Trigger Warning: احذروا مُشاهدة هذا الفيلم

30 يونيو 2024
بطلة الفيلم جيسيكا ألبا (نتفليكس)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- فيلم "Trigger Warning" يواجه انتقادات لتصويره العرب كإرهابيين، مما يبرز تأثير الإعلام في تشكيل الصور النمطية، مع قلة الاهتمام من الإعلام الكبير رغم الحملات المناهضة عبر وسائل التواصل الاجتماعي.
- يعاني الفيلم من مشاكل درامية وفنية تخص السرد والجمالية، مما يجعله غير مؤثر في إثارة المتعة أو التسلية، رغم تناوله قصة تحارب الفساد السياسي والعسكري وتجارة الأسلحة غير المشروعة.
- يبرز الفيلم جماليات طبيعية وأداء متميز لجيسيكا ألبا، لكنه يفشل في تقديم تجربة سينمائية مقنعة ومؤثرة، مع رسائل حول الصراع بين الخير والشر والفساد في المجتمعات المغلقة.

بعد بدء بثّه على شاشة المنصّة الأميركية نتفليكس، في 21 يونيو/حزيران 2024، تُشنّ حملةٌ ضد فيلم Trigger Warning، للمخرجة الإندونيسية مولي سُرْيا، بسبب لقطات أولى، يُذكر فيها أنّ العربي إرهابيّ. 90 ثانية كافيةٌ لتأكيد المعروف: من يملك قوّة إعلامية، والترفيه السينمائي جزءٌ أساسيّ منها، يفعل كلّ ما يريده، من دون رادع أخلاقي، أو مراقبٍ يقول إنّ خطأ أو تزويراً حاصلٌ في قول مالك تلك القوّة.

والحملة، التي تريد إيضاح بعض الوارد في تلك الثواني، مكتفيةٌ بنشر المُناسِب في وسائل تواصل اجتماعي، ونشر المناسِب ضروريّ، مع أنّ تجارب سابقة تشير إلى أنّ مالك القوّة الإعلامية غير آبهٍ، وأنّه مستمرّ في قول ما يريده.

المشكلة الأبرز كامنةٌ في جانبٍ آخر، مرتبط مباشرة بصناعة فيلمٍ، يُفترض به أنْ يكون سينمائياً، مع أنّ وسيلة العرض منصّةٌ. ذاك أنّ ما تُقدّمه "نتفليكس" في Trigger Warning غير مُتوافق ونمط أفلام التشويق والمطاردة، بما فيهما من كشفٍ لفسادٍ سياسي ـ عسكري أميركي، ومن أفعال عصاباتٍ تتاجر بأسلحةٍ مسروقة من الجيش الأميركي. المشكلة بارزةٌ في أعطابٍ، درامية وفنية وسردية وجمالية، تُصيب عملاً غير متمكّن من إثارة متعةٍ أو تسلية، على الأقلّ، لشدّة بهتانه وخلله، والمسار العاديّ جداً لأحداثه، والمصائر الأقلّ من عاديّة لشخصياته.

مع أنّ الترجمة العربية الحرفية للعنوان الإنكليزي، Trigger Warning، تحتمل معنيين: "إطلاق التحذيرات" و"تحذير الزناد"، تختصر "نتفليكس" الترجمة بمفردة واحدة "تحذير"، مع علامة التعجّب"!". أما التعبير المبطّن في كلمتي العنوان الإنكليزي، فيُمكن تفسيره بالتالي: "تحذير الزناد" يُطلق قبل قراءة نصّ أو مُشاهدة فيلمٍ، للإشارة إلى أنّ فيهما ما يُزعج أفراداً (ربما)، خاصة أولئك الذين يختبرون "تجربة مؤلمة".

لكنّ هذه التحذيرات كلّها، بمعانيها المختلفة (الواقعية أو المجازية)، غير فاعلةٍ مع متابعة مسار أحداثٍ تعيشها الشخصية الأساسية، باركر (جيسيكا ألبا)، منذ أول مشهدٍ في "بادية الشام" في سورية، كما يُذكَر في الثواني القليلة الأولى. هناك، تُطارَد الجندية الأميركية، المنتسبة إلى الوحدات الخاصة، من مسلّحين مدنيين يتكلّمون اللغة العربية (ويُتّهمون بالإرهاب)، بعد اكتشافهم أنّها وزميلها غير عامِلَين في "منظّمة الإغاثة الأميركية" (هذه لافتة مطبوعة على سيارة مصفّحة، يقودها زميل باركر، وهي إلى جانبه، في المطاردة نفسها). التحذيرات غير نافعةٍ، مع أنّ ما يُقدّمه الفيلم يُمكن تفسيره بتحذير مسبق لمن يختار مشاهدته: "احذروا مُشاهدة هذا الفيلم"، ليس لأنّ فيه "ما يُزعج"، بل لأنّ ما فيه من أحداثٍ مُملّ وبائس ومتوقّع، ومن تكرارٍ بليد لأفلامٍ سابقة.

