The Big Cigar: فهد أسود في قارب يصطدم بتمثال المسيح

19 يونيو 2024
ياقات القمصان والسراويل الفضفاضة والأرائك المخملية تضفي جماليات السبعينيات (آبل تي في بلس)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- سوزان ساراندون تعبر عن معارضتها للاحتلال الإسرائيلي في احتجاج بجامعة كولومبيا، مما أدى إلى فسخ وكالة "يونايتد تالنت" عقدها معها، مسلطة الضوء على تحديات المشاهير في اتخاذ مواقف سياسية.
- تاريخ هوليوود يشهد على مشاركة نشطة للمشاهير مثل جين فوندا ومارلون براندو في السياسة ودعمهم لقضايا اجتماعية وسياسية، مؤكدًا على تقليد طويل لاستخدام النفوذ للتعبير عن المواقف.
- "The Big Cigar" يستعرض قصة هروب هيوي نيوتن إلى كوبا، معالجًا تعقيدات حركة القوة السوداء وتحدياتها، ويقدم نظرة نقدية للجوانب المغفلة في التاريخ مثل أعمال العنف التي ارتكبها الفهود السود.

وقفت الممثلة الأميركية، سوزان ساراندون، على الجانب الصحيح من التاريخ عندما شاركت في الاحتجاج المناهض لدولة الاحتلال الإسرائيلي في جامعة كولومبيا في مدينة نيويورك منتصف إبريل/نيسان الماضي. وفي كلمتها، شجّعت المتظاهرين بقولها: "أنتم تمنحون الأمل لي ولكثيرين. في النهاية، الحقيقة ستسود". وفي نوفمبر/تشرين الثاني من العام الماضي، أنهت وكالة "يونايتد تالنت"، إحدى أهم وكالات التمثيل في الولايات المتحدة الأميركية، تعاونها معها بعد إدلائها، في تظاهرة حاشدة، بتصريحات مندّدة بالعدوان الإسرائيلي على قطاع غزة.

المسلك الراديكالي الذي اختارته ساراندون مدافعةً عن مضطهدي ومظلومي التاريخ ليس جديداً بأي حال من الأحوال في صناعة السينما الأميركية. في الستينيات والسبعينيات، كان من المألوف في هوليوود اتخاذ موقف مناهض للمؤسسة. بالإمكان استدعاء صور جين فوندا التي تجلس فيها على مدفع مضاد للطائرات للقوات المسلحة لفيتنام الشمالية الشيوعية (المعادية) احتجاجاً على حرب فيتنام التي قادتها حكومة الولايات المتحدة، أو مارلون براندو، الذي مثّلته في حفل توزيع جوائز الأوسكار عام 1973 الناشطة ساشين ليتلفيذر، ورفضت نيابة عنه قبول جائزة أوسكار عن دوره الرائد في فيلم "العرَّاب"، وألقت خطاباً غاضباً حول قمع الأميركيين الأصليين.

بالمثل، كان المنتج بيرت شنايدر أحد أكثر الشخصيات البارزة بين نشطاء هوليوود في ذلك الوقت. بصفته ممولاً وداعماً مخلصاً لحزب "الفهود السود"، ساعد مؤسّسه المشارك هيوي نيوتن على الفرار إلى كوبا في عام 1974 بعد اتهامه بقتل عاملة جنس، وهي جريمة أنكرها جملة وتفصيلاً.

يروي المسلسل القصير The Big Cigar، المعروض على "آبل تي في بلس"، قصة الهروب المثيرة هذه، والتي تبدو خارجة من بنات أفكار أحد مؤلفي هوليوود. لكن الحلقات الستّ لا تتعلق بذلك فقط. تتتبّع العديد من ذكريات الماضي مسيرة نيوتن المهنية رمزاً لحركة "القوة السوداء" الراديكالية: كيف ضايقه ضباط الشرطة واعتدوا عليه مراراً، وكيف أسّس مع رفيقه بوبي سيل حزب الفهود السود كردّة فعل على عنف الشرطة المتفشي في أوكلاند الكاليفورنية، وكيف قضى بعض الوقت في الحبس الانفرادي بعد اتهامه ظلماً بقتل ضابط شرطة أبيض.

يستند المسلسل إلى مقالٍ يحمل الاسم نفسه بقلم جوشوا بيرمان، ظهر في النسخة الأميركية من مجلة بلاي بوي عام 2013 وأشيد به حينها باعتباره "ملحمة هوليوودية حقيقية من السبعينيات". وهكذا يتصرّف المسلسل بالضبط. ياقات القمصان الواسعة، والسراويل الفضفاضة، والألوان الترابية القديمة والأرائك المخملية من جلد الغزال، إلى جانب موسيقى الفَانك والجاز، تضفي جماليات السبعينيات في كل ثانية. يضاف إلى ذلك الاستخدام السخي للشاشات المقسَّمة، كما كان شائعاً في أفلام ذلك الوقت.

ونظراً إلى اختيار المسلسل رواية أحداثه من منظور بطله، فليس من المستغرب أن يسمح صنّاعه لأنفسهم ببعض الإغفالات. على سبيل المثال، لا يُولَى اهتمام كبير لأعمال العنف التي ارتكبها أعضاء "الفهود السود"، بما في ذلك المواجهات القاتلة مع ضباط الشرطة. يظهر هيوي نيوتن زعيماً يتمتع بشخصية كاريزماتية أكثر من كونه متهوراً عنيفاً ومستبداً، كما وصفه بعض المعاصرين. كذلك لا يؤتى على ذكر موقف "الفهود السود" الصارم المناهض للصهيونية، في حين تناولت القصة الأصول اليهودية لبيرت شنايدر وأصول زميله المنتج ستيفن بلاونر (بي جيه بيرن)، الذي نظّم معه هروب نيوتن إلى كوبا تحت ستار تصوير فيلم يحمل عنوان المسلسل نفسه، The Big Cigar، والذي كان في الحقيقة الاسم الحركي لكوبا.

