شهد العام الماضي عودة النقاش الشائك نفسه حول علاقة الفنانين بالمخدرات، والإدمان الذي يلاحق سيرة كثيرين منهم. في 2022 كانت الفنانتان المصريتان شيرين عبد الوهاب ومنة شلبي بطلَتي هذه الأخبار، فيما سبقتهما في السنوات السابقة أسماء كثيرة لفنانين أوقفوا في المطارات أو أدخلوا مراكز إعادة التأهيل أو حتى السجن.
أما في الغرب فتبرز أسماء فنانين وفنانات، منهم من قتله الإدمان، ومنهم من شارك تجربته في التعافي وإعادة التأهيل، ومنهم من لا يزال يعاني من آثار المخدرات.
ولكن هل الإدمان منتشر بين الفنانين كما نعتقد؟
من الصعب الحصول على الإجابات من مجتمعاتنا العربية بسبب خصوصيتها، ولكن يمكننا الحصول على فكرة من خلال إلقاء نظرة على إحصائيات تتعلق بالمشاهير الغربيين. فأحصت دراسة أجريت عام 2016 نُشرت في Substance Abuse Treatment, Prevention, and Policy المتخصصة بالأبحاث المتعلقة بتعاطي المخدرات، ما يقرب من 300 من المشاهير الذين لقوا حتفهم بسبب جرعة زائدة من المخدرات بين عامي 1970 و2015. أكثر من نصف المشاهير الذين شملتهم هذه الدراسة كانوا يعملون في صناعة الترفيه. يشمل تفصيل مهن هؤلاء المشاهير ما يلي:
- موسيقيون 38.6 %
- ممثلون 23.2 %
- رياضيون 15.5%
- رسامون 6.4%
- كتّاب 5.5%
- عارضو/ات أزياء 5%
- رجال أعمال 4.5 %
- سياسيون 1.4 %
وجدت الدراسة أيضًا أن من بين جميع الممثلين الذين ماتوا لأسباب متعلقة بالمخدرات، كان 13.7% يعملون في صناعة الأفلام الإباحية.
العوامل المؤثرة في انتشار الإدمان بصناعة الترفيه
يقول الدكتور ديل آرتشر، المدير الطبي لخدمات الطب النفسي في مستشفى ليك تشارلز ميموريال في لويزيانا: "يمنح المال والقوة والشهرة للأفراد سبلًا لسلوكيات يمكن أن تكون مدمرة للذات... لا يستطيع الآخرون الوصول إليها في المقابل".
عمل آرتشر مع مشاهير في مجال صناعة التلفزيون، بما في ذلك تلفزيون الواقع، لسنوات. ويرى من خلال عمله معهم أن "معظم الأشخاص الذين يعملون 40 ساعة في الأسبوع مع طفلين لن يمتلكوا المال للتوجه إلى لاس فيغاس، بينما تخمة المال من الممكن أن تفتح الأبواب للإدمان حتى في غياب الشهرة.
تدرس سونيا لوثر علم النفس في جامعة ولاية أريزونا، وهي مؤلفة لعدد من المقالات حول تعاطي المخدرات بين الشباب في المجتمعات الغنية. وقد أثبتت من خلالها، أنه على عكس الصور النمطية السائدة، فالأطفال من الطبقة العليا يواجهون القدر نفسه من المخاطر، إن لم يكن أكثر من التي يواجهها أقرانهم ممن نشأوا في بيئة فقيرة، عندما يتعلق الأمر بتعاطي المخدرات.
وجود الوقت
فترات التوقف الطويلة، سواء بين العروض أو المواسم أو الجولات، قد تكون سببًا أساسيًّا للعديد من المشاهير للإدمان. يقول المحاضر في علم النفس في جامعة ليدز بيكيت ستيف تايلور، لموقع Psychology Today: "أعتقد أن السبب الرئيسي الذي يجعل العديد من موسيقيي البوب معرضين لمشاكل المخدرات بسيط للغاية: الحياة غير المنظمة وغير النشطة التي يعيشونها، مع الكثير من السفر والتسكع ووقت الفراغ". وينطبق الشيء نفسه على الممثلين والرياضيين وحتى الرؤساء التنفيذيين، على حد قول داف مكاجان، عازف الباص في فرقة Guns N .Roses
أوضح آرتشر أن هناك قوة في العمل المنتظم الثابت. "إذا كان عليك الاستيقاظ كل صباح والذهاب إلى العمل، فهناك قيود خارجية تساعد في الحماية من الاندفاع"، هذا على عكس شخص قد يعمل لمدة أربعة أو خمسة أشهر على فيلم فقط ليكون أمامه أو أمامها الأشهر الستة التالية فارغة. في مثل هذه المواقف، يتطلب الأمر فردًا ذا إرادة قوية لمقاومة الإغراءات، التي من المرجح أن يضاعفها المال والشهرة.
النرجسية
النرجسية والعزلة التي تولدها الشهرة من الممكن أن تجعل الشخص معرضًا بشكل خاص للإدمان. يصرح نائب رئيس قسم الطب النفسي بجامعة فلوريدا الدكتور سكوت تيتلبوم، لموقع The Fix "نرى النرجسية مع المشاهير الشباب، خاصة الرياضيين، لقد تعلموا منذ الصف السابع أنهم مختلفون أو مميزون أو أفضل من غيرهم. الأمر نفسه في مجال الترفيه، خاصة مع النجوم الشباب. عندما يكبرون، تصبح تلك النرجسية حاجزًا حقيقيًّا أمام التعافي".
فالتواضع هو أحد مبادئ التعافي الأولى، وفقًا لأستاذ الطب النفسي المساعد في كلية الطب بجامعة جنوب كاليفورنيا الدكتور درو بينسكي،: "وشخص لا يتمتع بالتواضع في الحياة من الصعب جدًّا عليه ألا يتوقع معاملة خاصة".
الحفاظ على شعور بالإثارة والنشوة
إن أداء المهمات، والخروج برفقة الأصدقاء، وغيرها من تفاصيل الحياة، لا يسبب اندفاع الأدرينالين مثل الأداء أمام حشد يضم الآلاف. كذلك فإن "هناك اندفاعًا هائلًا للدوبامين (هرمون السعادة) يتعلق بفناني الأداء الحي" بحسب آرتشر. وهذا بدوره يجعل أولئك المشاهير يلهثون بين العروض لإيجاد ما يحافظ على شعور الإثارة والسعادة الذي افتقدوه.
في عام 2009، نشر الباحثان دونا روكويل وديفيد غايلز دراسة تستند إلى مقابلات مع 15 من المشاهير من مجموعة متنوعة من الصناعات. ومن بين النتائج التي توصلوا إليها أنه بمجرد أن يصبح الشخص مشهورًا، فإنه يجد صعوبة في تخيل أن يعيش حياته كأي شخص آخر. قال أحد الأشخاص الذين جرت مقابلتهم "لقد أدمنت تقريبًا كل مادة معروفة للإنسان في وقت من الأوقات، وأكثرها إدمانًا هي الشهرة".