ظهرت وزيرة الدولة الفرنسية لشؤون الاقتصاد الاجتماعي مارلين شيابا على غلاف مجلة بلاي بوي لعدد شهر إبريل/نيسان. جلسة تصوير بملابس كاملة، ومقابلة للحديث عن المساواة الجندرية وحرية المرأة في امتلاك جسدها.
لكن، منذ الكشف عن ظهور الوزيرة على صفحات "بلاي بوي"، أي قبل قرابة الأسبوع من صدور العدد، توالت ردود الأفعال لسياسيين وصحافيين، بينما نال الخبر حصة كبيرة من النقاشات في وسائل التواصل الاجتماعي.
صحيفة لو باريزيان كانت الأولى في الإعلان عن الخبر: "مارلين شيابا على غلاف مجلة بلاي بوي". اختارت الصحيفة عنوانها، ونشرت الخبر يوم 31 مارس/ آذار. للوهلة الأولى، ظنّ كثيرون أن الأمر لا يتعدى كونه كذبة الأول من إبريل/ نيسان. في اليوم التالي، غرّدت شيابا عبر حسابها على موقع تويتر، مؤكّدة الخبر: "الدفاع عن حق النساء في امتلاك أجسادهنّ يحصل في كل مكان وفي أي وقت. في فرنسا، النساء أحرار. وهذا لن يُعجب الرجعيين والمنافقين. #بلاي_بوي".
تركّز جزء كبير من الانتقاد على توقيت الظهور. فهو يأتي في لحظة سياسية واجتماعية معقدة في فرنسا، مع توسّع التحركات في الشارع وتوالي الإضرابات، وذلك بعد فرض الحكومة إصلاحات قانون التقاعد. لكن، ما هو أكثر حساسية وأكثر ارتباطاً بالوزيرة كان ما نشرته الصحافة الفرنسية، قبل أيام من ظهورها على صفحات "بلاي بوي"، عن شكوك حول تورّطها في "تبخّر" مبالغ مالية من صندوق الدعم المالي الذي أنشئ عام 2021 لمحاربة التطرّف. فهل يكون غلاف المجلة محاولة لصرف الانتباه عن قضية أخرى؟
في 29 مارس، نشرت مجلة ماريان الفرنسية بالتعاون مع قناة فرانس 2 تحقيقاً صحافياً عنوانه "شيابا، غرافيل، سيفاوي... معلومات عن أموال تبخّرت من صندوق دعم مكافحة الانفصالية". بدأت القصة عام 2020، بعد قتل وقطع عنق المدرس الفرنسي سامويل باتي، إثر عرضه على الطلاب صوراً اعتُبرت مسيئة للنبي محمد كانت قد نشرتها مجلة شارلي إيبدو. بعد قرابة سنة من الحادثة، أعلنت شيابا عبر إحدى القنوات التلفزيونية الفرنسية (وكانت حينها وزيرة المواطنة الفرنسية، ومسؤولة مُلحقة بوزير الداخلية جيرالد دارمانان)، عن إنشاء صندوق دعم هدفه تمويل جمعيات للدفاع عن قيم الجمهورية ولمكافحة الخطاب الانفصالي، تحديداً على وسائل التواصل الاجتماعي والإنترنت: "2.5 مليون يورو يُمكننا أن نفعل بها الكثير".
ولكن ما كشفته المعلومات الصحافية هو أنّ إحدى الجمعيات التي استفادت من هذه الأموال العامة لم يكن ما أنجزته بحجم الأموال التي تلقّتها. 335 ألف يورو لتمويل موقع إلكتروني، وبضعة منشورات على وسائل التواصل الاجتماعي، لم تحقق أي منها انتشاراً أو جماهيرية عبر الإنترنت. في هذا الوقت، صرفت الجمعية 120 ألف يورو من أصل المبلغ، لدفع معاشات شخصين فقط من المسؤولين في الجمعية، أحدهما محمد سيفاوي، وهو صحافي مقرّب من أحد المسؤولين عن الإشراف على مشروع صندوق الدعم. لهذا، مارلين شيابا هي محور الشبهات في التلاعب بالمال العام، عبر اختيارها لتمويل جمعية تربطها بها مصالح/علاقة خاصة.
