تمرّ الصحافة في الجزائر بفترة عصيبة، قد تكون أكبر من أزمة عام 2016، إثر إطلاق الحكومة حملة ملاحقات ضد الصحف والصحافيين، في ما تزعم أنّها "خطة إصلاح وتطهير لقطاع الإعلام"، طاولت بشكل خاص المواقع الإخبارية التي تم تعطيل وحجب عدد منها، بسبب خطها التحريري ومعارضتها قرارات وتوجهات السلطة، ودعمها مطالب الحراك الشعبي.
آخر موقع إخباري "حصده" منجل السلطة كان موقع "لافان غارد ألجيري"، والذي أعلن الخميس الماضي عن إقدام السلطات في الجزائر على حظره ومنع الوصول إلى وسائطه. ودان مدير الموقع الإخباري، مزيان عبان، القرار واعتبر أنه جزء من "الهجوم الشامل على حرية التعبير وحرية الصحافة من قبل السلطة القائمة التي تحاول كل شيء من أجل تكميم الأصوات القمعية والقمع، من خلال هذه الممارسات الإقطاعية". وقال مدير الموقع إنّ "السلطة باتت تستهدف جميع وسائل الإعلام التي تعمل بشكل مستقل عنه، وذلك باستخدام القوة والتعسف ضد الصحافة المستقلة في بلدنا، وهذا دليل آخر على أنها لا تعمل من أجل الجزائر ومستقبلها، ولكن فقط من أجل مصالحها".
قبل ذلك بيوم واحد، أعلن موقع "المنشار"، وهو موقع ساخر ويعتمد على السخرية العابثة في توصيف الأحداث، توقفه بعد خمس سنوات من العمل، بسبب الضغوط التي تمارسها السلطة ضد المواقع المستقلة. وذكرت إدارة تحرير الموقع أنّها قررت الإغلاق "هرباً من القمع". واعتبرت "أنّ مناخ قمع الحريات وسجن المواطنين بسبب نشاطهم على الشبكات الاجتماعية قاد إلى التفكير في المخاطر التي نواجهها. قاومنا لمدة خمس سنوات، وسنلتقي في جزائر أفضل حيث لا يوجد هذا الخوف".
ولحق موقع "لوماتان" (الصباح) بجملة المواقع المحظورة، إذ أعلنت إدارة الموقع أنّه تم حظر الوصول إليه في الجزائر لعدة أيام بسبب الرقابة، وعزته إلى مواقف الموقع ومعالجاته الإعلامية، وإلى رفضه دعم خيارات السلطة. ووصفت إدارة تحرير الموقع، في بيان لها، قرار السلطة بـ"محاولة كسر الإرادة وعلامة على ارتباك أولئك الذين تُعتبر حرية الصحافة بالنسبة لهم مجرد إجراء شكلي، ومن الواضح أن أولئك الذين اتخذوا قرار منعنا لا يتصورون سوى حرية الصحافة في العبودية ونبذ الوقاحة".
وسبق قرارات الحجب هذه إقدام السلطات على حجب موقع "كل شيء عن الجزائر" لعدة مرات، وألحقت به موقع "مغرب ايميرجون" و"راديو أم". وقالت السلطات إن ذلك تم بسبب الحصول على تمويل أجنبي، و"تهجُّم" مدير الموقع والراديو قاضي إحسان، على رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون. وقامت لاحقاً بحجب موقع "إنترلين" لنفس السبب، رغم زعم وزير الاتصال، عمار بلحيمر، أنّ الموقع الأخير "أخفى نفسه" ولم تتخذ السلطات قرار حجب بحقه.
اقــرأ أيضاً
تضع مجمل هذه الممارسات السلطوية وعود الرئيس الجزائري تبون بإطلاق أفق واسع لحرية الصحافة وتسوية وضعية الصحافة الإلكترونية والقنوات المستقلة على محك امتحان الحقيقة، خاصة أنّ حملة إغلاق المواقع استهدفت فقط المواقع المعارضة التي لا تتبنى خط وتوجهات السلطة، أو لها مواقف نقدية من خياراتها السياسية ودعم مطالب الحراك الشعبي والدفاع عن الناشطين المعتقلين.
