تتألّق الصحافية اللبنانية ومقدّمة برنامج "للخبر بقية" على "التلفزيون العربي"، نجلاء أبو مرعي، بحضورها المميّز الذي نقّحته نشأتها بين "الضيعة" (القرية) والعاصمة. عزّزت هاتان البيئتان ليس من قدرتها على النجاح في أوجه الإعلام المتنوّعة فحسب، بل استمتاعها بالتغطيات الميدانية، مثل تغطية تطورات انتفاضة 17 أكتوبر/تشرين الأول في بيروت، وانتخابات تونس، والانتخابات الأميركية حيث أمضت ما يقارب من الـ45 يوماً.
لا حدود لطموح أبو مرعي ورغبتها في التطوّر واختبار تجارب جديدة ممكنة، هي التي تطوّعت منذ عام 2017 مرشدة في "مركز ماري كولفين للتقارير الدولية" الذي أنشأته "جامعة ستوني بروك" على شرف الصحافية الأميركية ماري كاثرين كولفين التي قتلت أثناء تغطية حصار حمص في سورية.
وتقدم نجلاء أبو مرعي حالياً "للخبر بقية" على "التلفزيون العربي" وهو برنامج حواري يومي يتناول بالتحليل، الخبر الأبرز في نشرات الأخبار على مدار اليوم، ويسلط مزيداً من الضوء على موضوع الحلقة من خلال تقارير تلفزيونية مميزة يعدها مراسلو "التلفزيون العربي"، كما يستضيف البرنامج مجموعة من الخبراء لمناقشة الخبر وأبعاده بموضوعية ومهنية من مختلف الزوايا. ناقش البرنامج أخيراً تبعات فتح مجلس حقوق الإنسان للأمم المتحدة تحقيقاً شاملاً وغير مسبوق في الانتهاكات الإسرائيلية في الأراضي الفلسطينية، وتساءل عن أوجه اختلاف هذا القرار الذي وصف بالتاريخي عن سابقيه، وعن تبعات مسار المحاسبة وصورة إسرائيل أمام الرأي العام العالمي. في حلقات سابقة، تطرق البرنامج إلى زيارة وزير الخارجية الأميركية، أنتوني بلينكن، إلى الشرق الأوسط.
وقدمت نجلاء أبو مرعي على شاشة "بي بي سي عربي" برنامج "سبعة أيام" استضافت خلاله نخبةً من الإعلاميين العرب للإضاءة على أحداث الأسبوع العربية والعالمية بتناغم وندّية مهنيتين، وأشرفت على برنامج "بلا قيود" وتابعت تقديم النشرات الإخبارية. وعبر مدونتها "غاردينيا" تكتب نجلاء أبو مرعي عن موت والدتها، والحرب الأهلية اللبنانية، ووطنها الأم، الذي يعاني حالياً أسوأ أزماته الاقتصادية والاجتماعية. لها كتابات عبر المدونة نفسها على طريقة الشعر الحرّ، تحت عناوين "ذاكرة من قماش" و"الثبات" و"النفس" و"نبش في الذات" وغيرها.
تتحدث أبو مرعي عن مشوارها المهني وتغطياتها، في مقابلة مع "العربي الجديد":
* انتقلت بين محطات تلفزيونية مختلفة. ما الاختلاف الذي لمسته بينها، وما هي المهارات التي اكتسبتها في كل منها؟
- منذ السنوات الجامعية الأولى اختبرت العمل في وسائل إعلامية مكتوبة ومسموعة ومرئية. بعد التخرّج من كلية الإعلام قسم الصحافة المكتوبة، تركّز عملي في الإعلام المرئي، وإن لم أقطع تماماً الصلة مع المكتوب من خلال نشر نصوص إبداعية أو مع الإذاعة حيث كان لي مشاركات عبر "إذاعة الشرق" و"راديو بي بي سي". لتجربتي في "تلفزيون المستقبل" طعم خاص. كانت محطة محلية بتوجه عربي، وانضممت إليها في فترة حسّاسة من مراحل لبنان سياسياً. أتاحت لي الفرص لأصقل مهاراتي في الإعداد والتقديم والمحاورة والمراسلة وإعداد الوثائقيات. تجربتي في "بي بي سي عربي" هي التجربة الأطول حتى الآن. عشر سنوات من تراكم الخبرة المتنوعة، ونضوجها. أشبعت فيها اهتمامي بتناول الملفات الإقليمية والدولية على نطاق واسع، وواصلت مراكمة الخبرات في المجالات المهنية التي أسست لها في تجربتي في لبنان، فأبقيت على تنوع الممارسة كصحافية أولى، وكمراسلة موفدة لأفغانستان على سبيل المثال، وفي الإعداد والإنتاج الوثائقي. ومن خلالها أعتقد أنني تواصلت على نحو أوسع مع المشاهد العربي مذيعةً ومحاورةً، ولا سيما من خلال برنامج "سبعة أيام".
أما تجربتي مع "التلفزيون العربي" فهي مختلفة. كان انضمامي نهاية صيف 2017، في فترة شيقة من مسيرة التلفزيون، تميّزت بنفس جديد ورغبة بالتطوير، ممّا حفّزني لأنضم وأضع خبرتي وتجربتي إلى جانب خبرات زميلات وزملاء في مشروع من هذا النوع.