نفت شيابا، عبر بيان صحافي، وجود مصلحة مع أي جمعية مولت عبر صندوق الدعم. ولكن، وعلى اعتبار أن يوماً واحداً فقط فصل بين كشف هذه المعلومات وخبر ظهورها على غلاف مجلة بلاي بوي، تركّزت الكثير من الردود السياسية حول اعتبار الأمر مجرد عملية إلهاء مقصودة لتشتيت الانتباه.
تساءل عدد من أعضاء حزب "فرنسا الأبية" (حزب يساري بقيادة جان لوك ميلانشون، وهو معارض لإيمانويل ماكرون وحكومته)، عن اختيار توقيت هذا الظهور على صفحات المجلة. جان لوك ميلانشون اعتبر ظهور شيابا في المجلة، في هذا التوقيت استفزازاً، متهماً ماكرون باستخدام كل الحيل للتشويش. بدورها، غرّدت النائبة مانون أوبري، معتبرةً ما حصل عملية إلهاء عن القضية الأصل وتسخيفاً للقضايا النسوية، عبر أخذ خيار الظهور في وسيلة إعلامية تتبنى أفكاراً قائمة على التمييز الجندري.
وكالة الأنباء الفرنسية نقلت معلومات عن عدم معرفة رئيسة الوزراء الفرنسية، إليزابيت بورن، بمسألة هذه المقابلة. وحسب المعلومات، اتصلت بورن بالوزيرة فور معرفتها، وأبلغتها بأنّ ما حصل "غير مناسب على الإطلاق، خاصة في الظروف الحالية". بينما نقلت صحيفة لو باريزيان عن أحد المستشارين الحكوميين مخاوفه من الضرر الذي يُمكن أن تحدثه هذه الخطوة بحق الحكومة التي تحاول جاهدةً تهدئة المعارضين: "بغض النظر عن الزي، هذا فعل متهوّر".
بعد الحيّز الكبير الذي أخذه الخبر، والتساؤلات حول الشكل (الملابس) الذي ستظهر به الوزيرة، تسرّبت الصور الخاصة بالمجلة قبل يومين من موعد إصدار العدد (6 إبريل). قناة بي إف إم تي في كانت الأولى في نشرها، ومن بعدها انتشرت في الكثير من الوسائل الإعلامية، وتمّ تداولها بشكل كبير عبر الإنترنت. مدير تحرير المجلة، جان كريستوف فلارنتون، عبّر عن استيائه الشديد من هذا التسريب، واعتبره سرقة علنيّة والضرب بالمجهود المبذول عرض الحائط. وأعلن عن تواصله مع الجهات المختصّة لمحاسبة مسرّبي الصور قبل موعد نشرها.
خبر ظهور الوزيرة على صفحات "بلاي بوي" تناقلته الصحافة حول العالم، على الرغم من أنها ليست أول شخصية قادمة من عالم السياسة أو من دوائره تقدم على هذه الخطوة.
عام 1987، ظهرت والدة مارين لوبان (مرشحة اليمين المتطرّف إلى رئاسة الجمهورية الفرنسية) وزوجة جان-ماري لوبان (مؤسس حزب الجبهة الوطنية المحافظ واليميني المتطرف)، بياريت لوبان، على صفحات المجلة. كان الأمر جزءاً من الحرب الإعلامية الدائرة بينها وبين طليقها، في مرحلة ما بعد الانفصال والنزاعات على النفقة. أدّت هذه الخطوة إلى وقوع خلافات عائلية، وبسببها قاطعت الابنة (مارين لوبان) والدتها لفترة خمسة عشر عاماً. وعام 1990، ظهر دونالد ترامب على غلاف المجلة، مُرتدياً بدلة رسمية وإلى جانبه الممثلة وعارضة الأزياء براندي براندت.