مُلخَّص الحكاية يقول إنّ باركر، بُعيد نجاتها من المطاردة، بمساعدة رفاقها (تصطدم بأحدهم، إذْ يبدأ قتل الرهائن، فتنقضّ عليه بيديها وبسكين، يُكتَشف لاحقاً سبب براعتها في استخدامه، بحجّة أنّها تريد استجوابهم لا قتلهم، مع أنّ في تعابيرها ما يوحي بـ"إنسانية"، تبدو في اللقطة هذه مُقززة)، تُبلَّغ بنبأ "وفاة" والدها في المنجم، الملاصق لبلدتها الصغيرة "كريَيْشِن"، التي يبدو أنّ عائلة سوان مسيطرة عليها (لافتة الاستقبال في مدخلها تذكر أنّ البلدة "مقاطعة سوان"، وهذا غير عابر). أحد أبناء تلك العائلة يُدعى جيسي (مارك ويبر)، رئيس الشرطة فيها، والحبيب السابق لباركر. لوالدها حانة، ووالدها نفسه يُدرّبها على استخدام السكين، ويجعل المنجم حيّزاً لراحته، قبل أنْ "يُتوفّى" فيه، وسبب الوفاة ينكشف تدريجياً.

الانكشاف نواة درامية للنصّ كلّه. ذاك أنّ شعوراً يهزّ باركر، ببطء أولاً، يدفعها إلى الشكّ بمسألتين: عدم انتحار والدها (فشخصيّته غير مائلةٍ إلى ذلك)، وعدم ارتكابه خطأً في متفجّرات، تُستخدم في المناجم عادة، لبراعته التقنية في التعامل معها، فهو خبير عسكري سابق في هذا المجال. والنصّ (كتابة جون برانْكاتو وجوش أولسن وهالاي غروس) غير جديد بشيءٍ، وغير مُسلّ، لشدّة ما فيه من تكرار فاقع لمسائل مشغولة في أفلامٍ أميركية كثيرة، بعضها أفضل سينمائياً ودرامياً وفنياً. بلدة صغيرة، تتحكّم بها عائلة تجمع بين السياسة والفساد والمال والعصابات، ومقتل رجل نزيه ومستقيم يدفع ابنته، الجندية في جيش البلد (والجيش نفسه يتعرّض لفساد وسرقات مع تلك العائلة وعبرها)، التي "تطارد الإرهابيين في العالم" (وهذا قولٌ لوالدها عنها، ينقله إليها رئيس الشرطة، جيسي).

مطاردة العائلة لها أقلّ من عاديّة، سينمائياً. تمثيلٌ مُبَالغٌ به، واستعراض مُملّ لقتال بالأيدي، وتفجير قذائف، وإطلاق رصاص، وصنع مخدرات وتعاطيها، وما يُرافق هذا من نزاع بين خير وشرّ، ينتصر الأول على الثاني في ختام الـ 106 دقائق. التعذيب الجسدي الذي تعانيه باركر يبدو ظاهرياً غير محتمل. لكنّه سينمائياً غير مُنجز بمنطقٍ يُثير مصداقية عملية لهذا النوع من الخضوع لتعذيب متنوّع. من يؤدّي أدوار رجال العصابات، وغيرهم، غير مقنعين، واللقطات الطويلة، التي تعكس لحظات صفاء تُذكّر باركر بماضيها مع والدها، وبأسئلتها المختلفة عن مقتله والبلدة وتفاصيل أخرى عادية؛ تلك اللقطات مُتعِبة وساذجة.

الجميل الوحيد كامنٌ في طبيعةٍ، تمزج شيئاً من قسوة في مناخٍ وأمكنةٍ وأفراد، بلحظات (خاصة أول الليل، أو قبيل منتصفه) صافية، ذات ألوانٍ غامقة (تصوير زوي وايت)، وديكور طبيعي يُفترض به أنْ يوحي برومانسيةٍ تظهر غير متلائمة البتّة مع الحاصل في البلدة من فساد وقتل وصفقات وخيانات واستسلام وحرقٍ ومواجهات. الجمال الآخر بشريّ، تحافظ عليه جيسيكا ألبا (1981)، مع أنّ باركر تكاد تتشوّه من شدّة التعذيب. والتشوّه السينمائي القليل، لضرورات درامية بحتة، لن يحجب ما لديها من بهاءٍ يُشعٍّ منها رغم كلّ شيء.

المساهمون