لكنّ الحكومة تضع هذه القرارات في إطار رغبتها في إصلاح قطاع الإعلام، ووقف ما تعتبره "فوضى" طاولت القطاع خلال فترة حكم الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة، وتعلن أنّها تتبنى مشروع تطهير واسع للقطاع الإعلامي. وأبدى وزير الاتصال عمار بلحيمر مزيداً من التشدد مع الصحافة والمواقع المعارضة، ووصل الأمر إلى حد اتهامها بموالاة أطراف خارجية. وهدد الوزير في حوار صحافي، أخيرا، بفتح ملف "مصادر تمويل المواقع الإخبارية من الخارج والذي ينطوي على حسابات سياسية تستهدف تغذية قوى معارضة للإصلاح السياسي". وأفاد بأنها تنظر إلى التمويلات "من باب أنها تتضمن عناصر تمس بالسيادة الوطنية، وتغذي من جهة أخرى أشكالاً معارضة للإصلاحات الوطنية المرجوة".
وتستغل السلطات غياب القوانين الناظمة للصحافة الإلكترونية والمواقع الإخبارية لفرض خيارات محددة على هذه المواقع، خاصة ما يتعلق بالإعلانات (الإشهار) أيضاً. إذ تتحكم الدولة في الجزائر في 70 في المائة من سوق الإشهار، كما تمارس ضغوطاً على الشركات الخاصة لمنعها من تمويل المؤسسات الإعلامية والمواقع المعارضة. وبرغم أنّ قانون الإعلام المعدل في الجزائر أقر اعترافاً بواقع الصحافة الحديثة والمواقع الإلكترونية، إلا أنّ الجزائر ما زالت تفتقد لنص قانوني واضح يتيح وينظم هذه المجال. ويعتقد الإعلامي ومدير موقع "أوراس"، عبد الوكيل بلامفي، تصريح لـ"العربي الجديد" أنّ "المواقع الإخبارية والصحافة الإلكترونية في الجزائر قطعت أشواطاً متقدمة، لكنها ما زالت ضحية الغموض وبحاجة إلى محددات وضوابط قانونية تنظم عملها".
وباتت الهيئات المهنية، على قلّتها في الجزائر، قلقةً من هذه التطورات بشكل بالغ. واتهم المجلس الوطني للصحافيين، أبرز النقابات المهنية للصحافيين في الجزائر والذي تأسس في خضم الحراك الشعبي، الحكومة باستخدام العقاب الجماعي ضد الصحافيين. ووصف القرارات التي تتخذها السلطات إزاء المواقع والصحف، بأنها "استمرار للتدخل غير السليم في التعامل مع ما يمكن أن يوصف انحرافا لوسائل الإعلام وأجهزة الصحافة المختلفة، وانتهاج أسلوب العقاب الجماعي كأداة ردع، على غرار اللجوء إلى قطع الإشهار عن المؤسسات الإعلامية، واتخاذ المسيرين من هذه المواقف ذريعة لوقف رواتب الصحافيين والعمال، وطردهم وإحالتهم على عطل غير مدفوعة". واعتبر أنه كان الأجدر بالحكومة "تعزيز أدوات الضبط المهني، وإخضاع المؤسسات الإعلامية للرقابة المالية للدولة، وإلزامها بتقديم حساباتها وفرض مطابقتها للقوانين ودفتر شروط الاستثمار في القطاع".
قبل ذلك بيوم واحد، أعلن موقع "المنشار"، وهو موقع ساخر ويعتمد على السخرية العابثة في توصيف الأحداث، توقفه بعد خمس سنوات من العمل، بسبب الضغوط التي تمارسها السلطة ضد المواقع المستقلة. وذكرت إدارة تحرير الموقع أنّها قررت الإغلاق "هرباً من القمع". واعتبرت "أنّ مناخ قمع الحريات وسجن المواطنين بسبب نشاطهم على الشبكات الاجتماعية قاد إلى التفكير في المخاطر التي نواجهها. قاومنا لمدة خمس سنوات، وسنلتقي في جزائر أفضل حيث لا يوجد هذا الخوف".
