هند خليل فنانة مصرية عانت منذ طفولتها من عيوب وراثية في الرؤية، وقد تفاقم وضعها الصحي مع الوقت، لتفقد بالتدريج القدرة الكاملة على الإبصار. كان الأمر قاسياً بالطبع، فلم تستطع في البداية تقبل وضعها الجديد بسهولة، لكنها مع مرور الوقت بدأت بالتأقلم والبحث عن وسائل تساعدها على التعايش معه.
في سبيل بحثها، اهتدت خليل إلى الفن، فلطالما كان الرسم هو أحد الأمور التي كانت شغوفة بها. مثّل الأمر بالطبع تحدياً لها، فكيف تعود إلى تلك الهواية المحببة إليها مرة أخرى؟ حتى قررت ذات مرة أن تجرب الرسم عن طريق اللمس والإحساس بالخامة. لم يكن الأمر سهلاً في البداية، لكن مع المحاولة والتجربة، استطاعت العثور على حلول عملية للتعامل مع الخامات ومساحة الرسم. استبدلت خليل الأقلام والألوان التي كانت ترسم بها بقصاصات ملونة من البلاستيك المطاط، فهو خامة مرنة ولها ملمس واضح.
عن طريق القص واللصق، استطاعت خليل أن تشكل أول أعمالها، وكان وجهاً لفتاة ذات ضفائر منسدلة على الجانبين. كانت سعيدة بالنتيجة التي حققتها. وبتشجيع الأصدقاء والأقارب من حولها، كانت قادرة على الاستمرار.
كانت ترسم اعتماداً على خيالها وذاكرتها، مستعينة في الوقت نفسه بالقدر الضئيل من الضوء الذي يتسرب إلى عينيها ويتيح لها التمييز بين الظلال. قررت خليل بعد أن توفَّرَ لها عدد كبير من الرسوم أن تعرضها على الجمهور، لتقيم أول معرض لها في بيت "الكريتيلية" (متحف غاير أندرسون) في القاهرة، وهو مبنى أثري يقع في حي القلعة شمال العاصمة المصرية. المعرض الذي اختُتم مع نهاية نوفمبر/ تشرين الثاني، ضم مجموعة متنوعة من هذه اللوحات التي أبدعتها خليل عن طريق هذا الأسلوب.
خلال عملها على هذه التجربة، تعرّضت هند خليل كما تقول إلى صعوبات كثيرة، من اختيار الألوان المناسبة، إلى نوعية المساحة التي ستعمل عليها، وحتى المادة اللاصقة التي تستعين بها في تثبيت قطع البلاستيك الملون على الورق. مع التجربة والبحث المستمر، استطاعت خليل أن تتعرف إلى الخامات الأنسب في التعامل. ففي البداية كانت تعتمد على مادة لاصقة غير مناسبة في تثبيت قصاصات البلاستيك المطاطي، ما أدى إلى تساقطها مع مرور الوقت، حتى اكتشفت نوعاً من الغراء القوي والأكثر ثباتاً ومقاومة للاحتكاك.
بهذا، أصبحت لوحات هند خليل مزيجاً يحتوي عناصر ووسائط عديدة، تجعلها تقارب الكولاج. تركز الفنانة في أعمالها على رسم الوجوه، وإبراز معالمها. لا يبدو هذا غريباً لمن هو بحالة مثل حالة خليل، فأول ما نريد أن نتعرّف إليه وندقق فيه حين نلتقي شخصاً ما، هو ملامحه، وجهه، عيناه... كل هذه التفاصيل هي التي تُعلن هوية أي إنسان، هي ما يشكّل نافذةً إلى أعماقه.
في البورتريهات المتخيلة التي تنجزها خليل نرى وجوهاً معظمها يتخذ شكلاً طفولياً. كما لو أن هذه الأشكال هي من أواخر ما تبقى في ذاكرة الفنانة، قبل أن يتضاءل بصرها تدريجياً. حتى إن كثيراً من أعمالها تبدو كما لو أن من أنجزها طفلة.
لم تكتف هند خليل بالرسم لمجرد الرسم، فمع التجربة انتبهت إلى طبيعة اللوحات التي تنفذها، ومدى ما تتمتع به من ملمس وبروز، ما يتيح التعرف إلى تفاصيلها من خلال اللمس، فاتجه هدفها إلى مساعدة الآخرين ممن يمرون بنفس حالتها على تذوق ما ترسمه.
صارت هند خليل أكثر حرصاً على إضفاء ملمس مناسب ومختلف لكل مساحة لونية تضعها على الورق. وبهذه الطريقة، استطاع العديد من المكفوفين التعرف إلى مضمون الأشكال التي ترسمها، حتى إن افتتاح معرضها قد حظي بحضور لافت من أعضاء جمعية النور والأمل، وهي إحدى الجمعيات الأهلية الشهيرة الراعية لذوي الإعاقات البصرية في مصر.
ترى هند خليل أن الفن كان وسيلة مناسبة للتكيف مع وضعها، فقد أعطاها الشعور بالقدرة على الابتكار، كما أتاح لها مساحة رحبة من الأمان والسلام النفسي. والأهم من ذلك، أنه وسيلة للاشتباك والاندماج وبناء جسور من الحوار مع الآخرين. وعن مشاريعها المقبلة بعد انتهاء هذا المعرض، تقول هند خليل إنها تستعد من الآن لتنظيم معرض آخر سيقام خلال يناير/كانون الثاني المقبل، والذي من المقرر أن تستضيفه إحدى المؤسسات الثقافية في القاهرة.