قدمت النائبة المصرية مها عبد الناصر، اليوم السبت، سؤالاً برلمانياً إلى رئيس مجلس الوزراء مصطفى مدبولي، بشأن استمرار الأجهزة المحلية (البلدية) والشرطية في هدم الجبانات التاريخية في منطقة السيدة عائشة والإمام الشافعي، في قلب العاصمة القاهرة، من أجل التمهيد لإنشاء محور مروري جديد لا يوفر سوى دقيقتين فقط من زمن الرحلة.
وذكرت عبد الناصر أن "القاهرة الإسلامية واحدة من المناطق التاريخية المتفردة، ومدرجة على قائمة التراث العالمي لمنظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (يونسكو) منذ عام 1979 اعترافاً من العالم بأهميتها، وتأكيداً على ضرورة الحفاظ المتكامل على نسيجها، لما تمثله من قيم حضارية وثقافية وتراثية مهمة تلعب دوراً بارزاً في تأصيل الهوية، وتعزيز الانتماء لدى جموع المصريين".
وأضافت أنها "تقدمت بأكثر من طلب إحاطة (أداة نيابية) للحكومة عن هدم الجبانات في هذه المنطقة التاريخية، وأوقف الهدم بالفعل لفترة من الوقت، غير أنه عاد مجدداً بقرار هدم 98 مدفناً تاريخياً بغرض محو حقبة من تطور العمارة الجنائزية، والاستيلاء على القطع الثمينة التي تحتويها من تركيبات رخامية أو حجرية، وشواهد فريدة تحمل أجمل نماذج الخط العربي، وتقص تاريخ أعيان مصر".
وتساءلت عبد الناصر: "لماذا تمضي السلطات قدماً في عملية الهدم رغم طرح اللجنة المشكلة من رئاسة الجمهورية مشروعاً بديلاً عن هذا الدمار الشامل؟"، متابعة أن "اللجنة أفادت بأن مشروع المحاور (المرورية) في هذه المنطقة غير ذي جدوى، ويوفر دقيقتين فقط من وقت الرحلة، مطالبة في تقرير لها بوقف كل أعمال الهدم!".
واستطردت بقولها: "لماذا الإصرار على هذا الدمار؟ ولمصلحة من؟ فحتى مع نقل رفات الشخصيات المهمة إلى مقبرة الخالدين، لماذا لا نترك المقابر القديمة في مكانها؟ وقلنا مراراً وتكراراً إن هذه الأحواش لا تقل قيمة عن مقابر قدماء المصريين، بوصفها جزءاً من تراث إنساني لا يحق لأحد العبث به".
وطالبت عبد الناصر الحكومة بـ"الوقف الفوري لكل أعمال الهدم الجارية في منطقة جبانات السيدة عائشة والإمام الشافعي، ونشر تقرير اللجنة المشكلة من الرئاسة كاملاً على الرأي العام، ومحاسبة المسؤولين عن الدمار الذي حدث في هذه المنطقة التاريخية".
أزالت جرافات محافظة القاهرة أخيراً حوش عتقاء الأمير إبراهيم حلمي الأثري التابع لإشراف وزارة الأوقاف، ما أثار حالة من الغضب عبر مواقع التواصل الاجتماعي، على خلفية استمرار عمليات الهدم والإزالة في منطقة مدافن الإمام الشافعي، بحجة توسعة الطرق ومد الجسور لتسهيل حركة المرور.
ووضعت المحافظة علامة "إزالة" على مدفن علي باشا فهمي في قرافة الإمام الشافعي، رغم إدراجه في مشروع التنسيق الحضاري، باعتباره طرازاً معمارياً متميزاً، والذي يحظر هدم الصروح المعمارية ذات القيمة التاريخية. ويضم المدفن أعمدة من الرخام، وأسقف خشبية مرسومة يدوياً، ومقرنصات وحجارة ذات زخارف نباتية، ومدرج كذلك في سجل المباني والمنشآت ذات الطراز المعماري المتميز لمحافظة القاهرة.
ومن المقرر تولي جهاز مشروعات الخدمة الوطنية التابع لوزارة الدفاع مهام الإشراف على تنفيذ مخطط تطوير هذه المنطقة التاريخية، والذي يشمل توسعة ورصف الطرقات بعد الانتهاء من إزالة المقابر، وإنشاء جسر جديد لتسهيل حركة المرور، تقع أسفله محلات تجارية ستطرح للإيجار، بالإضافة إلى ساحة كبيرة لانتظار السيارات مقابل رسوم.
وكان الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي قد شكل لجنة من الخبراء، في يونيو/ حزيران الماضي، بهدف الوصول إلى رؤية متكاملة لتطوير المنطقة، ودراسة نقل المقابر الأثرية في السيدة نفيسة والإمام الشافعي، وتجميع رفات الرموز المصرية في مقبرة الخالدين، مع إنشاء متحف يضم القطع الفنية والأثرية الموجودة في تلك الجبانات للحفاظ عليها.
يذكر أن مصر شهدت عام 2021 هدم جزء من منطقة جبانة المماليك التي تضم مقابر تاريخية وآثاراً إسلامية تعود إلى نحو خمسة قرون، ومنها مقابر مصنفة تراثاً عالمياً لدى منظمة يونسكو، في إطار مخططات حكومية لتوسعة شبكات الطرقات الرابطة ما بين مناطق القاهرة والعاصمة الإدارية الجديدة، وإنشاء جسر مروري جديد باسم "الفردوس".