هلغا غورن في "محبوب": أداء جميل لدورٍ قاسٍ

10 يوليو 2024
هلغا غورن وأودْغاير توني في "مجبوب" قبل "انقلاب الأقدار" (الملف الصحافي)
+ الخط -
اظهر الملخص
- فيلم "محبوب" للمخرجة ليليا إنغولفسدوتير يروي قصة ماريا، التي تُظهر انجذاباً كبيراً لسيغموند، لكنها تتضح لاحقاً كمحتالة.
- الفيلم فاز بجائزة لجنة تحكيم مهرجان كارلوفي فاري السينمائي وأفضل ممثلة لهلغا غورن، التي قدمت أداءً يعكس اضطراب وقلق الشخصية.
- النص السينمائي يمزج بين التحليل النفسي والاجتماعي، ويستعرض مسار حياة ماريا وانحدارها، مع تصوير مميز وتوليف يعكس بيئة بشرية معقدة.

 

منذ لقائها به، تُصرّ ماريا (هلغا غورن) على التعرّف إليه. تُبدي انجذاباً كبيراً إليه. تبحث عنه، وبعض ما في أسلوب البحث يُشبه ملاحقة أو مطاردة. لها ابتسامة، يُكتَشف لاحقاً أنّها محتالة، إذْ لن يُفهَم مقصدها لحظة مُشاهدتها على وجه امرأة تبدو أنّها راغبة بشدّة في علاقة برجلٍ، سيكون سيغموند (أودْغاير توني)، المرح والنشيط، الذي يُشير إلى أنّ فيه تصالحاً كبيراً مع الحياة، ويريد أنْ يعيش وقتاً مُفرحاً وهانئاً.

يحدث هذا في "محبوب" (Elskling، العنوان النرويجي، علماً أنّ لعنوانه الإنكليزي الدولي، Loveable، المعنى نفسه)، للنرويجية ليلْيَا إنغولفْسْدوتِر، الفائز بالجائزة الخاصة للجنة تحكيم مسابقة الدورة 58 (28 يونيو/حزيران ـ 6 يوليو/تموز 2024) لـ"مهرجان كارلوفي فاري السينمائي"، إضافة إلى جائزة أفضل ممثلة لغورِن، التي تُقدِّم دوراً حادّاً في انقلابات الشخصية النسائية، وقاسياً في عيشها تفاصيل حياتية يومية، ومُرتبكاً في كيفية مواجهة الماضي وواقعها الحالي.

فغورن، إذْ تغوص في أعماق ماريا إلى حدّ الاندماج الكلّي فيها، تعكس ما في داخلها من اضطراب وقلق وألمٍ وضياع، بسلاسة عفوية غير مغيِّبة براعة تمثيل، لن تكون الجائزة وحدها تأكيداً عليها (البراعة)، فحضورها على الشاشة الكبيرة المدّة كلّها (تقريباً) لـ"محبوب" (101 دقيقة) كافٍ لتبيان ذلك من دون جهدٍ، بل بكثيرٍ من تفاعل حسّي وروحي، رغم مطبّات ماريا وأهوال ذاتها وروحها، ومشقّات محيطين ومحيطات بها.

وإذْ تكشف المرافقةُ مُخبّأ في ماريا، عبر أداء هلغا غورِن (حركة ونظرة وملامح وجه، ونبرة صوتٍ تتناقض مستوياتها وأشكالها)، يتحوّل النصّ (سيناريو إنغولفْسْدوتِر) إلى مزيجٍ بصري بين تحليل نفسي - اجتماعي ونمط تربية وسلوك، ومناخ بيئة بشرية. والمزيج نفسه غير متورِّط كلّياً بهذه الثلاثية (تحليل ونمط ومناخ)، إلّا بقدر ما يتطلّبه نصٌّ يروي حكاية امرأة، مع ذاتها وعائلتها وأهلها، وصديقاتٍ أو معارف، والحكاية مفتوحة على معاينة سينمائية لما يصنع فرداً، أولاً وأساساً. والمعاينة، المنبثقة من المرأة، مؤهّلة سينمائياً، عبر تصوير إيسْتاين مامِن وتوليف إنغولفْسْدوتِر أيضاً، للأكثر من سرد حكايتها (المرأة - ماريا)، رغم أنّ كلّ شيءٍ وكلّ فردٍ مرتبط بها أولاً.

 

 

إصرار ماريا على لقاء سيغموند، بعد تلبيته حفلة تُدعى هي أيضاً إليها، عنادٌ غير مفهوم في البداية، لكنّ اللاحق لن يُفسِّر كثيراً، أو بالأحرى مباشرة، ذاك المعنى الخفي في ذاتها ورغبتها وإصرارها. تقول بعض هذا في لقطاتٍ متتالية (بحثها عنه)، لكنّ الأجمل كامنٌ في مسارٍ انحداري يبدأ بعد سبعة أعوام على أول لقاء فعلي بينهما، لن يكون مهمّاً معرفة تفاصيلها (الأعوام السبعة)، فبداية الانحدار مدخلٌ إلى أعماق ذاتٍ وتفكيرٍ وشعور في شخصية ماريا وعالمها الخاصّ، المنغلق على مسائل عائدة إلى أوقاتٍ ماضية (والدتها وزوجها السابق وولداها منه، إذْ تُنجب من سيغموند ولدين آخرين)، وأخرى غير قديمة كثيراً.

انهيار ماريا (أي انحدار مسارها الحياتي إلى تمزّقات وانكسارات واضطرابات) يُظهِر مكامن خلل في نفوس أفرادٍ، لها معهم ومعهنّ علاقات متنوّعة. فرغم أنّ في السرد السينمائي لحكايتها ما يوحي بأنّ "موقفاً" متّخذاً إزاءها (والموقف غير إيجابيّ، وهذا موحى به من دون تأكيد، ما يُساهم في جعل النصّ السينمائي ممتعاً رغم كلّ القسوة التي فيه)، هناك ما يوازن بين انهيارها وكشف أسبابه تدريجياً، بلغة مرتكزة على جماليات بوح وانكشاف هادئ، مع أنّ في الحاصل مع ماريا يعاني غلياناً قاسياً، وتعرية من يُحيط بها من أفرادٍ، لبعضهم وبعضهنّ صلة قُربى معها. أمّا كشف أسباب الانهيار فمشغول برويّة في السرد والحوار (بعض الحوارات منفعل وغاضب، وهذا طبيعي للغاية، لكنّه مُقدَّم بسلاسة وبساطة وعفوية)، وصولاً إلى نهاية ربما يُظَنّ أنّها مُصالحة مع الذات، مع أنّ فيها ما يوحي بأنّ الخاتمة مفتوحة، أي إنّ احتمالات جمّة يُمكنها أنْ تحدث.

إنْ يكن "محبوب" نصّاً سينمائياً عن شقاء امرأة ومسارها المؤدّي بها إلى نوعٍ من علاج أو خلاص (رغم أنّ في الخاتمة ما يشي بأنّ أموراً عدّة لا تزال معلّقة، وإنْ مع هدوءٍ كبير)، فإنّ أداء هلغا غورن انعكاسٌ صادق وشفّاف لتلك المرأة، جسداً وروحاً وانفعالاً ورغبات وتوقاً إلى منفذٍ.

المساهمون