يواجه الصحافيون الفلسطينيون في قطاع غزة أزمات عدة خلال تغطيتهم الميدانية لمُجريات العدوان الإسرائيلي المتواصل، إذ يُحاولون تقديم التغطية الإخبارية المناسبة باستخدام أبسط الإمكانيات من أماكن ومناطق اللجوء كافة.
وبدأت معاناة الصحافيين مُنذ اللحظة الأولى لإعلان دولة الاحتلال الإسرائيلي عدوانها على قطاع غزة المُحاصر مُنذ سبعة عشر عامًا، والمُنهك على المستويات كافة، إذ تم استهدافهم بشكل مُباشر، واستهداف مقارهم، كذلك البنايات السكنية والمدنية التي تضُم مكاتبهم ومعداتهم، وأدت إلى عمل نسبة كبيرة منهم من داخل البيوت.
واضطر عدد كبير من الصحافيين إلى مُغادرة بيوتهم، وأماكن عملهم بعد طلب الاحتلال الإسرائيلي من سُكان مناطق شمال قطاع غزة، الإخلاء الكامل لمناطق سكناهم، والتوجه إلى جنوب وادي غزة، وسط القطاع، الأمر الذي فاقم صعوبة التغطية الميدانية لمُجريات الأحداث المُتتالية.
ويقول الصحافي الفلسطيني، علي المدهون، الذي يعمل في إحدى الاذاعات المحلية، إن اذاعته اضطرت لإيقاف البث بسبب الأزمات المُتتالية، التي بدأت بقطع إمدادات الإنترنت، والكهرباء من الجانب الإسرائيلي، والأوضاع الأمنية غير المُستقرة، وصولًا إلى طلب اخلاء المدينة، والتوجه جنوبًا.
ويلفت المدهون في حديث لـ"العربي الجديد" إلى أنه يجد صعوبة كبيرة جداً للبقاء على تواصل مع مختلف المنصات والمواقع الخاصة بالإذاعة، لرفدها بالأخبار والمستجدات، ومتابعة المجريات علىا لأرض، لعدم توفر أدنى إمكانيات العمل، ما يدفعه إلى مُحاولة ايجاد بعض البدائل التي تُمكنه من العمل، ولو بشكل متواضع.
ويوضح أنه يضطر إلى شحن جواله بالأجرة من أحد الأشخاص، أو شحنه من المسجد القريب من بيت أقاربه حيث نزح برفقة أسرته، وباقي أفراد عائلته، فيما يقوم بإرسال بعض المواد الإعلامية باستخدام انترنت الشارع، وهو انترنت متواضع، ومتقطع، ويضيف "لا يوجد أمامنا أي بدائل أخرى".
وتتراكم الأزمات أمام الصحافيين، خلال تغطيتهم للعدوان الأكثر شراسة، الذي فاقت خسائره البشرية والمادية مختلف الحروب السابقة على القطاع، حيث وصلت أعداد الشهداء وفق الاحصائية الأخيرة لوزارة الصحة الفلسطينية إلى 3800 شهيد، فيما أصيب نحو 12.000، بجراح مختلفة، واستشهد (وفق نقابة الصحافيين) 15 صحافياً، وفُقِد اثنان، إلى جانب تدمير 50 مؤسسة إعلامية، في الوقت الذي تشهد فيه شبكات الإنترنت، والكهرباء انقطاعا كاملًا، ما ساهم بعزل القطاع عن العالم، وعن بعضه البعض.
ويُبين مصور الوكالة الألمانية محمد الثلاثيني، الذي ترك بيته مُنذ بداية العدوان الإسرائيلي، بفعل القصف المكثف لمُحيط منطقة سكنه وسط مدينة غزة، أنه اضطر للنزوح إلى مدينة خانيونس، جنوبي القطاع، مع عائلته لليكن عند إحدى العائلات.
ويلفت الثلاثيني لـ"العربي الجديد" إلى أنه نظراً لصعوبة الرجوع للعمل في مدينة غزة، بفعل التهديدات الإسرائيلية المتواصلة، بات يتنقل بين منطقة النزوح، وبين مُستشفى ناصر، كي يتمكن من شحن معداته، وإرسال الصور التي بحوزته، إلا أنه لا زال يُعاني من ضعف شبكة الإنترنت، وانقطاع التيار الكهربائي، الأمر الذي يؤخر إرسال المواد الإعلامية لساعات طويلة.
ويوضح الثلاثيني أن الأزمات لا تقتصر على الوضع العملي والتِقني فقط، وإنما على الوضع النفسي، الذي يؤثر بشكل كبير على قدرة الصحافيين النازحين على العمل، خاصة في ظل عملهم في أماكن مختلفة عن بيئة عملهم الطبيعية، ويقول "لا أعرف كثيراً في الأماكن هنا، وأتوه بين الشوارع خلال مُتابعة الأحداث، لكنني مضطر لإتمام عملي، ولو بأبسط الامكانيات والأدوات".
أما الصحافية هنا عليوة، وهي مديرة شركة انتاج إعلامي ورقمي، خاصة بتزويد خدمات الإنتاج الإعلامي والقصص التلفزيونية والأفلام الوثائقية للقنوات التلفزيونية والمؤسسات، فتوضح أنها اعتذرت لعدد من القنوات والمؤسسات التي طلبت تزويدها بالخدمات الإعلامية، وذلك بعد استشهاد عدد من الصحافيين، وتضرر بيتها ومكتبها الإعلامي بداية الحرب، واضطرارها للنزوح.
وتوضح عليوة لـ"العربي الجديد" أن منطقتها تعرضت لقصف عنيف، أدى إلى تضرر مقر الشركة بشكل كبير أوقفه عن العمل، فيما لا تزال تحاول استيعاب صدمة النزوح نحو مدينة رفح جنوبي قطاع غزة، والمترافقة مع صعوبة التغطية الإعلامية في أجواء وظروف خطيرة، وغير طبيعية.
وتواجه عليوة صعوبة كبيرة جداً في العمل في منطقة خارج منطقة سكنها، خصوصاً عند إنتاج القصص والأفلام التلفزيونية، ما دفعها للعمل حصراًعلى نقل الحالات الانسانية، وإرسالها إلى أكثر من جهة عربية وأجنبية، وذلك عبر المكالمات الهاتفية، أو القصص المكتوبة، كما تحاول معرفة الأخبار عن طريق الرسائل أو المكالمات، والتي تتعرض لتشويش كبير، وتقطع متواصل، ورداءة في الصوت.
وتحاول عليوة نقل تفاصيل، وقصص، ومُعاناة الناس النازحة في كل مكان، وتلتقط الصور بهاتفها المحمول، لكنها لا تتمكن من إرسالها بفعل الانقطاع التام للإنترنت، وتقول "أحاول جاهدة ايصال تفاصيل المأساة الإنسانية للعالم، وخاصة معاناة الأمهات والأطفال، وصعوبات الحصول على الطعام والماء والخبز".