استمع إلى الملخص
- **تجارب شبابية وتعاونات مع كبار الفنانين**: أسس فرقة Les Petits Chats وحقق شعبية كبيرة. تعاون مع عبد الحليم حافظ ونجاة الصغيرة وفاتن حمامة، وقدم موسيقى تصويرية لفيلم "لا عزاء للسيدات".
- **تنوع موسيقي وتأثير ثقافي**: تعامل مع مختلف الفنانين وفق شخصياتهم الفنية، وقدم أغاني الأطفال بهدف غرس الفضائل. يؤمن بأهمية إعادة توزيع الأغاني القديمة لإحيائها، ويرى أن البساطة والعمق هما سمات موسيقاه.
تخرّج الموسيقي المصري هاني شنودة (1943) من كلية التربية الموسيقية، ودرس في الكونسرفتوار. تنوعت إنتاجاته التي تجاوزت الـ1500عمل بين التلحين والتوزيع والتأليف الموسيقي. مهّد تأسيسه لفرقة المصريين السبيل إلى ظهور العديد من الفرق الأخرى، لكنّ أياً منها لم يبلغ ما بلغته فرقته من ذيوع ونجاح.
قدم كثيراً من المغنين، على رأسهم محمد منير وعمرو دياب. كما فتح الباب واسعاً أمام جيل من الموسيقيين، أمثال عمر خيرت وعمار الشريعي، إلى عالم الموسيقى التصويرية، حين قدم مبكراً موسيقى فيلم "لا عزاء للسيدات" (1979). ولا يُنسى وسط كل ذلك اهتمامه بأغاني الطفل التي أهدى العشرات منها إلى التلفزيون. عن هذه التجربة الثرية، كان لـ"العربي الجديد" لقاء مع شنودة للتعرف أكثر من خلال حديثنا معه إلى مسيرته الفنية.
ساهمتَ في تأسيس فرقة Les Petits Chats شاباً. ورغم أن نشاطها اقتصر على تقديم الأغاني الأجنبية، فإنها حققت شعبية كبيرة. كيف تنظر إلى التجربة، وما الذي قدمته لك؟
في ذلك الزمن، كان استيراد أسطوانات الموسيقى الغربية ممنوعاً. ورغّبنا هذا المنع في شرائها، بعدما نشط التهريب، حتى نتعرف أكثر إلى تلك الموسيقى. وبعد أن رحلت أغلب الفرق الأجنبية عن مصر، شجع هذا على ظهور فرقة مثل Les Petits Chats لتحل محل الفرق الراحلة. ومن خلال الفرقة، عرفت "الباص بيعمل إيه والكوردات بتعمل إيه والحكاية إيه والرواية إيه"؛ لأني كنت مسؤولاً عن تحديد ما ستعزفه كل آلة من اللحن. باختصار، منحتني Les Petits Chats خبرة مهمة استثمرتها في ما خضته بعد ذلك من تجارب.
في فترة الشباب أيضاً، وقبل ظهور فرقة المصريين، سعى عبد الحليم حافظ إلى أن تؤسس له فرقة تقدمه بصورة مختلفة، وطلبتك نجاة الصغيرة بعد ذلك حتى تصنع لها أغاني جديدة. وكلفتك فاتن حمامة بوضع الموسيقى التصويرية لأحد أفلامها "لا عزاء للسيدات". ما الذي جعل هاني شنودة جذاباً لكل هؤلاء الفنانين؟
بالنسبة لعبد الحليم، فقد حرص دائماً على حضور حفلات Les Petits Chats. اجتذبه مشهد الجمهور الكبير، الذي بلغ تعداده الآلاف، وهم يرقصون في ابتهاج على ما نقدمه من "مزيكا". علم الفنان حينها أن المستقبل لمثل هذه الفرق الصغيرة، بعدها طلب مني أن أؤسس له فرقة مثل Les Petits Chats، فأحضرت عدداً من العازفين على رأسهم عمر خورشيد، وبالفعل قدمنا أولى حفلاتنا وحققت نجاحاً كبيراً. لكن للأسف، رحل عبد الحليم بعدها. أما بالنسبة للآخرين، فأتصور أن مصدر الجاذبية ما أسميه "الجمال الخفي"، في مقابل الميلودي أو الجمال الواضح، الذي كنت حريصاً على حضوره في كافة أعمالي.
