درست المنتجة هدى الكاظمي إدارة الأعمال في "جامعة عَمّان الأهلية". من هناك بدأت رحلتها مع السينما، بفضل ورش عمل نظّمتها "الهيئة الملكية الأردنية للأفلام"، التي ساعدتها على تطوير فهمها السينما. عملت بعدها في صناعة الأفلام في العراق، مع "المركز العراقي للفيلم المستقل" (بغداد)، واكتسبت خبرة كبيرة من عملها مساعدة مخرج في أفلام عراقية، طويلة وقصيرة، وثائقية وروائية، منها: "شارع حيفا" لمهنَّد حيال، و"الرحلة" لمحمد الدراجي، و"طريق مريم" لعطية الدراجي، وغيرها. أخرجت فيلميّ "تغريدات عصفوري" و "جوف الصحاري".
لاحقاً، انتقلت إلى الإنتاج، بتأسيسها "شركة عشتار العراق للإنتاج السينمائي"، بفرعيها العراقي والأردني، وأنتجت "موصل 980" لمحمد علي سعيد، و"باب شرق، حرام" لميدو علي، و"جنائن معلّقة" لأحمد ياسين (مرحلة ما بعد الإنتاج)، وغيرها. كما عملت منتجة منفّذة لـ"كلشي ماكو" لميسون الباجه جي.
حاورتها "العربي الجديد" في شؤون سينمائية مختلفة.
(*) ما الذي قاد خطاك إلى االعمل السينمائي، وتحديداً إلى مجال الإنتاج؟
عدتُ من عمّان عام 2013، وكان الإخراج السينمائي طموحي وشغفي، فعملت مساعدة مخرج في أفلامٍ عدّة، وأدركتُ ـ من خلال هذه التجارب ـ أنّ الإنتاج أكبر مشكلة في صناعة السينما العراقية. لكوني مساعدة مخرج، كانت إحدى مهمّاتي وضع خطّة إخراج، فواجهت مشاكل كثيرة تتعلّق بالإنتاج. مثلاً: التأخير في العمل، أو تأجيله ساعات طويلة بانتظار الممثلين، أو فريق العمل لتجهيز الموقع... إلخ. كلّ ذلك بسبب عدم وجود منتج حقيقي، أو جهة منتجة تنظّم هذا كلّه.
بفضل عملي بين العراق والأردن، تلك الأعوام، تعلّمت أنّ أساس العمل السينمائي الناجح يأتي من الإنتاج، ويتفرّع من قسم الإنتاج هذا: منتج رئيسي، ومنتج مشارك، ومنتج مساهم، ومنتج منفّذ، ومدير مواقع، ومدير إنتاج، ومشرفون على الإنتاج. لذا، حاولت اكتساب هذه الخبرة. كما شاركت في دورات تدربية وورشات عمل سينمائية، نظّمتها "الهيئة الملكية الأردنية للأفلام"، فأدركت حقيقة واحدة: كي أتمكّن من صُنع فيلم سينمائي عراقي جيّد، عليّ البدء في قسم الإنتاج.
(*) هل أنت أول امرأة تعمل في هذا المجال في العراق؟ هل تتوقّعين صعوبات وعراقيل معيّنة؟
لستُ أول امرأة عراقية تعمل في الإنتاج السينمائي داخل العراق. قبلي، هناك فرات الجميل، التي أنتجت أفلاماً عراقية متميّزة، كـ"غير صالح للعرض" و"كرنتينة" لعديّ رشيد، و"الأوديسة العراقية " لسمير جمال الدين. هناك أيضاً بافي ياسين، التي عملت في الإنتاج السينمائي في شمال العراق.
الصعوبات كثيرة، بالنسبة إلى الرجل والمرأة معاً. بالعكس، لكوني امرأة، صادفتني تسهيلات وفرصاً.
(*) تعاني السينما في العراق، عامة، مشاكل كثيرة، أبرزها الإنتاج والتمويل. ما هي تصوّراتك لتخطّي هذه المشكلة؟
قبل الإجابة على مشكلة التمويل، دعني أقل لك إنْ أكبر مشاكلنا في الإنتاج إيجاد فريق عمل محترف لتصوير فيلم سينمائي جيّد. لا توجد لدينا اختصاصات معيّنة، كمساعد مخرج (راكور)، ومساعد مُصوّر (فوكس بولر)، ومدير صوت. لذا، نضطرّ إلى الإستعانة بفريق عمل من خارج العراق، لضمان الجودة العالية. هذا بالتأكيد يزيد من صعوبة التمويل، وضخامة الميزانية.
حلّ هذه المشكلة كامنٌ في إقامة ورشات مكثّفة، لتدريب وتأهيل كوادر تعمل بشكل محترف.
في ما يخصّ التمويل كمشكلة، فالإنتاج المشارك حلّ أنسب. أي أنْ تحصل على تمويل بسيط من العراق، كدعم مالي أو لوجستي أو فني بنسبة 40 بالمائة من الميزانية، ثمّ نستعين بمنتج مشارك، عربي أو أجنبي، ليشارك في الإنتاج، والحصول على التمويل من صناديق تمويل، مُستفيدين من وجود المنتج المشارك، من دول تعمل في الإنتاج المشترك، كفرنسا وألمانيا وبلجيكا. أو التقديم إلى صناديق التمويل غير المشروطة، كـ"مؤسّسة الدوحة للأفلام"، و"الصندوق العربي للثقافة والفنون ـ آفاق"، و"صندوق البحر الأحمر"، و"مؤسّسة المورد الثقافي".
