انتقد أعضاء مجلس الشعب التونسي بشدة ضعف موازنة البرلمان، مؤكدين أنها كشفت "اختلالا في نظام الحكم، وعدم فاعلية تجربة النظام البرلماني في سياق الوظائف والصلاحيات والأدوار".
وفتحت النقاشات حول موازنة البرلمان أبواب الجدل حول نظام الحكم في البلد، وموقع "السلطة الأصلية" أو السلطة الأولى، كما يسميها النواب، من السلطة التنفيذية برأسيها، الحكومة ورئاسة الجمهورية، وفي علاقتها مع السلطة القضائية والهيئات الدستورية.
وصادق نواب الشعب، أمس الأربعاء، على مضض على موازنة البرلمان، التي تقارب 31 مليون دينار تونسي، أي ما يناهز 12.3 مليون دولار، وتمثل أقل من 1 بالمائة من الموازنة العامة للدولة.
ولم يعرف البرلمان التونسي، بمختلف حساسياته الأيديولوجية وتشكيلاته السياسية، إجماعا حول قضية بعينها بقدر إجماعه على موقعه من النظام السياسي وضعف الاعتمادات المرصودة له كسلطة تشريعية، مشددا على أن ضعف الاعتمادات يحول دون ممارسته لصلاحياته الواسعة التي كرسها دستور 2014.
وتخلل الجلسة العامة للبرلمان انتقاد شديد لضعف الموارد والإمكانات التي لا تترجم موقع البرلمان في نظام الحكم السياسي، وتغول السلطات الأخرى عليه، بما جعله أضعف حلقة في منظومة الحكم في الجمهورية الثانية.
وطالب النواب برفع الموازنة وتحسين الاعتمادات حتى يتسنى للسلطة التشريعية لعب الأدوار التي عهدت لها في دستور 2014.
وقال رئيس مجلس نواب الشعب، محمد الناصر، في تصريح لـ"العربي الجديد"، إن "الانتقادات التي طرحها النواب مفهومة، وهناك إجماع على أن ميزانية المجلس ليست في مستوى قيمته الوطنية ودوره الدستوري والمهام الموكولة له".
وأضاف الناصر أن "هذا الوضع يجب أن يتغير في أقرب وقت، وذلك بتثبيت قانون الاستقلالية الإدارية والمالية للمجلس المنصوص عليه في الدستور، غير أن هذه المسالة بيد المجلس، الذي يجب عليه أن يعجل النظر في هذا القانون ووضعه ضمن أجندة أولوياته من جهة، ومن جهة أخرى يجب إعداد موازنة مبنية على أهداف واضحة وفي آجال معلومة ترتكز على التزام جلي من الجميع لتحقيق الأهداف".
وذكر أن "المجلس الحالي هو الأول في الجمهورية الثانية، ولديه دور أساسي يتمثل في بناء المؤسسات وتنزيل أحكام ومبادئ الدستور من قوانين وتشريعات، إلى جانب إرساء الهيئات الدستورية ودوره التشريعي والرقابي والتمثيلي الدبلوماسي".
من جانب آخر، قالت النائبة المعارضة، سامية عبو، مقررة لجنة المالية، إن "البرلمان يجب أن يتقشف من جانبه في السياق الصعب الذي تمر به البلاد، وأن يعطي المثل في الحكامة الرشيدة لموارده واعتماداته"، مبينة أن "هذه الموازنة لا تترجم حجم المسؤوليات المطلوبة من المجلس اليوم، في ظل النظام البرلماني المعدل الذي كرسه الدستور".
وأكدت عبو هيمنة قصر الرئاسة بقرطاج على السلطات في تونس، ورغبته المتواصلة في "التغول على نظام الحكم، عبر التدخل في صلاحيات لا تعنيه وليست من اختصاصه، وذلك بحياكة الحيل القانونية والتلاعب بالنصوص للوصول إلى هدفه".
وفي سياق متصل، انتقد القيادي بحزب "النهضة"، عبد اللطيف المكي، ضعف الإمكانات المرصودة للمجلس، والتي تفتح الأبواب للتساؤل حول الأدوار والصلاحيات الموكولة للأطراف المشكلة لمنظومة الحكم.
وعبر المكي عن استغرابه لـ"إمكانية مواصلة المجلس قيامه بدوره الرقابي والدبلوماسي بالخصوص، وسط اختناق الموارد وشح الإمكانيات التي يفتقر لها برلمان الثورة ومجلس الجمهورية الثانية".
وقال النائب المعارض فيصل التبيني، في تصريح لـ"العربي الجديد"، إن "هناك محاولات لتجفيف منابع السلطة التشريعية لإعادة نظام الحكم الرئاسي القديم"، منتقدا ما سماه "سكيزوفرينيا" نواب "نداء تونس" المدافعين عن موازنات رئيس الجمهورية والحكومة على حساب موازنة المجلس، والمطالبين ببقاء الوضع على حاله.