استمع إلى الملخص
- انتقادات متزايدة لـ"روتانا" من فنانين ككاظم الساهر وإليسا بسبب الإهمال والقيود الإنتاجية، مما يعكس توترات بين الشركة والفنانين حول العقود.
- السوق الموسيقي العربي ينمو بقوة، مما يثير تساؤلات حول مستقبل العلاقات بين الفنانين وشركات الإنتاج الكبرى وإمكانية تحولهم للإنتاج المستقل.
أعادت أزمة المغنية بلقيس أحمد فتحي مع شركة روتانا، الكشف عن الوجه الإشكالي في صناعة الموسيقى العربية، خصوصاً في ما يتعلّق بعقود الاحتكار. وفي وقت يتصاعد الخلاف أيضاً مع المغنية المصرية شيرين عبد الوهاب، التي اتهمت الشركة المنتجة للموسيقى بأنها خالفت بنود العقد. يكشف ذلك عمّا بلغته صناعة الأغنية العربية من وضع مأزوم، مدفوعاً بصراع الحقوق.
وكانت الفنانة اليمنية-الإماراتية بلقيس فتحي قد شنت هجوماً ضد الشركة السعودية، على خلفية حذف "ميدلي" لها على قناتها في "يوتيوب"؛ إذ حذفت "روتانا" الميدلي بسبب وجود ثلاث أغان تمتلك حقوقها ضمن الفيديو. وذلك على الرغم من أن الفنانة غيرت التوزيع الموسيقي والكافرز للأغاني، على حد تعبيرها. وأكدت عبر منشور على صفحتها في منصة إكس، أن جميع ألبوماتها وكليباتها من إنتاجها الخاص. لكنها اضطرت إلى التنازل عن ألبومي "مجنون" و"زي ما أنا" لـ"روتانا" من أجل التسوية وإنهاء التعاقد بينهما. وفي إشارة واضحة، اعتبرت ما حدث "محاولة لمحاربتها فنياً"، ما يطرح سؤالاً حول ما إن كانت "روتانا" تحارب الفنانين الذين انفصلت عنهم، ويعود الانفصال بين بلقيس فتحي و"روتانا" إلى عام 2017.
في هذا السياق، سبق للشركة حذف جميع أغاني عمرو دياب، التي أنتجتها من قناته على "يوتيوب"، بعد انفصاله عنها عام 2015. ورفعت "روتانا" دعوى قضائية ضد النجم المصري الذي اتهم الشركة بمخالفة بنود الاتفاق بينهما. لكن الشركة سحبت الدعوى بعد حل ودي بين الطرفين.
وكانت الشركة قد استحوذت على الحصة الأكبر من سوق الموسيقى العربي، مطلع الألفية. وضمت أكثر من 100 مطرب عربي، بفضل استثمار مالكها السعودي أموالاً فيها. بينما أحجمت شركات الموسيقى عن إنتاج أعمال جديدة، بسبب انتشار القرصنة.
شهدت الموسيقى العربية موسماً لهجرة نجوم الغناء نحو "روتانا"، لكنهم اكتشفوا أن الواقع لم يكن وردياً. فمن ناحية، اشتكى بعض الفنانين بأن الشركة لم تلتزم بجميع وعودها، أو أنّهم تعرضوا إلى الإهمال. فمثلاً تضاءل اهتمام "روتانا" منذ سنوات بالمطرب العراقي كاظم الساهر، وفضلت عليه مواطنه ماجد المهندس. وهذا الأخير تقتصر ألبوماته منذ سنوات على الغناء الخليجي.
يبدو أن مسار "روتانا" بتكريس اللون الخليجي يفرض نفسه على الفنان اليمني ذي الجنسية البحرينية، فؤاد عبد الواحد، باقتصار أعماله على أغان خليجية. وهذا حال دون غنائه ألواناً ذات طابع يمني، ضمن ألبوماته التي تنتجها الشركة.
وسبق للمغنية المصرية شيرين عبد الوهاب اتهام الشركة، بأنها لا تهتم بالفنانين المصريين. وهو ما نفته الشركة التي تنتج لفنانين على غرار أنغام. لكنها واجهت انسحاب عدة نجوم مصريين، مثل تامر عاشور ورامي صبري.
ومن بين أبرز الذين اختلفت معهم "روتانا"، اللبنانية إليسا، التي أصبحت تعتمد على نفسها لإنتاج أغانيها، لكنها انفصلت عن الشركة من ناحية توزيع أعمالها في سوق الموسيقى وعقود الحفلات، ثم عادت أخيراً معبرة عن ندمها عن ذلك. ولا نعرف إلى أي مدى كان لذلك الانفصال علاقة بابتعادها عن الحفلات المقامة في السعودية، قبل أن تعود من جديد.
الخلافات لا تقتصر على شركة روتانا، إنما تشمل نظيراتها في مصر، مثل "مزيكا" لصاحبها محسن جابر، الذي اختلف مع عدة فنانين، مثل عمرو دياب وراغب علامة وهشام عباس. وكانت أكثر الخلافات قسوة تلك التي واجهها بهاء سلطان مع نصر محروس، صاحب شركة فري ميوزك، باحتكار مدى الحياة، ما فرض عليه التوقف عن الغناء عدة سنوات.
ولعل توسع "فري ميوزك" في التعاقد مع النجوم، والزيادة في حجم الإنتاج الموسيقي، أثر بجودة ما تنتجه الشركة. على سبيل المثال، بعد خلاف مع منتجها الأول نصر محروس، والانضمام لاحقاً إلى شركة روتانا، تراجع مستوى أعمال شيرين عبد الوهاب؛ إذ لم تقدم أعمالاً مثل "صبري قليل" ذات الحيوية والخفة، وكذلك "على بالي".
حالياً، تصاعد الخلاف بين عبد الوهاب و"روتانا"، بعد أن قدمت الأولى بلاغاً للنائب العام في مصر ضد الشركة، في منتصف مايو/أيار الماضي. واتهمت الشركة بعدم الالتزام ببنود التعاقد الموقع بينهما، رغم دفعها ثمانية ملايين جنيه للشركة، بحسب البيان الصحافي الذي أصدرته الفنانة، موضحة أن الشركة تؤجل إصدار أعمالها.
تأتي الأزمة في سوق الموسيقى رغم ما تشهده المنطقة العربية من نمو في إيرادات هذا القطاع؛ إذ سجلت نمواً بنسبة 35% عام 2021، بينما استقر نمو الإيرادات في العامين الأخيرين ليبلغ 14.4% عام 2023.
ومن المتوقع أن تصل قيمة سوق الموسيقى في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا لنحو 670 مليون دولار عام 2027، نتيجة تلقيها دعماً سعودياً. وحضور السعودية باعتبارها سوقاً يسمح لـ"روتانا" بفرض هيمنتها في الإنتاج الموسيقي.
يبقى السؤال: هل تعيش سوق الموسيقى موسماً لهجرة النجوم من "روتانا"؟ أم موسماً لهجرات جماعية عن شركات الإنتاج، لينحصر معظم نشاطها بالتوزيع وعقود الحفلات؟ وهل تطفو على السطح سوق الموسيقى المستقلة على حساب تلك الرسمية، التي ما زالت تهيمن عليها شركات الإنتاج التقليدية؟