توفي نقيب الصحافيين المصريين ورئيس "المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام" سابقاً، الكاتب الصحافي مكرم محمد أحمد، اليوم الخميس، عن عمر 86 عاماً، بعد صراع مع المرض، وحياة حافلة بالمواقف المناهضة لحرية الصحافة والإعلام، وتاريخ مهني مرتبط بالنظام السياسي المصري.
وقالت زوجته إنه عانى من انخفاض في نسبة الهيموغلوبين في الدم خلال الأشهر الماضية، ما استدعى الإبقاء عليه في أحد مستشفيات العاصمة القاهرة منذ أكثر من أسبوعين، شهد خلالهما تدهوراً حاداً في حالته الصحية. وأعلنت عن تأجيل تشييع جثمانه إلى ظهر الغد، فيما تجرى مراسم الدفن في مقابر العائلة في مصر الجديدة. وتستقبل الأسرة المعزين في مسجد "المشير حسين طنطاوي" في حي "التجمع الخامس"، عقب صلاة المغرب من اليوم نفسه.
وأحمد من مواليد مدينة منوف في محافظة المنوفية، وحاصل على ليسانس الآداب قسم الفلسفة من "جامعة القاهرة" عام 1957. بدأ عمله الصحافي محرراً في صحيفة "الأخبار" المملوكة للدولة، ثم مديراً لمكتب صحيفة "الأهرام" القومية في العاصمة السورية دمشق. كما عمل مراسلاً عسكرياً في اليمن خلال ستينيات القرن الماضي، وتولى رئاسة قسم التحقيقات الصحافية في "الأهرام"، حتى وصل إلى منصب مساعد رئيس التحرير، ثم مديراً لتحرير الصحيفة.
ومع اتجاه الحكومة المصرية لتوقيع معاهدة "كامب ديفيد" (1978)، استبق مكرم توجه الرئيس الراحل أنور السادات (1918 ــ 1981) نحو الكيان الإسرائيلي، بلقاءات مع صهاينة. ولم يتلزم قرار الجمعية العمومية لنقابة الصحافيين بحظر التطبيع عام 1980، بل هاجم رافضي التطبيع. وعُين في العام نفسه رئيساً لمجلس إدارة مؤسسة "دار الهلال"، ورئيساً لتحرير مجلة "المصور".
ولم يكن اجتماع مكرم مع مجموعة إسرائيلية في العاصمة البريطانية لندن عام 1974، قبل زيارة السادات للقدس بثلاث سنوات، محض اجتهاد شخصي، خاصة في تلك الأيام. ولاحقاً حظي بسبق صحافي في نشر المسودة قبل الأخيرة لمعاهدة السلام بين السادات والإسرائيليين.
وذهب مكرم إلى القدس المحتلة لمدة أسبوعين، استكمالاً لدوره المُكلف به حين كان مديراً لتحرير "الأهرام"، وكتب عن زيارته بحجة التعرف إلى طبيعة المجتمع هناك. وفي تل أبيب، التقى رئيس الوزراء الصهيوني مناحيم بيغن، وأجرى معه حواراً مطولاً، نُشر في 10 فبراير/ شباط عام 1980، تحت عنوان "أسبوعان في إسرائيل... حوار ساخن في مكتب بيغن رئيس الوزراء".
انتخب مكرم نقيباً للصحافيين المصريين بين عامي 1989 و1993، وكان مرشحاً عن الحكومة، آنذاك، بوصفه من مؤيدي الرئيس المخلوع الراحل حسني مبارك (1928 ــ 2020) وسياساته. وأعيد انتخابه لمدة 4 أعوام على حساب مرشح "تيار الاستقلال النقابي" رجائي الميرغني عام 2007، والنقيب الحالي ضياء رشوان عام 2009.
