نهاية الشهر الماضي، أصدرت فرقة الروك البريطانية، Porcupine Tree، ألبوماً يحمل عنوان Closure / Continuation؛ وهو الإصدار الحادي عشر للفرقة التي بدأت مسيرتها عام 1989، والأول لها منذ عام 2009، ليأتي العمل بعد أكثر من عقد من الصمت التام، الذي بقيت فيه الأمور معلقة، من دون أن تتفكك الفرقة، أو أن تستمر بشكل فعلي. وخلال هذه الفجوة الزمنية الطويلة، سجّل مؤسس Porcupine Tree والعضو الوحيد الدائم فيها، ستيفن ويلسون، خمسة ألبومات فردية، زاد فيها من احتمالية انتهاء مسيرة الفرقة بشكل كامل.
لذلك، فإن عنوان الألبوم الجديد، يمكن أن يقرأ وكأنه الخيارات المتعددة التي تضعها الفرقة أمام تساؤلات الجمهور: فإما التوقف أو الاستمرار. تدعم هذه الفرضية تصريحات ويلسون لصحيفة "ذا غارديان" في شهر مارس/آذار الماضي، حين قال: "لا أعرف حقًا ما إذا كان هذا خاتمةً، أم بداية مسار آخر من مسيرة الفرقة المهنية المستمرة".
يتكون Closure / Continuation من سبعة مسارات طويلة، تتراوح مدة الواحد منها ما بين الأربع دقائق ونصف، والعشر دقائق. ويضاف إليها ثلاث أغان في النسخة الموسعة من الألبوم، لتصل إلى عشرين دقيقة إضافية من الموسيقى. ولا تتبع Porcupine Tree أي بنية متناسقة وثابتة في أي من أغانيها، فغالبا ما تذهب باتجاهات لحنية مختلفة في منتصف الطريق، لتقدم مقطعا يتميز بوتيرة مختلفة في منتصف كل أغنية، قبل العودة إلى الكيفية التي بدأت بها.
هذه البنية المركبة، تجعل من عملية استيعاب الألبوم أكثر صعوبة، وتؤدي إلى الضياع والارتباك في مرات الاستماع الأولى. ذلك يضع الجمهور أمام خيارين: فإما النفور السريع من الألبوم، أو إعادته مرات عديدة لمحاولة اكتشافه والغوص في تفاصيله المعقدة؛ ففرقة Porcupine Tree التي عُرفت منذ البداية بأسلوبها الخاص بصناعة موسيقى الـ"بروغريسيف روك"، تبدو في الألبوم الجديد أبعد ما تكون عن هويتها الموسيقية الأصيلة، وأكثر نزوعاً نحو التجريب. ففي العديد من اللحظات، نجد أن Porcupine Tree تتعمد نسج موسيقى أغاني الألبوم الجديد من عدة أنواع متنافرة، وكأنها تتقصد تعقيد العمل الفني. لكن هذا لا يعني أن الفرقة تخلت بشكل كامل عن الـ"بروغريسف روك" الذي طبع هويتها، وإنما أضافت عليه بعض الوصفات الجديدة الجانبية.
تفتتح الفرقة ألبومها بمسار Harridan العنيف، الذي لا يكاد يلين أبداً على مدار ثماني دقائق، وبأسلوب يعتمد التضاد بين الموسيقى الصاخبة وصوت الأداء العميق، الذي يشبه إلى حد ما صوت البيوت المسكونة في أفلام الرعب، ليردد كلمات تتلاشى فيها الحدود الفاصلة بين الأسطورة والمشاعر الحقيقية في الحياة اليومية. يرِد في مطلع الأغنية: "الرجل الذهبي يعض على لسانه الفضي، يأخذ نفساً عميقاً ويفجر الشمعة. إنه يعرف الحقيقة لكنه يحتفظ بها لنفسه. هذا هو الأمر: تستطيع فقط أن تنقذ نفسك؛ نفسك فقط".
منها تنتقل Porcupine Tree إلى أقصر أغاني الألبوم وأكثرها دفئاً، Of The New Day، التي تذكرنا بأغاني الفواصل التي كانت تقدمها Pink Floyd في السبعينيات؛ لتكون محطة طويلة نسبياً تقودنا إلى أغنية Rats Return، التي تبني أولى التصورات الشمولية في الألبوم، المتمثلة بالانتصار الحتمي للأكثر خسة ووضاعة، لتشمل الأغنية مجموعة من النصائح العملية اللاأخلاقية، ضمن سياق غريب يتحدث عن التطهير من الذنوب، فتبدأ الأغنية بعبارة: "اترك مبادئك عند الباب". ومن خلال هذه التناقضات، تلعب الفرقة ألعابها السحرية لتبني كل فكرة على أنقاض الأفكار السابقة التي تبنيها وتهدمها، لينتهي الألبوم دون الوصول إلى خلاصة واضحة.
لعلّ أفضل أغاني الألبوم هي Chimera’s Wreck الملحمية التي تمتد لعشر دقائق، وتشبه، إلى حد كبير، أغاني فرق الروك الكلاسيكية القديمة، بهيكليتها التي تشبه المتاهة، وبالإيقاعات الصعبة والطبول المضطربة والمنحدرات المتكسرة والديناميكيات عالية النعومة. هذه الأغنية توحي بأن الفرقة بذلت كل ما في استطاعتها فعله لتخلق أغنية قادرة على تخليدها عبر الزمن، بحال كان التوقف هو الجواب الذي ستختاره الفرقة بعد نهاية رحلة هذا الألبوم.