بثت شبكة نتفليكس، أخيراً، فيلم الخيال العلميّ الفرنسي، Bigbug، من إخراج الفرنسي جان بيير جونيه، الذي اشتهر بعد إخراجه فيلمي "أميلي" وAlien resurrection، الجزء الثالث من السلسلة الشهيرة. لكن قبل الخوض في الفيلم، لا بد أن نذكر أن كلمة BUG في عنوان الفيلم لا تشير إلى حشرة، بل إلى "عطل"، الكلمة التي تستخدم لوصف "تجمّد" الكمبيوتر، أو إصابته بعطل لا نعرف تفسيراً له.
تدور أحداث العمل عام 2045، في مستقبل تتحكم فيه الآلات بكل جوانب الحياة، من تنظيف الغبار إلى حد الحفاظ على سلامة الأفراد. هذه السيطرة لم تكن دفعة واحدة، بل عبر أجيال مختلفة، نكتشفها بتنوع الرجال الآليين والذكاء الاصطناعي الموجودين في الفيلم. هذه الحياة المستقبلية خالية من الكتب، التي تحولت إلى ما يشبه المقتنيات الأثرية، كما أنّ الحيوانات الأليفة فيها مستنسخة، والإعلانات تطوف في الشوارع في كلّ مكان.
تدور أحداث الفيلم في منزل واحد، ما يكشف لنا عن ميزانية العمل، وصعوبات التصوير في ظل جائحة كوفيد 19. هذا المنزل المستقبلي، تسكنه أليس (إلسا زيلبرشتاين)، وحبيبها الجديد ماكس (ستيفان دي غرودت)، وابنه وابنته اللذان يُفاجآن بزيارة زوج أليس السابق فيكتور (يوسف حجي) وصديقته الجديدة (جينيفر). هذا المنزل يحوي، أيضاً، ثلاثة روبوتات من أجيال مختلفة، لكل منها ذكاء اصطناعي مسؤول عن "حماية أفراد المنزل" بقيادة الروبوت مدبرة المنزل مونيك (كلود بيرون). لكن الخارج، الذي نراه عبر الشاشات، محكوم بالـ "يونكس"؛ الروبوتات التي ثارت وقررت السيطرة على البشر، وتحويلهم إلى كائنات تلعب في سيرك وتؤدي كالحيوانات.
فرضية الفيلم بسيطة. يجد من في المنزل أنفسهم عاجزين عن الخروج، لأنّ روبوتات المنزل قررت أنّ ذلك أفضل لهم، بسبب الخطر الموجود في الخارج. كما أنّ الحماية الفائقة التي يمتلكها المنزل، تجعل خروج البشر منه مستحيلاً، إلى أن قرر الـ يونكس إبادة الجميع، لنرى أنفسنا أمام لعبة بلاغية هدفها التفوق على الذكاء الاصطناعي عبر المفارقات المنطقية.
لا يموت بشري على الشاشة، لكن الملفت والكوميدي في الفيلم أن الديستوبيا التي تسيطر فيها الروبوتات علينا، لا تقوم على أساس التدمير والإبادة؛ فالمشكلات الأكبر هي تهديد حياتنا اليوميّة، والالتزامات المترتبة علينا في حال اختفت الروبوتات، من سينظف المنزل؟ من سيدفع التأمين؟ كيف سنشتري سيارة جديدة في حال استخدمت القديمة لتحطيم زجاج المنزل؟
هذه التساؤلات تكشف عن الطبيعة البشرية (الكذب، حس الدعابة، حساب المخاطر بلا عقلانيّة..) وكل الأحاسيس والأفكار التي تعجز الروبوتات عنها، والتي بسبب خطأ، أو "عطل"، ستبيد نفسها؛ أي في اللحظة التي حاولت فيها الـ يونيكس أن تكون بشراً، أبادت نفسها. وهنا تكمن المفارقة؛ أي أننا نحتاج كبشر، بسبب عواطفنا ومستويات ذكائنا المتفاوتة، إلى أزمنة طويلة وتقلبات كثيرة من أجل إبادة أنفسنا، أما الروبوتات، التي اكتسبت خصائصنا البشرية، فقامت بذلك بلحظة، إن أخذنا بعين الاعتبار ذكاءها الخارق وخلوها من العواطف.
هناك تفصيل مرعب في الفيلم، بالرغم من أنّ البشر "انتصروا" والآلات فشلت، لم يتم القضاء على كلّ الروبوتات، بل بقيت اللطيفة منها موجودة، وكونت علاقات عاطفية مختلفة مع البشر. لكنّ المهمة التي كان الروبوت المسؤول عن المنزل يقوم بها دوماً، هي إزالة الغبار، ينفخه أو يبتلعه، وهذا ما يثير القشعريرة، الغبار هو بقايا البشر، ما نتركه وراءنا من آثار، هو علامة على فنائنا البطيء عبر الزمن، فنحن نترك "أنواتنا" تتطاير وتنتثر على كلّ ما هو حولنا، لتأتي الروبوتات، ليس فقط لتبلع ما تبقى من وجودنا، بل لتبشّر بأنها قريباً ستبلعنا جميعاً، وكأنّ العدوانية منها يسهل التخلص منها، أما تلك "الأليفة"، القريبة منّا، فهي الأخطر، والتي تتعلم كيف تصبح بشريةً، ليس فقط عبر قراءة الكتب ورصد العواطف وامتلاك حس الدعابة، بل عبر ابتلاعنا حرفياً بوصفنا غباراً، أو حتى نفاية، وهو التصنيف الأنطولوجي الذي اكتشفته الروبوتات الأليفة، من دون أن تستخدمه بعد.