"هو مكرم محمد أحمد من الثوار؟"، هكذا تحدث عنه الرئيس المصري الراحل محمد مرسي (1951 ــ 2019)، قبل أيام قليلة من انقلاب الجيش على حكمه في 3 يوليو/ تموز عام 2013. وكوفئ مكرم على معارضته لنظام مرسي من سلطة الانقلاب، بتعيينه رئيساً لـ"المجلس الأعلى للإعلام" بقرار من الرئيس عبد الفتاح السيسي، في إبريل/ نيسان عام 2017، ليمارس دوره المفضل في إصدار قرارات المنع والحظر والتأديب.
لم يتغير نهج مكرم في مدح سياسات النظم العسكرية، وتجلى ذلك في مواقفه وأقواله المتواترة خلال السنوات الأخيرة، ومنها: "السيسي أثبت قدرته على فهم المصريين، وطبيعتهم، وطريقة تفكيرهم، وأثبت قدرته على مخاطبة عقولهم وقلوبهم"، و"تيران وصنافير سعوديتان، والإخوان هم من يستغلون الأمر لإشعال فتيل الأزمة بين القاهرة والرياض"، و"نقابة الصحافيين ليست مأوى للمطلوبين للعدالة".
وخلال فترة توليه رئاسة "المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام"، أصدر مكرم مئات القرارات المقيدة لحرية الإعلام، كان آخرها في مارس/آذار عام 2020، بشأن محاصرة الأخبار والبيانات التي يجري تداولها حول "كوفيد-19" وانتشاره في مصر. وقبلها مباشرة، أصدر قرار منع الصحافيين من النشر تحت أسماء مستعارة، إلا بعد موافقة كتابية من "المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام".
وأضاف المجلس، في عهد مكرم، خمسة محظورات جديدة في لائحته التنفيذية على وسائل الإعلام الإخبارية، منها التصوير في الشارع والأماكن العامة، بالإضافة إلى حظر التصرف في الوسيلة بالبيع أو الاندماج أو الطرح في البورصة، وحظر البث المباشر لخارج مصر، وحظر بيع وتأجير أجهزة البث، وحظر تركيب وتشغيل أجهزة البث من دون الحصول على إذن وتصريح.
وعارض ارتداء الصحافيين للبنطلونات الجينز المقطعة، باعتبارها خارجة عن الأخلاق والذوق العام. وهدد مكرم الصحافيين مرتدي هذه البنطلونات بمنعهم من دخول النقابة. وفي يونيو/حزيران عام 2017، أصدر المجلس قراراَ بتطبيق غرامة مالية قيمتها 200 ألف جنيه على الفضائيات و100 ألف جنيه على الإذاعات، في حالة استخدام لفظ بذيء في أي منها.
ووسط كل هذه المواقف الموالية للنظام، أبدى مكرم محمد أحمد موقفاً يتيماً يشبه المعارضة، كان بشكل أو بآخر سبباً كافياً للإطاحة به، إذ لم يتحمل فكرة إعادة وزارة الدولة للإعلام التي سبق إلغاؤها بنص دستوري، ينص على "تشكيل مجلس أعلى لتنظيم الإعلام وهيئتين وطنيتين، إحداهما للصحافة والأخرى للإعلام لتولي مهام تنظيم المشهد الإعلامي بالكامل" بدلاً منها.
وفي أعقاب استعادة وزارة الإعلام، ظهر صراع في المشهد السياسي الإعلامي فقط. وعلق حينها مكرم محمد أحمد أن "وزير الإعلام هو وزير بلا وزارة، وأن الدستور أكد على وضع المجلس الأعلى والهيئتين فقط".
تقرر الإطاحة بمكرم محمد أحمد من رئاسة "المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام" في 24 يونيو/حزيران عام 2020، في واقعة أعادت للأذهان واقعة طرده من نقابة الصحافيين المصرية إبان ثورة 25 يناير/كانون الثاني عام 2011، حين كان نقيباً للصحافيين، وفتح الباب لاسترجاع عشرات المواقف التي خذل فيها زملاءه من شيوخ المهنة والنقابيين البارزين وشباب الصحافيين وحتى النظام الذي عينه.