ويعدّ المهرجان، حسب عليان، "فرصة مهمة لفرق الرقص والفنانين لتبادل الخبرات والمعرفة والتعرف إلى أعمال بعضهم بعضاً، ولتشجيع التعاون الفني والثقافي بين الفنانين المحليين والدوليين".
يشارك في المهرجان 15 فرقة وفناناً، من بينهم خمس فرق أجنبية، وعشر فرق فلسطينية، لينظم المهرجان 15 فعالية فنية تقدمها الفرق المشاركة، إضافة إلى أفلام رقص. وتتوزع الفرق المشاركة في التظاهرة على جنسيّات مختلفة، فهناك عروض من الولايات المتحدة الأميركية، وفرنسا، وإيطاليا، وأستونيا، والمغرب.
ويشتمل المهرجان، أيضاً، على ورشات عمل في الرقص، ومؤتمر "الرقص والمجتمع" الذي يناقش في دورته الجديدة موضوع حرية التعبير، خاصة في ظلّ ما تعرضت له الحياة الثقافية أخيراً من حوادث مؤسفة، طاولت حريّة التعبير، ومن حالات منع لفعاليات فنية متنوعة بحجج كثيرة.
كما ينظم المهرجان "ملتقى الرقص الفلسطيني"، ويستضيف نخبة من مصممي الرقص ومدراء المهرجانات والمسارح الدولية، ويهدف إلى تعزيز التواصل وخلق فرص للتعاون بين فرق الرقص الفلسطينية وضيوف الملتقى القادمين من بلدان مختلفة.
والملتقى مساحة لتعريف الضيوف بمشاريع الرقص التي ستعرضها الفرق المحلية، إذ تبحث وتستكشف الفرص المتاحة، سواء لاستضافة العروض في مهرجانات عربية ودولية، أو منح الفرق فرص إقامات فنية في الخارج تساعدهم على تطوير أدواتهم ومعارفهم، أو الانكباب على بلورة مشاريع جديدة.
وقال عليان لـ"العربي الجديد": "نعتز بازدياد عدد الفرق والفنانين الفلسطينيين المشاركين في المهرجان على مدى دوراته السابقة، فقد استطاع، وعلى مدار 17 عاماً، تطوير قدرات الفرق والفنانين الأدائيين الفلسطينيين، وساهم في خلق مساحة لهم، خاصة لجهة إنتاج أعمالهم وعرضها في المهرجان، والترويج لها في مهرجانات عربية ودولية، كما خلق فرصاً لهم للمشاركة في إقامات فنية، وفرص تعلم، وإنتاج أعمال مشتركة مع فرق دولية".
وتنطلق فعاليات المهرجان لهذا العام بعرض "حلم لوسيد" لفرقة "مازيل فريتن" الفرنسية، في حين يختتم بعرض مشترك تحت عنوان "أرى/ لا أرى"، يجمع ما بين فرقة سرية رام الله الأولى الفلسطينية وفرقة E الأميركية.
وشدّد عليان على قناعة إدارة المهرجان والجهة المنظمة له بالدور الريادي للفنون في بناء المجتمع، وبأهمية تشجيع حرية التعبير بشكل عام، والتعبير الفني على وجه الخصوص.