من عبد الحليم ونجاة وفايزة أحمد إلى عمر فتحي ومنير ودياب إلى عدوية وكتكوت الأمير... لا شك أن التنقل في تلك المساحة الواسعة يتطلب خفة بالغة. ما العوامل الأخرى التي جعلتك تنجح مع جميع هذه الأسماء على اختلاف ألوانها الغنائية؟
كل شخص له ذات، أتعامل معه على أساسها. فمثلاً، حين ألتقي أو أخاطب رئيس الجمهورية، فهذا يستدعي لدي شعور بالاحترام البالغ وألا أنظر إلى عينيه مباشرة.. إلخ، يختلف الأمر بطبيعة الحال حين أتحدث إلى أولادي، كذلك مع زوجتي، كل واحد له بداخلي ذات يستدعي التعامل معها طريقة معينة، نفس الأمر حين أقدم عملاً فنياً مع واحد من هؤلاء الفنانين، فأنا أتعامل معه وفق طبيعته وشخصيته الفنية.
هناك عامل آخر. أنا من مواليد طنطا، وهي مثلما هو معروف بلد موالد، ومن خلال هذه الموالد تعرفت إلى التواشيح والإنشاد الديني، كذلك الأغاني الشعبية، وكانت أختي دائمة السماع إلى الأغاني الغربية، وأمي اعتادت العزف على البيانو إلى جانب العود. نتيجة لكل هذا تشبعت بالموسيقى على تنوعها، وهو ما أثرى ذائقتي.
لك أيضاً تجربتك مع أغاني الأطفال، إذ قدمت عدداً كبيراً منها، وحرصت على أن تضم ألبومات الفرقة دائماً أغنية للطفل، ما الفكرة وراء هذا التوجه؟
جاء ذلك من منطلق رغبتي في غرس فضائل مجتمعنا في نفوس الأطفال. مثلاً، مع أغنية مثل "وده مين؟ وده مين؟ الحاجة الحلوة اللي جبهلنا" لنيلي، يتعرف الطفل إلى كل من ساهم في صناعة التورتة ليكون مقدراً وممتناً له. وحين قدمنا أغنية "النورس" لمحمد ثروت التي تقول في كلماتها: "الحلم حققته، لأني صدقته وكتبني في ورقته قبطان من الشطار"، استهدفنا الترويج لمعنى الهمة والإرادة، وسعت أغنية مثل "اللعبة" لنيلي أيضاً إلى الحض على العمل الجماعي وترسيخ قيمة الصداقة، وغير ذلك كثير. حرصت في هذه الأغاني على غرس الفضيلة في نفس الطفل، فهذا هو دافعي الأول لكل ما قدمته إليه.
في أحد حواراتك ذكرت أن اللحن قد يكون سبباً في نجاح الأغنية، لكن الكلمات هي من تجعلها خالدة. ما هي الكلمات التي تظن أنها كتبت لموسيقاك هذه الاستمرارية؟
الأعمال التي صنعتها لنجاة لن تجد فيها كلمة خصام أو عتاب أو ألم، جميعها يتحدث عن الحب الصافي. وأتذكر في هذا الخصوص حديثاً لي مع الشاعر عبد الرحمن الأبنودي، قال لي فيه: "أنت موهوب، مع ذلك تقدم موسيقاك من خلال كلمات مش ولا بد". وكان ردي عليه: "أنت قلت: أنا رمشي ما داق النوم، وهو عيونه تشبع نوم، روح يا نوم من عين حبيبي" ("عيون القلب" لنجاة) هذه أغنية كره وليس حباً مثل ما تتصور". تلك المحادثة جاءت في إطار المزاح مع الشاعر الراحل، لكنها تعكس وجهة نظر لم تتفق وقتها مع السائد، إذ كانت كلمات أغاني الحب مرتبطة على الأغلب بالعذاب والهجر والفراق والألم، فكنت أول من حرر الأغنية من هذه الصورة عبر حرصي على تقديم الحب في صورته الصافية الخالية من تلك الشوائب.
لكن هل هناك ألحان بعينها ترى أن الكلمات قد خلدتها؟
سأذكر لك مثالاً بعيداً عن أغنياتي. عمل مثل "فات الميعاد" هو عمل خالد بفضل كلماته التي تقول: "عايزنا نرجع زي زمان قول للزمان ارجع يا زمان". كذلك في أغنية "ما تحسبوش يا بنات إن الجواز راحة"، أتصور أن هذه الكلمات أبّدت موسيقاي، هناك أيضاً "زحمة يا دنيا زحمة".