* أي برنامج تلفزيوني وجدت فيه ذاتك أكثر من غيره، أي أنّه كان يبرز نقاط القوة لديك كإعلامية؟
- لا شك في أن الحوار، والحوار السياسي بشكل خاص، يجذبني. أوجه شخصيتي المهنية متعدّدة، وكلها يمكن أن تكون حاضرة في مراحل مختلفة وأحياناً دفعة واحدة في وقت ما. كصحافية أستمتع في البحث والقراءة في موضوع النقاش، وكمعدّة أنغمس في التفكير ببنية الحوار ورسم سيناريو بالعام وبالتفصيل، وكمحاورة مع كل ما يتطلبه من تنبه وتركيز، تحفزني حركة الأفكار بين المتحاورين والتقاط معلومة هنا أو تفصيل هناك. لذا حالياً يقدم لي برنامج "للخبر بقية" إطارا مناسبا لذلك.
الحيادية لا تعني أن نتجاهل وضع المعلومة في سياقها الموضوعي
* تفرض مهنة الإعلام "الحيادية". هل التزمتِ بهذه القاعدة؟
- الحيادية لا تعني ألّا نضع المعلومة في سياقها الموضوعي، وهذا يفترض أن يقود إلى فهم سياسي لواقع ما. هذا لا يقترب إطلاقا من ممارسات مضلّلة أو متعمّدة، ضخ معلومات مختلقة تماما أو مزيّفة أو حتى الزج بالآراء الشخصية السياسية عند كل زاوية. أنا صحافية، ومهتمة بالسياسة منذ وعيي الأول كما أذكره، درست الصحافة في بيروت وأتممت ماجستير في دراسات الشرق الأوسط في "جامعة كينغز كوليدج" في لندن. بالتأكيد لي رأي في قضايا كثيرة ولي مواقف في قضايا أخرى، ولكن حينما أعد أو أقدم أو أحاور أفعل ذلك وفق معرفة مهنية وأدوات علمية اكتسبتها.
في بيروت مثلاً، وخلال تغطيتي لما سمي بالثلاثاء الأسود أو "بروفا 7 أيار"، كنت أغطي ما يجري على الأرض وفي البقاع، وبعد نهار عمل طويل، جاءتني ردات فعل من زميلتين، كل منهما على ضفتين متناقضتين، وكل منهما اعتبرت أنني كنت منحازة للضفة المقابلة لضفتها، فتأكدت أنني "كنت في السليم".
* هل من قيود تلتزمين بها في حواراتك السياسية؟
- لكل وسيلة إعلامية خط تحريري، وهناك معايير مهنية وموضوعية معروفة. في كل الأحوال حتى الخط التحريري يجب أن يكون الالتزام به وفق المعايير الصحافية المهنية الموضوعية التي أسعى لعدم التخلي عنها، ما يجعلني غير نادمة على سؤال أو على عدم طرح سؤال.
*كونك إعلامية من بلد تكثر فيه الأحزاب والانتماءات السياسية، هل وجدت نفسك تميلين إلى طرف؟ كيف تقيمين وعيك السياسي خلال تلك الفترة اليوم؟
- تشكل وعيي السياسي قبل حسم قراري العمل في الصحافة. لطالما أردت لبنان بلداً متعافياً من جروح الحرب عن وعي وليس بالطمس. تحركت مع بنات وأبناء جيلي لمواكبة قضايا لبنانية وعربية وطنية. أُحبطنا كثيرا وتعلمنا أن نكون براغماتيين في السياسة ثم أن نستعيد آمالنا بتحركات أخرى. في لبنان أو في أي بلد آخر، للناس الحق في العيش الكريم، في الحرية المدنية والسياسية، في قوانين تحمي النساء من ممارسات قمعية وتمييزية.
أسعى لعدم التخلي عن المعايير الصحافية المهنية الموضوعية
* لو لم تكوني إعلامية، أين تجدين نفسك؟
- منذ الصغر بدا اهتمامي طبيعياً بمتابعة الأخبار والاستماع للنقاشات والمحاججات، وبالسياسة. في نهاية المرحلة الدراسية المتوسطة، وبعد تلمّسي أكثر لما بدا لي وعياً ذاتياً وسياسياً في حينه حسمت أمري في السعي في مجال الصحافة. اعتقد والدي حينها أن لديه ثلاث سنوات ليغير رأيي قبل مرحلة الجامعة، فأدخل كلية الحقوق. خلال المرحلة الدراسية الأخيرة جعلته مرافقاً لي لتأمين تنقلاتي لإعداد تحقيقاتي ومقابلاتي لصحيفة الحائط في المدرسة.
ألتقي أحيانا بأشخاص يخبرونني بعد فترة قصيرة من التعرف بي: "يناسبك أن تكوني محامية"، فأبتسم في قلبي لوالدي.
* يغلب على كتاباتك في مدوّنتك "غاردينيا" طابع الحزن. لماذا؟
- وما الإنسان سوى حزنه؟ قد لا أتميز عن غيري من جيلي في لبنان بوراثة تروما الحرب من أهلنا وعيش فترة لا بأس بها من السنوات الأخيرة لهذه الحرب، بالإضافة لكل ما عايشته في لبنان تحديدا منذ 1996 عناقيد الغضب حتى جريمة انفجار مرفأ بيروت. وهذه تروما يتداخل فيها الحزن العام والخاص بشكل وثيق. والأسباب الأخرى عدة أيضا ربما أختصرها بالحساسية المفرطة وبتلمس الفقد والخوف منه باكرا وتعلم التعايش معه بأشكاله المتنوّعة.
* ماذا قدّمت لك الغربة وممّ حرمتك؟
- لم أسمّها يومًا غربة. الغربة مفردة فيها ونس أكثر بكثير مما أظن حالياً أنني عشته، حينما ألتفت إلى السنوات الماضية. ومع ذلك لندن، هذه المدينة التي جئتها في تموز/ يوليو 2007، هي اليوم منزلي، واعتدت كينونتي الوحيدة فيها. وأحيانا تسطع الشمس فأقول: "في أمل رغم الملل".