بثت شبكة "أمازون برايم"، أخيراً، فيلم الخيال العلمي Boss level، من إخراج جوزيف كارناهان، الشهير باشتغاله في أفلام الإثارة والأكشن. العمل من بطولة فرانك غريلو، نايومي واتس وميل غيبسون. الاسمان الأخيران، اللذان يَفترِضُ وجودهما في أي فيلم، أننا أمام ما هو مختلف عن المعتاد. لكن للأسف، بعد نهاية الفيلم، لا شيء جديدا سوى استغلال شهرة الممثلين، بالرغم من تبني فرضيّة قد تبدو للبداية مثيرة للاهتمام.
يلعب فرانك غريلو دور روي بولفر، الجندي المتقاعد الذي يجد نفسه ضمن دائرة زمنية لا يستطيع كسرها، أشبه بما نشهده في الفيلم الشهير Groundhog Day، الذي صدر عام 1993. لكن الاختلاف، أن بولفر عالق ضمن النهار الذي يتعرض فيه للقتل؛ إذ يستيقظ كل يوم الساعة السابعة صباحاً كي يُقتل في الساعة 12:48. ونكتشف خلال الفيلم أنه كرر هذا اليوم عشرات المرات، إلى حد أن أصبح قادراً على تفادي المجموعة التي تحاول قتله، من دون أن يصاب بخدش.
يحاول الفيلم أن يرسم لنا حكاية شخص مهدد بالموت في أي لحظة، من دون أن يعرف سبب ذلك. هذا التهديد يأتي على شكل قتلة مأجورين يحاولون إفناءه بمختلف الأساليب، ما يجعل الفيلم مليئاً بالمؤثرات البصرية والخدع التي تأسرنا، خصوصاً لقطة البداية التي تتكرر على طوال الفيلم. فمن يعيش ذات اليوم، قادرٌ دوماً على تفادي الخطر، مهما كان شكله، وهذا بالضبط ما كان يحرك بولفر، النجاة بحياته هي سبب استمرار وجوده بضع ساعات، عوضاً عن موته المحتم لحظة استيقاظه، حين يهب أحدهم بسكين على رقبته، لكن كما نكتشف لاحقاً، بولفر يتمكن من تفادي هذه الميتة بعدما درس بدقة زاوية هبوط السكين وسرعته.
يتغير تدفق الأحداث، حين يحاول بولفر أن يفهم سبب ما يحدث له، ولِمَ يريد أناس لا يعرفهم قتله. تتخلل ذلك لحظات كوميدية مشابهة لما نراه في Groundhog Day، كأن يتنبأ بما سيقوم به من هم حوله، أو يتفادى الثرثرة اليومية مع من يعرفهم. لكن، إثر رغبة بولفر بـ "المعرفة"، تتكشف لنا علاقته مع ابنه، ومع زوجته التي تركته، وكيف أنها المسؤولة عن كل ما يحدث.
لن نخوض في أحداث الفيلم كي لا نفسده، لكن المثير للاهتمام في هذه "الحلقة"، التي يجد نفسه بولفر أسيرها، أنها تطرح أسئلة على الذاكرة، إذ يتمكن بولفر من ضبط كل نهاره، ليحياه من دون أي مفاجأة. كل هذا تحركه النجاة، تلك الرغبة ما إن تتغير حتى يفقد بولفر قدرته على توقع ما يحصل، ويضطر لاختبار "الزمن الجديد".
لكن المثير هو خيار النجاة بوصفه الأول، واستمراره لعشرات الأيام قبل قرار بولر أن يكتشف ما يحصل له. هنا، يظهر الاختلاف مع فيلم Groundhog Day الذي مضى على ظهوره 30 عاماً تقريباً؛ فنجاة مذيع الأخبار الذي يؤدي دوره بيل موري مضمونة، بل نراه يضع نفسه ضمن مخاطر مختلفة، ليواجه موته، عله يجد فيه خلاصاً من التكرار، بعكس بولفر الذي يواجه موته مراراً ويريد فقط دقائق من الصفاء.
يراهن الفيلم أيضاً على جماليات ألعاب الفيديو، أي الموت ثم الحياة ثم الموت... إلى ما لا نهاية، كأننا أمام شخصية قادرة على تجاوز كل أشكال العنف الذي تشهده خلال النهار، لتبدأ حين تموت يوماً جديداً من دون خدش، ما يترك الذاكرة وحدها صامدة بوجه هذا التكرار؛ فبولفر وحده من يدرك ما يحصل من حوله، وهذا بالضبط ما يحصل في ألعاب الفيديو، حيث "اللاعب" فقط يستذكر ميتاته السابقة.
هذه المقاربة، تتيح لنا قراءة الفيلم من وجهة نظر مختلفة، وكأن حياتنا بأكملها ليست إلا "دورة" لا نعلم متى تنتهي ومتى تبدأ، لكن هناك دوماً احتمالات بداية جديدة، كل شيء بعدها "نظيف"... بدايةٌ نتحرر فيها من مسؤوليات ونتائج أعمالنا السابقة. مع ذلك، يبقى الفيلم في سياق الترفيه والتسلية التي تتركنا إلى جانب بولفر، ونحاول اكتشاف كيف سيموت نهايةً.