تصاعدت حدة الجدل بين واشنطن وبكين حول فيروس كورونا الجديد وإبعاد صحافيين أميركيين من الصين، على الرغم من الأولوية التي يمنحها العالم لمكافحة الوباء.
وأمهل المراسلون الأميركيون في الصين لصحف "نيويورك تايمز" و"واشنطن بوست" و"وول ستريت جورنال"، حتى الأربعاء لتسليم بطاقاتهم الصحافية، ما يعني فعليا طردهم.
وذكر "نادي المراسلين الأجانب في الصين" أن هذا الإجراء شمل 13 مراسلاً على الأقل. وكان ثلاثة مراسلين لصحيفة "وول ستريت جورنال" طردوا في نهاية فبراير/ شباط. لكن سلسلة العقوبات الجديدة تشكل بحجمها، الإجراء الأكثر صرامة الذي تتخذه السلطات الصينية ضد وسائل الإعلام الأجنبية.
وذكرت الخارجية الصينية أنّ هذه الإجراءات هي رد على قرار واشنطن "الفاضح" بتخفيض كبير في عدد الصينيين الذين يسمح لهم بالعمل لخمس وسائل إعلام لبكين في الولايات المتحدة.
وكانت الولايات المتحدة قد أعلنت، في وقت سابق هذا الشهر، أنّ خمس منافذ إعلامية تخضع لسيطرة الدولة الصينية لن تمنح أكثر من مائة تأشيرة سفر. وعللت ذلك بالمراقبة والمضايقات والتخويف المتزايد الذي يتعرض له الصحافيون الأميركيون والأجانب الآخرون العاملون في الصين.
المنافذ الإعلامية الصينية التي توظف 160 مواطناً صينياً في الولايات المتحدة، تشمل وكالة الأنباء الصينية الرسمية "شينخوا" وشبكة تلفزيون الصين العالمية "سي جي تي إن" والذراع الإعلامية في الخارج لشبكة الإعلام الرسمية "سي.سي.تي.في". وبتصنيف الشركات الإعلامية الصينية الخمس كبعثات أجنبية، تطلب الحكومة الأميركية منها تسجيل أملاكها وموظفيها في الولايات المتحدة. وقالت وزارة الخارجية إن ذلك كان لتمييز "أنها فعليا تحت سيطرة" الحكومة الصينية.
بعد ذلك بوقت قصير، ألغت الصين أوراق اعتماد ثلاثة صحافيين أميركيين تابعين لـ"وول ستريت جورنال"، وقالت إن ذلك كان رداً على عنوان مقال رأي في صحيفة اعتبرته ازدرائياً. بعدها أعلنت الولايات المتحدة فرض قيود على تأشيرات السفر لخمس منافذ إعلامية صينية.
وخلال إعلانها، الأربعاء، قالت الصين إنّ خمس نوافذ إعلامية أميركية؛ الصحف الثلاث وإذاعة "فويس أوف أميركا" ومجلة "تايم"، سيطلب منها الإبلاغ عن معلومات تخص أطقمها كتابة والتمويل وطبيعة العمل والأصول العقارية في الصين. وأضافت أنها ستتخذ إجراءات مماثلة ضد الصحافيين الأميركيين بوجه عام فيما يتعلق بتأشيرات السفر والمراجعة الإدارية وعملية الإبلاغ بدون مزيد من التفاصيل.
وقال وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو معترضاً إنّ "الأمرين مختلفان"، مؤكداً أن إجراءات واشنطن تستهدف "أعضاء وسائل للدعاية الإعلامية الصينية". ودعا الصين إلى "التراجع" عن قرارات الطرد التي "تمنع العالم من معرفة ما يحدث فعليا داخل البلاد".
وفي بيان، عبر "نادي المراسلين الأجانب في الصين" عن أسفه لأن صحافيين أصبحوا في وضع "بيادق" في المواجهة بين القوتين الكبريين. وقال إن "الصحافيين يقومون بتنوير العالم الذي نعيش فيه، وبهذا الإجراء تفرض الصين التعتيم على نفسها".
ورأى عدد من البرلمانيين الأميركيين وصحيفتا "واشنطن بوست" و"نيويورك تايمز" أن الإعلان الصيني "مؤسف خصوصاً في أوج أزمة صحية عالمية تبدو فيها المعلومات مهمة أكثر من أي وقت مضى". ووصفت صحيفة "وول ستريت جورنال" من جهتها الإجراءات الصينية بانها هجوم "غير مسبوق" على حرية الصحافة.
هذه الصيغة يستخدمها منذ أيام وزير الخارجية الأميركي الذي لم يعد يتحدث سوى عن "فيروس صيني" أو "فيروس قادم من ووهان" المدينة التي ظهر فيها المرض للمرة الأولى، وقد كررها مساء الإثنين رئيس الولايات المتحدة في تغريدة، ما أدى إلى تأجيج غضب بكين. وقال ناطق باسم وزارة الخارجية الصينية "نشعر باستياء كبير"، معتبرا ذلك "إدانة" لبلده.
وتدعو بكين إلى عدم توجيه أصابع الاتهام إليها بدون نتائج علمية حاسمة حول منشأ الفيروس الذي رصد للمرة الأولى في ووهان في ديسمبر/ كانون الأول الماضي. وقد ذهب ناطق باسم الخارجية الصينية أبعد من ذلك الأسبوع الماضي عندما تحدث بدون أدلة عملية عن فرضية أن يكون الجيش الأميركي أدخل العامل المسبب للمرض إلى بلده.
ورد ترامب قائلاً "لا أقدر قول الصين أن جيشنا نقل لهم الفيروس. جيشنا لم ينقل الفيروس إلى أحد". وأوضح الرئيس الأميركي الذي بدا غاضباً أنه يستخدم عبارة "فيروس صيني" رداً على هذه الاتهامات.
تؤجج هذه الحرب الكلامية الخلافات الدبلوماسية المتكررة منذ وصول دونالد ترامب إلى السلطة مطلع 2017. وعندما بدأ الوباء ينتشر خارج الصين، تراوحت مواقف الحكومة الأميركية بين إدانة غياب الشفافية لدى الجانب الصيني في البداية، والتعبير عن "ثقة" الرئيس الأميركي في نظيره الصيني شي جينبينغ.
لكن منع الولايات المتحدة بسرعة الأشخاص القادمين من الصين من دخول أراضيها أثار غضب بكين. والرسالة من الجانب الأميركي واضحة ومفادها أن مكافحة الوباء لا تنهي المنافسة مع الدولة الآسيوية العملاقة التي تعتبرها الولايات المتحدة خصمها الاستراتيجي الأول على الأمد الطويل.
وانتهز بومبيو، الأسبوع الماضي، فرصة عرض التقرير السنوي لوزارة الخارجية الأميركية حول حقوق الإنسان ليدين السياسة الصينية في إقليم شينجيانغ بشمال غرب الصين، حيث يحتجز مئات الآلاف من المسلمين على ما يبدو باسم مكافحة الإرهاب.
وتخوض إدارة ترامب مواجهات على جبهات أخرى ضد الصين، من الدفاع عن الديمقراطية في هونغ كونغ إلى إدانة نزعتها التوسعية العسكرية في بحر الصين الجنوبي، مروراً بالاتهامات بتجسس صناعي.
لكن ترامب أكد أن الاتفاق التجاري الذي اتخذ شكل هدنة في حرب الرسوم الجمركية وأبرم بعد أشهر من المفاوضات، لن يتأثر بالخلافات الجديدة المرتبطة بفيروس كورونا المستجد.
(فرانس برس، أسوشييتد برس، العربي الجديد)