في الدراما الي تتلقف قصصها من الواقع، استقطبت المشتركة منها في العام الفائت العديد من النصوص التي دارت في باحات السجون وخلف القضبان الحديدية، وكأنه اتفاق مخطط له بين شركات الإنتاج على تصدير هذه القصص للشارع العربي في محاولة جديدة لطمس معالم الربيع العربي وتضييق الأفكار التحريرية، عبر خلق صورة ذهنية قائمة على القتامة في المسلسلات والصورة الداكنة والضيق النفسي الذي تعانيه الشخصيات.
قبل الوصول للزنزانة، مرت الدراما المشتركة بمرحلة التحقيق والاتهام، فكان الممثل السوري تيم حسن متهماً، بعدما دخل بشخصية "العميد" كمحقق في حادثة اختفاء مفاجئة، وإذ به يعاند القوات الأمنية ويصبح في دائرة الاتهام ويضطر للهرب حتى ظهور الحقيقة. في المقابل، بدا الممثل قصي خولي أكثر دهاءً بشخصيته في مسلسل "2020"، بعدما تابع حياته داخل المخيم، وأخفى حقيقة تجارة الممنوعات وأنه الشخص المطلوب أمام أعين القوات الأمنية.
الممثل باسل خياط أيضاً دخل في قفص الاتهام ضمن مسلسل "الكاتب"، بعد أن عثر على فتاة معجبة بأعماله مقتولة بالقرب من منزله. الجو النفسي العام في هذه النوعية من الأعمال أسس لصورة دفاع البطل عن ذاته، وهي التي ستبرز بشكل أعنف في الأعمال اللاحقة حيث الحالة النفسية للبطل ستكون هي المحور.
قد يكون عمل "قيد مجهول" المتقن من حيث الصناعة والتنفيذ، مثالاً واضحاً لكيفية بناء العالم النفسي لشخصية البطل في صراعه مع ذاته ومع المحيط، وبرز ذلك من خلال شخصية الممثل عبد المنعم عمايري في معاناته من اضطراب ثنائي القطب، يجعله قاتلاً من دون أن يدرك ذلك، ورغم عدم التركيز على السجن كمحور للأحداث، إلا أن مشهد المواجهة بين عمايري والممثلة ناظلي الرواس أظهر ببراعة حجم الانكسار لدرجة التشظي في حياة من تؤسر حريته.
مواقع تصوير متنوعة منها الحقيقي ومنها المعد سلفاً لتدور ضمن كواليسه تفاصيل تتعلق بحياة المساجين ضمن سلسلة من الأعمال الدرامية المتزامنة، بدءاً من "سجن الحرية" الذي رصد شكل الحياة في لبنان بعد ثلاثين عاماً ضمن رؤية للمخرج أمين درة، وهناك تقاطعت المفاهيم بين السجن الحقيقي الضيق الذي يتصارع فيه الأبطال عبر حلبة قتال مباشرة والسجن الأوسع نطاقاً من ناحية الهيمنة الرقمية على حياة البشر.
السجن ظهر بقوة في مواسم مسلسل "الهيبة" حيث كانت تجري مخططات وصفقات في خلفية الأحداث، لينتهي الجزء الرابع بوقوع "جبل" في السجن وهروبه منه مع مطلع الموسم الخامس، السجن الذي زاره "جبل" من قبل، زاد تدريجياً من رسم نفوذ أكبر للشخصية التي قد تتمرد على كل شيء حتى على السجن.
أما قصي خولي، فقد زار السجن أكثر من مرة وفي ثلاثة أعمال قصيرة متتالية، إذ كان المسجون ظلماً في "لا حكم عليه" ليخرج بعد خمس سنوات باحثاً عن براءته من جريمة لم يرتكبها، ثم ظهر السجين المضطرب نفسياً في "بارانويا"، فهو القاتل لـ21 شخصاً من دون أن يعي ذلك، لينتهي به المطاف في المصح العقلي، وهو أخيراً السجين الهارب من الماضي عبر صفقة مريبة في أحداث "الوسم"، وهو عمل قصير أشرف خولي على تنفيذه بنفسه. التحدي الصعب أمام خولي جاء بالفصل بين الشخصيات، في حين وجه له الجمهور انتقاداً واضحاً لتكرار ثيمة الأعمال نفسها بشكل متتال من دون فاصل زمني واضح.
ووقع الممثل مكسيم خليل في المطب نفسه، فلم ينته من تقديم دوره في مسلسل "8 أيام" كهارب من وجه العدالة بعد اتهامه بجريمة قتل، حتى ظهر متهماً مرة ثانية في مسلسل "رقصة مطر". العملان المشتركان لم يخرجا من إطار غرف التحقيق والأمن الجنائي، في حين أسهب خليل في رسم ملامح شخصية "بسام القاضي" والتي جاءت على حساب النص الأصلي.
الممثلة سلافة معمار أدت دوراً استثنائياً في مسلسل "قلم حمرة" الذي دار جزء كبير من أحداثه داخل زنزانة الاعتقال، ثم عادت لدائرة الاتهام في مسلسل "عالحد". وعلى الرغم من عدم دخولها الزنزانة فعلياً في المسلسل، لكن دائرة الاتهام ووجود السلك الجنائي كان خطاً أساسياً في الأحداث.
أيضاً الممثلة سلاف فواخرجي حضرت في مسلسل "عنبر 6" كسجينة منذ المشهد الأول في الحلقة الأولى، ليرصد العمل حياة السجينات والقصص التي حدثت معهن للدخول إلى هذا المكان، مع التركيز على نمط الحياة اليومية داخل السجن.
ليس غريباً أن دراما الاحتجاز تحمل الكثير من الجاذبية، فالمكان المغلق الواحد في مسلسل "لعبة الحبّار" جذب اهتمام الجمهور من كل أنحاء العالم ليحقق أكبر نسبة مشاهدات في تاريخ منصة "نتفليكس". لكن الغريب في الدراما المشتركة أنها لم تطور من ذاتها من ناحية بناء القصص، فأخذت من السجن القشور، واستغلت المكان لتصدير البطل أكثر على أنه الشخص الخارق، كما عمدت إلى تنميط السجن كحدث شبه اعتيادي في حياة البشر، وكأن المنطق الخفي لهذه الأعمال يقول: "أنت في بيئة حريتك مرصودة في كل زاوية، فإذا ما أخطأت ولو قليلاً، السجن بانتظارك".