(*) ما السبب في عدم دخول رأس المال العراقي مجال الإنتاج السينمائي: هل يتعلّق الأمر بغياب ثقافة من هذا النوع، أو بسبب جبن يحول دون خوض مغامرة كهذه؟
عندما أتحدّث مع رجل أعمال عراقي، يعمل في العراق، طالبةً منه مُشاركتي في إنتاجٍ فيلمٍ أو تمويله، يسأل مباشرة عن الضمان من استثمار أمواله. سؤال كهذا، يُطرح على رجل أعمال، يتطلّب منّه التفكير به ودراسته، قبل الحديث عن مغامرة أو عن ثقافة مستثمر.
بالنسبة إليّ، عليّ تقديم نموذج لأحد أعمالي، وهذا ما سأحاول عمله أو إثباته لنفسي بإنتاجي "جنائن معلّقة" لأحمد ياسين. المهمة صعبة، وتحتاج إلى دراسة سوق، وعقلية جمهور، ووضع خطة تسويق جيّدة.
(*) لديك شركة إنتاج سينمائي. ماذا عنها؟
أمتلك شركة إنتاج سينمائيّ، بين العراق والأردن، "شركة عشتار العراق للإنتاج السينمائي". تعمل على إنتاج 4 مشاريع سينمائية، في مرحلة ما بعد الإنتاج، فيلمين قصيرين، "النازح الأخير" لمهنّد السوداني، و"ساعة السعادة في بغداد" لأيمن الشطري؛ وفيلمين طويلين، الروائي "جنائن معلّقة"، والوثائقي "باب الشرق، حرام" لميدو علي.
هذه المشاريع ستكتمل قريباً، بحسب خطّة التوزيع والتسويق، بين عامي 2022 و2023.
(*) وماذا عن ظروف إنتاج "جنائن معلّقة"؟
بدأتْ كتابته مند عام 2016. بعد تطويره والمشاركة في ورشات سينمائية عدّة، بحثنا عن تمويلٍ لتنفيذه، فواجهتنا عوائق كثيرة، أهمها ضعف التمويل، ونقص الخبرات لدى الشباب العراقيين، إضافة إلى اندلاع "مظاهرات أكتوبر"، التي شهدها العراق عام 2019، ثم أزمة كورونا، التي شلّت الحركة تماماً في العالم، عام 2020، فاضطررنا إلى طلب قرض مالي من مصرف عراقيّ، لمباشرة التصوير وبدء العمل. استطعنا ذلك بداية يناير/كانون الثاني 2021.
حصل الفيلم على دعم محلي، على المستويين الحكومي والخاص، وعلى دعمين عربي ودولي: منحة "آفاق" في بيروت، واختياره لورش عمل عدّة مع جهات داعمة، فنّياً ومالياً، كـ"ورشة فاينل كات" (2021) في "مهرجان فينيسيا الدولي" في إيطاليا، و"فيرست كات"، بالتعاون مع "مؤسّسة الدوحة للأفلام" (2021)، و"سوق المشاريع الآسيوية" في "مهرجان بوسان السينمائي الدولي" (2020) في كوريا الجنوبية، و"سوق ومنتدى مالمو للسينما العربية" (2020)، و"سوق مهرجان جونة السينمائي" (2018) في مصر. كذلك، حصلنا على تمويل من "صندوق البحر الأحمر" في السعودية، عام 2022.
(*) كيف ترين مستقبلك في السينما؟ وماذا تقولين عن المشهد السينمائي العراقي الآن؟
رغم الصعوبات المادية واللوجستية، أنا متفائلة، ولديّ أمل كبير للأعوام المقبلة. التجربة الأولى صعبة دائماً، في المجالات كلّها، ليس فقط في السينما. تجربتي في إنتاج "جنائن معلّقة" أعطتني قوّة وإصراراً للمستقبل.
عن المشهد السينمائي في العراق، أرى أنّ العراق يشهد ولادة شبابٍ عراقيين طموحين، لديهم رؤية سينمائية مختلفة. أرى العراق أرضاً خصبة للاستثمار السينمائي، إذْ يملك قصصاً تجعله يتصدّر المشهد السينمائي العالمي. إضافةً الى تنوّع الجغرافيا والبيئات واللهجات، وسهولة الحصول على مواقع تصوير في مختلف المحافظات، ووجود طاقات شبابية لديها شغف التعلّم والتدريب وإتقان المهنة. هناك أرض خصبة للمنتجين العرب والأجانب للإنتاج المشترك مع العراق.
(*) ماذا عن مشاريعك المقبلة؟
أوّلها التحضير لإنتاج مشروع "نشيغا"، فيلمٌ روائي طويل، عراقي ـ لبناني، للّبنانية ربى عطية، يتناول موضوع سكّان العراق الذين أُخرجوا قسراً من بلدهم إلى المنافي. سيُصوّر الفيلم بالكامل في شمال العراق. كذلك أعمل مع زميلي ياسر كريم على تطوير فيلمه الروائي الطويل "دنيا".
إلى ذلك، هناك ورشة عمل سينمائية بعنوان "نساء يصنعنّ أفلاماً"، أعمل على تنظيمها، مع فتيات عراقيات من مختلف المحافظات، لتدريبهنّ على صناعة الأفلام الوثائقية، وتوفير فرصة إنتاج 4 أو 5 أفلام وثائقية قصيرة، من كتابتهنّ وإخراجهنّ وتصويرهنّ. يُنفَّذ المشروع مع "منظمة البرلمان الألمانية"، وبتمويل من وزارة الخارجية الألمانية.