- يستخدم زعرب تقنيات فنية مبتكرة مثل أوراق الورد المجففة في لوحة "حصار" لتجسيد تجربته الشخصية والجماعية، معبراً عن الأمل والألم في أعماله الفنية.
- بعد استقراره في فرنسا، تتناول أعمال زعرب موضوعات مثل العنصرية والمنفى، مستخدماً مواد غير تقليدية مثل القطران لسرد قصص النضال والهوية الفلسطينية بطرق فنية مبتكرة.
من خلال حديثه عن لوحات أنجزها، وتنطوي على حكايات شخصية، عرّج الفنان التشكيلي الفلسطيني المقيم في باريس، هاني زعرب، على حيوات الفلسطينيين في قطاع غزة، منذ بدأ الرسم في مخيم رفح للاجئين الفلسطينيين، قبل أن ينتقل للعيش في الضفة الغربية، بعد أن أنهى دراسته في الفنون من جامعة النجاح الوطنية في مدينة نابلس، ففرنسا التي توجّه إليها في منحة فنيّة، ولم يتمكن من العودة منها، تبعاً لتداعيات الاعتداءات المتتالية على قطاع غزة.
قال زعرب، الذي استضافه المتحف الفلسطيني في بلدة بيرزيت قرب مدينة رام الله، وحاوره مدير المتحف الفنّان عامر الشوملي، الاثنين الماضي، إن لوحة "حصار" (إحدى لوحات الفعاليّة الفنية "هذا ليس معرضاً")، تلخص حكاية ارتباطه بزوجته صابرين، فهو ابن غزة، كما هو مثبت في الهوية الإسرائيلية التي باتت فلسطينية، بعد اتفاقيات أوسلو، وقيام السلطة الفلسطينية، وهي ابنة القدس. بهذا، فإن لمَّ شملهما ممنوع في قوانين الاحتلال ضمن عائلة واحدة، فلا هو مسموح له بالإقامة في مدن وبلدات وقرى الضفة الغربية والقدس، ولا هي مسموح لها بالتوجه إلى قطاع غزة.
عام 2000، عند انطلاق الانتفاضة الثانية، كان زعرب يقيم في رام الله، ولم يتمكّن حينها من مغادرتها.
لفت زعرب إلى أن لوحة "حصار" جزءٌ من مجموعة كاملة تحمل الاسم ذاته، وتتحدث عن حصار فلسطينيي غزة، حتى في وطنهم، سواء في الضفة الغربية أو القدس. ويشير إلى أنه، من الناحية الفنية، تعامل مع الأمر بتقنية الحصار داخل إطار اللوحة، إذ رسم نفسه في حالات عاطفية ضمن إطار العمل، وهي لوحات كبيرة الحجم. وفي هذا العمل تحديداً، استخدم أوراق ورد مُنشّفة كانت أهدته إيّاها محبوبته التي باتت زوجة، في تعبير عن الأمل والألم في آن.
غادر زعرب رام الله عام 2006، بعد أن رشحته مؤسسة عبد المحسن القطان للمشاركة في منحة في بيت الفن في باريس. كانت المرّة الأولى التي يسمح فيها الاحتلال للغزيّين ممن يعيشون في الضفة الغربية الخروج منها والعودة إليها. ولكن عندما كان في باريس بدأت حرب تموز العدوانية على لبنان، وعندما اختُطف الجندي جلعاد شاليط في غزة، وبات التنسيق بعودته إلى رام الله مستحيلاً، اضطر إلى الاستقرار في فرنسا، لتبدأ رحلة اغترابه الثانية، في حين كان مفروضاً على زوجته أن تعود إلى القدس كل ستة أشهر لتحافظ على هويتها المقدسية. وحين رزقا بابنهما قدسي عام 2007، باتت مضطرة لاصطحابه معها.
وعام 2009، سأله ابنه عن سبب عدم مرافقته له ولوالدته إلى منزل الجد في القدس، ما أثار حالة من الصدمة لدى زعرب، فيجيبه كذباً بأنه يخشى ركوب الطائرات. وعند عودته إلى المنزل قرب باريس، بدأ يرسم ما تولّد لديه من مشاعر من سياق حواره مع ابنه ذي العامين، وقتذاك. وكانت الأعمال التي رسم فيها ذاته أيضاً تتناول سلوكيّات الاحتلال العنصرية بحق الفلسطينيين عامة، والغزيّين على وجه الخصوص، ومنها: المراقبة والمنفى داخل المنفى، ما شكل مجموعة "درس في الطيران"، مازجاً بين عوالم ابنه الذي عمل على كسر الخوف المفترض لوالده من ركوب الطائرات، وما بين عوالم زعرب التي تركها في فلسطين، سواء في مخيم رفح، أو قطاع غزة، أو في الضفة الغربية والقدس.
وعلى مدخل متحف بيكاسو في باريس، استوقف زعرب مشهد طفلة لا يزيد عمرها عن الرابعة تستلقي على بطنها، وترفع قدميها، وتحاول رسم نسخة من لوحة عملاقة للفنان العالمي الشهير، ما دفعه إلى مغادرة المتحف فوراً، لاستعادة بداية تجربته مع الفن في مخيم رفح، وتحديداً في سني انتفاضة الحجارة أو "الانتفاضة الأولى" (1987 – 1993). كان زعرب يفرّ إلى الرسم من رعب الاحتلال في مخيم رفح، حيث كان منزل عائلته على شارع عام، وكان جنود الاحتلال كلّما مرّوا من أمامه يلقون القنابل الغازية والصوتية داخل صالون المنزل، ما جعله يفّر إلى أبعد زاوية في الصالون.
أما عمله "حرب الكريات الزجاجية"، فهو من وحي الانقسام عام 2007، وما كان يراه ويستمع إليه من قصص وصلت حد اقتتال الأشقاء في الأسرة الواحدة في غزة، لاختلاف انتماءاتهم الحزبية، فاستذكر لعبة الكريات الزجاجية التي كان لها موسم أشبه ببطولة في مخيمات غزة، ومنها مخيم رفح.
تحدث زعرب عن اتجاهه، في وقت لاحق، إلى استخدام مادة القطران في إنجاز لوحاته، أو ما يُعرف في فلسطين بالـ"زفتة"، ولفظ "الزفت" مرادف بالعامية لكل ما هو رديء، ما دفعه إلى توظيف هذه المادة التي عادة ما تستخدم في تعبيد الشوارع، وكان يستخدمها المستعمرون الغربيون قبيل اغتيال الأفارقة برشها عليهم، ثم الصاق الريش على أجسادهم الملآنة بالقطران قبل إعدامهم.