هناك وصف يتكرّر حول موسيقاك مفاده أنها بسيطة وبعيدة عن أي تعقيد، ماذا يمكن أن تضيف إلى توصيف لغتك الموسيقية؟
مثلما تتسم موسيقاي بالبساطة فهي لا تخلو من عمق. مع ذلك أحرص دوماً على أن تكون لغتي الموسيقية سلسة من دون أن يلحقها أي تعقيد في النقلات، وهذا يحرض بطبيعة الحال على سهولة التلقي.
إذا رغب هاني شنودة في المباهاة بأعمال له، أيها سيختار؟
في الرومانسي أعمالي مع الفنانة نجاة، مثل "بحلم معاك" و"أنا بعشق البحر"، وفي الشعبي "زحمة يا دنيا زحمة"، ولمنير "علموني عينيك"، ولعمرو دياب "الزمن"، ولفرقة المصريين "ما تحسبوش يا بنات" و"ماشية السنيورة". واليوم أجد كثيراً من الشباب يستمعون إلى أغنية قديمة للفرقة اسمها "لما كان البحر أزرق"، أتصور أنها من أجمل ما قدمته، وإن كان الشريط الذي ضم الأغنية صادفه حينها سوء حظ كبير، إذ واكب نزوله السوق اغتيال السادات. مع ذلك، في رأيي أن الأغنية المصنوعة بحرفية، حتى لو توارت زمناً لأي سبب سيجيء الوقت الذي تعاود فيه الظهور، جاذبة إليها الأنظار.
هذه الرؤية تستدعي إلى الذهن تصوراً لك طرحته في أحد البرامج الحوارية بخصوص إعادة توزيع الأعمال الغنائية القديمة لإحيائها.
اطلعت أخيراً على إمكانية تتيحها إحدى المنصات متعلقة بصناعة Cover للأغنية، بمعنى تقديمها عبر توزيع جديد. في رأيي أن مثل هذا الأمر ينبغي الاحتفاء به، فالأغنية لا بد أن تقدم بألف مذاق. من الممكن أن أطرح أغنية مثل "بحلم معاك" من خلال موسيقى السامبا، أو أن أعيد توزيعها عبر الرومبا، وكل توزيع جديد هو إضافة. كلما تعددت توزيعات الأغنية تجددت دماؤها وذاعت أكثر، وهذا لا يتعارض مع من يرغب في الحفاظ على اللحن الأصلي، فهو محفوظ بالفعل. وحين يقدم ملحن مثل عمرو مصطفى على إضافة صوت أم كلثوم إلى أحد أغانيه فلا مشكلة في ذلك أبداً. أعتقد أنه ليس من المفترض أن تكون هناك أي مشكلة مع التجارب الجديدة، لأنها في رأيي تمثل إثراء لما لدينا.
قد يرى بعضهم أن هناك تداخلاً فنياً بين أعمال هاني شنودة، وأعمال لأسماء مثل يحيى خليل وحميد الشاعري. هل يمكن أن تضع لنا خطوطاً واضحة لما قدمه كل منكم؟
يحيى خليل كعازف درامز ليس له مثيل في مصر، وقف معي في الأوائل وقفة أتذكرها له، وأنا أيضاً وقفت إلى جانبه بعد عودته إلى مصر عندما انضم إلى فرقتي عازفاً، والعلاقة بيننا حتى اليوم علاقة صداقة وثيقة جداً، كذلك علاقة عمل مهمة، أما بالنسبة لحميد الشاعري فلا أعلم ما الذي يمكن أن يجمعني به.
هناك من ينسب مثلاً إلى حميد الشاعري ما هو لهاني شنودة، متجاهلين أن تجربتك في صياغة الأغنية المصرية الحديثة أسبق.
فرقة المصريين موجودة منذ عام 1977، ولم يكن حميد الشاعري قد حضر إلى مصر حينها، وإذا كان من حوله يدعون أنه هو من طور الموسيقى في مصر إلا أنه لم يقل ذلك بنفسه. وهي على أي حال مسألة لا تهمني كثيراً، ولا أتصور أن هناك مجالاً للمقارنة بين متخصص خريج كلية التربية الموسيقية والكونسرفتوار، وبين أي اسم آخر لم يدرس دراسة أكاديمية. مع ذلك أنا دائماً أرحب بالمواهب، وأتذكر أني كتبت مقالاً عن الشاعري بعنوان "حميد ذو الأصابع الذهبية"، متحدثاً عن قدرته على صناعة النجوم في فترة وجيزة. وإذا كان هناك من يرغب في نسبة الفضل كله إلى الشاعري، فلا مشكلة لدي إطلاقاً، فهو زميل عزيز، لكن الحقائق في الواقع ستقرر في النهاية ما كان بالفعل.