هنا كان منزل حتى لو وجد في مخيم. هنا كان متجر يؤمن لقمة العيش. هنا كانت مدرسة تحتضن جدرانها العلم الثمين لمستقبل قد يكون أفضل. هنا كان مستشفى يوفر بعض الرعاية الصحية والأمل بالحصول على علاج مناسب. هنا كان متنفس حياة على الشاطئ أو في مساحة خضراء أو حتى مطعم. هنا كان طيف من أمان يحرك الحياة في غزة، أما اليوم فلا مكان آمناً، والحال كذلك منذ أشهر ولا سبيل لتغييره إلا بوقف الحرب الإسرائيلية.
وعلى هذه الحال يعيش أهل غزة أزمات نفسية هائلة قد يعجز أي علم عن حلها، فوقع غياب الأماكن وتساقطها يوماً بعد يوم غير عادي على أي إنسان مهما كانت طاقة تحمّله، والسؤال الأكبر يبقى إلى أن يذهب.
الحقيقة أن أي صور تلتقط عن تفاعل الغزيين مع الكوارث الميدانية التي لحقت بأماكنهم التي تعلّقوا بها، وأي مشاهد أو أحاديث تنقلها محطات التلفزيون ووسائل التواصل الاجتماعي، لا يمكن أن تعبّر عن حجم هذه الأزمات النفسية، ومن يده في الماء ليس كمن يده في النار.
أحرقت النار غزة كلها وقلوب الغزيين الذين يصرخ بعضهم: "نريد أن نعيش في خيمة بأمان، المهم أن نعيش"، وحالياً هم محرومون من كل وسائل العيش من الطعام والمياه والكهرباء والاتصالات واللباس المناسب لصقيع فصل الشتاء الحالي، لكن فقدان الأمان يبقى همهم الأكبر، وكل دول العالم لا تتفرج فقط على حالهم، بل يتواطأ بعضها بخبث كبير في عدم منحهم ذرّة الأمان.
(العربي الجديد)