تصل الطائرة من مطار العاصمة الأوكرانية كييف، وعلى متنها 200 امرأة، إلى مطار القاهرة، ومنها إلى قطاع غزة، بتنسيق من "جمعية الصداقة الفلسطينية الأوكرانية". هؤلاء النسوة، كما رتبه خيال برنامج الكاميرا الخفية الرمضاني "جيت لحالك"، على قناة "الكوفية" الفلسطينية، شابات بالضرورة، والمطلوب أزواج لهن، إما من الشباب الأعزب، أو لمن يحب؛ فمَثنى وثُلاث ورُباع.
يؤدي "الفنان" إسلام أيوب دائماً دور سائق أجرة في كل حلقات البرنامج، ومعه زميل في المقعد الخلفي، ليدبّرا معاً مقلباً للراكب الذي يصطادونه. خصصت الحلقة الثانية للأوكرانيات. هكذا من دون مواربة، كما يظهر في حساب إسلام أيوب على "فيسبوك": "حلقة الأوكرانيات قنبلة ضحك مدوية".
يقع الركاب ضحايا خدعة لا تجوز على طفل، لكن العرض مغر ومتقن من جانب الممثل، ومفاجئ للراكب الذي لن يحصل على امرأة شقراء وحسب، بل أيضاً على ألفي دولار، ويتدخل مرافق السائق ليزيد في الإغراء قائلاً: لو تزوج ثلاثاً منهن، هل يتقاضى 6 آلاف دولار؟
إسلام أيوب يقدم نفسه على صفحته كما يلي: "فنان فلسطيني كوميدي يرسم البسمة ويصور أوجاع الشعب الغزي". وعلى رداءة وصف "الشعب الغزي"، كونه جزءاً من الشعب الفلسطيني، فإن هناك أوجاعاً لرازحين تحت احتلال استيطاني، وهم في كل لحظة يعيشون تحت عنوان رواية دوستويفسكي، "مذلون مهانون".
والحال، أن غزة المحاصرة التي تتنفس بصعوبة ليست مكاناً مرشحاً لقدوم لاجئين، خصوصاً بمواصفات أوكرانية في مخيال نمطي سمج. ولكن، إذا افترض أحد إمكانية أن يحدث هذا فوق نسبة صفر في المائة، فإن الحديث هنا عن حرب ولاجئين، وليس أوكرانيات. أي أن الطائرة التي تحمل ناساً من أوكرانيا، فإنما تحمل لاجئين، سيكون بينهم نساء مفجوعات، ومنهن مع أطفالهن، هربوا من جحيم يعرفه "الشعب الغزّي" حق المعرفة.
والحق أن الفلسطيني لديه من درب الآلام ما يكفي، لجعل الحساسية الأخلاقية أعلى تثقيفياً عند جملة الشعب، وضرورياً عند فنانين يمكنهم أن يضحكوا ويسخروا، إلا في عذابات الشعوب.
لأي كان أن يسأل معد الحلقة ومؤديها ومخرجها: ألستم لاجئين أيضاً ومعكم جداتكم وأمهاتكم لاجئات؟ بل إن هؤلاء اللاجئات هربن من الويل، متكفلات بحمل الذكور من أبنائهن الذين سيكبرون، وسيأتي بعض منهم ليستخرج من مأساة الحرب طرائد على مزاجه الشبقي.
ينبه أحد الواقعين في المقلب إلى أن من ستكون من حظه، ينبغي ألا تكون كبيرة في السن، فيطمئنه "فنان" الكاميرا الخفية إلى أنهن جميعاً شابات. ينبني نوع من مقالب الكاميرا الخفية على وضع الشخص في موقف غير منطقي، يجعله يفقد أعصابه. الكثير منها مسيء ومحرج في أقله.
غير أن "حلقة الأوكرانيات"، يكتشف فيها من تعرضوا للمقلب أن لا وجود لنساء سوى من لعبن في خيالهم بضع دقائق، ولا وجود لألفي دولار، مقابل إثبات الفحولة. ومع ذلك، وافق من وافق منهم على العرض، إذ لا تذاع الفقرات إلا بعد أخذ إذن من "ضحية" المقلب. وهذا مؤشر خطير، يمكن ملاحظته في التعليقات على منشور إسلام أيوب؛ إذ إن أكثر تعليق "إنساني"، طالب فقط بأن يذهب أحد الواقعين في المقلب، وهو في أواخر الأربعينيات، إلى العُمرة، بدل الحصول على أوكرانية، بينما شاع كثير من التعليقات حول ما ينتظره، خصوصاً المتزوجين منهم، من زوجات شاهدنهم، وهم يعقدون صفقة للحصول على إناث بيضاوات شقراوات بعيون زرقاء.
ومع أن مقلب الكاميرا الخفية دائماً يقوم على مواقف غرائبية غير منطقية، إلا أن الجميع كانوا ذكوراً، خاضوا في مسائل من الصعب قبولها، خصوصاً للمتزوجين، غير أنهم هنا لا يزالون يمارسون سلطتهم، إذا كان الأمر مقتصراً على مجرد التنويع في باقة النساء بالحلال.
لذلك، لا يمكن توقع تدبير مقالب لنساء، يدفع لكل واحدة منهن ألفي دولار، مقابل الحصول بالحلال على زوج أوكراني، إن كان مسلماً من أصل تتاري فبها ونعمت، وإن كان مسيحياً أرثوذكسياً، لا يدخل غزة قبل إعلان إسلامه على معبر رفح.
أبعد من الكاميرا حين تكون سمجة، فإن المقلب المدبر يحمل عنوان "جمعية الصداقة الفلسطينية الأوكرانية"، وهذه أكبر إساءة بحق الشعب الفلسطيني.