إلا أن المسلسل يسمح كذلك ببعض المناطق الرمادية. يلعب أندريه هولاند، المعروف من فيلم "مونلايت" للمخرج باري جنكينز، دور نيوتن في المقام الأول كشخصية غير آمنة تكافح مع نفسها وأشباحها الشخصية. في مشاهد استعادة ذكريات الماضي (وهي كثيرة جداً بالمناسبة، ومربكة أحياناً)، نراه يناقش شكوكه مع شريكته السابقة جوين فونتين (تيفاني بون). لم يعد يعتبر نفسه رمزاً للمقاومة المسلحة. وبينما يُعاد تمثيل صورته الأيقونية الشهيرة، جالساً على كرسي من الراتان مرتدياً سترة جلدية ممسكاً ببندقية ورمح، بدقة في أحد المشاهد؛ يتأمّل من خارج الشاشة فهم فوكو لأيقنة الصور ورمزيتها: "إذا أضحت الصورة أيقونية، يستحيل أن يصبح موضوعها أي شيء آخر".

كما يظهر الصراع داخل حزب الفهود السود. عندما تحوّل نيوتن عن التوجه العسكري لحزبه بمبادرةٍ لتقديم وجبات إفطار مجانية على الطلبة السود الفقراء، حدثت انقسامات خطيرة داخل الحركة. صنّف بعضهم أنفسهم رجالَ عصابات متشددين ينتظرون الثورة، بينما آمن آخرون بالخطوات الصغيرة لسياسة الإصلاح. "علينا التكيّف من أجل البقاء يا أخي"، يوضّح نيوتن ذات مرة لأحد رفاقه. كما تلعب البارانويا المتزايدة لديه أيضاً دوراً مركزياً. عندما يشعر أن مكتب التحقيقات الفيدرالي يتجسّس عليه، يرسّخ نفسه مثل أمير مرتبك في منزله (بتمويل من شنايدر) ويتلصّص على الشوارع خارج منزله باستخدام تلسكوب.

إلى جانب هيوي نيوتن، فالشخصية غريبة الأطوار لشنايدر، التي يلعبها أليساندرو نيفولا، هي مَن تحمل المسلسل. عُرف المنتج البارز في حركة "هوليوود الجديدة" بسخائه البالغ عندما يتعلق الأمر بالنشاط اليساري. فأنفق ثروته الهائلة عن طيب خاطر من أجل القضية "الصحيحة". عندما لا يسحب شنايدر خطاً من الكوكاكين تلو الآخر في حفلات مشهودة وصاخبة، يتحدث بصوت عالٍ عن القوة الثورية للسينما. "أريد أن أموّل الثورة"، كما يعلن بفخر في إحدى اللحظات الكوميدية.

لكن بصرف النظر عن العديد من ذكريات الماضي، تقتصر الحبكة إلى حدٍّ كبير على رحلة نيوتن إلى كوبا، التي طبعتها مغامرات غريبة وتنظيم مرتبك. في إحدى المرات، هرب كابتن الطائرة الكوبي بالمال المدفوع مقدماً؛ وفي أخرى، انقلب القارب الشراعي المخصّص للوصول إلى ميامي بعد اصطدامه بتمثال للمسيح كان قد غرق قبالة سواحل فلوريدا. حقيقة وثوق نيوتن التام في شنايدر أثناء هروبه لم تكن أمراً طبيعياً. عندما قُدِّم إليه للمرة الأولى في 1970، رآه أرستقراطياً أبيض يحلم بالثورة من دون خوض أخطارها. الأخير، بدوره، بعد نجاحه في فيلمي Five Easy Pieces وThe Last Picture Show، كان حريصاً على إنتاج فيلم سيرة ذاتية عن هيوي نيوتن. وفي النهاية، اقتنع نيوتن، تحت إلحاح المنتج وآلاف الدولارات التي حصل عليها لتمويل أنشطة حزبه التنموية. "السياسة تحكي قصة. وهوليوود تساعد في تضخيم قصتي"، كما يقول مبرّراً قراره.

ورغم أن الفيلم لم يظهر للنور أبداً، إلا أن الاثنين أصبحا صديقين، وبعد أربع سنوات وصل نيوتن إلى عتبة شنايدر هارباً من رجال مكتب التحقيقات الفيدرالي. ولكي يتمكنّا من التحدث سرّاً عن خطط الهروب من دون إثارة انتباه العملاء الفيدراليين، اخترع شنايدر وستيفن بلاونر مشروع الفيلم الجديد إياه.

تأتي هذه القصة اللافتة والغريبة، المستندة أيضاً إلى أحداث حقيقية، في الوقت المناسب تماماً لصناعة المسلسلات الباحثة حالياً بشدة عن قصص جيدة في مواجهة سوق مفرطة التشبع. من المؤسف أن The Big Cigar يعتمد كثيراً على مقالة بلاي بوي الأصلية، التي لا تدعم مسلسلاً سياسياً قصيراً من ست حلقات. وكثيراً ما تسبب القفزات الزمنية السريعة بين عامي 1967 و1974 ارتباكاً. في تلك اللحظات، يتمنّى المتفرّج لو أن بيرت شنايدر قد حقّق فيلمه عن سيرة هيوي نيوتن.

المساهمون