ولحق موقع "لوماتان" (الصباح) بجملة المواقع المحظورة، إذ أعلنت إدارة الموقع أنّه تم حظر الوصول إليه في الجزائر لعدة أيام بسبب الرقابة، وعزته إلى مواقف الموقع ومعالجاته الإعلامية، وإلى رفضه دعم خيارات السلطة. ووصفت إدارة تحرير الموقع، في بيان لها، قرار السلطة بـ"محاولة كسر الإرادة وعلامة على ارتباك أولئك الذين تُعتبر حرية الصحافة بالنسبة لهم مجرد إجراء شكلي، ومن الواضح أن أولئك الذين اتخذوا قرار منعنا لا يتصورون سوى حرية الصحافة في العبودية ونبذ الوقاحة".
وسبق قرارات الحجب هذه إقدام السلطات على حجب موقع "كل شيء عن الجزائر" لعدة مرات، وألحقت به موقع "مغرب ايميرجون" و"راديو أم". وقالت السلطات إن ذلك تم بسبب الحصول على تمويل أجنبي، و"تهجُّم" مدير الموقع والراديو قاضي إحسان، على رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون. وقامت لاحقاً بحجب موقع "إنترلين" لنفس السبب، رغم زعم وزير الاتصال، عمار بلحيمر، أنّ الموقع الأخير "أخفى نفسه" ولم تتخذ السلطات قرار حجب بحقه.
لكنّ الحكومة تضع هذه القرارات في إطار رغبتها في إصلاح قطاع الإعلام، ووقف ما تعتبره "فوضى" طاولت القطاع خلال فترة حكم الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة، وتعلن أنّها تتبنى مشروع تطهير واسع للقطاع الإعلامي. وأبدى وزير الاتصال عمار بلحيمر مزيداً من التشدد مع الصحافة والمواقع المعارضة، ووصل الأمر إلى حد اتهامها بموالاة أطراف خارجية. وهدد الوزير في حوار صحافي، أخيرا، بفتح ملف "مصادر تمويل المواقع الإخبارية من الخارج والذي ينطوي على حسابات سياسية تستهدف تغذية قوى معارضة للإصلاح السياسي". وأفاد بأنها تنظر إلى التمويلات "من باب أنها تتضمن عناصر تمس بالسيادة الوطنية، وتغذي من جهة أخرى أشكالاً معارضة للإصلاحات الوطنية المرجوة".
وتستغل السلطات غياب القوانين الناظمة للصحافة الإلكترونية والمواقع الإخبارية لفرض خيارات محددة على هذه المواقع، خاصة ما يتعلق بالإعلانات (الإشهار) أيضاً. إذ تتحكم الدولة في الجزائر في 70 في المائة من سوق الإشهار، كما تمارس ضغوطاً على الشركات الخاصة لمنعها من تمويل المؤسسات الإعلامية والمواقع المعارضة. وبرغم أنّ قانون الإعلام المعدل في الجزائر أقر اعترافاً بواقع الصحافة الحديثة والمواقع الإلكترونية، إلا أنّ الجزائر ما زالت تفتقد لنص قانوني واضح يتيح وينظم هذه المجال. ويعتقد الإعلامي ومدير موقع "أوراس"، عبد الوكيل بلامفي، تصريح لـ"العربي الجديد" أنّ "المواقع الإخبارية والصحافة الإلكترونية في الجزائر قطعت أشواطاً متقدمة، لكنها ما زالت ضحية الغموض وبحاجة إلى محددات وضوابط قانونية تنظم عملها".
وباتت الهيئات المهنية، على قلّتها في الجزائر، قلقةً من هذه التطورات بشكل بالغ. واتهم المجلس الوطني للصحافيين، أبرز النقابات المهنية للصحافيين في الجزائر والذي تأسس في خضم الحراك الشعبي، الحكومة باستخدام العقاب الجماعي ضد الصحافيين. ووصف القرارات التي تتخذها السلطات إزاء المواقع والصحف، بأنها "استمرار للتدخل غير السليم في التعامل مع ما يمكن أن يوصف انحرافا لوسائل الإعلام وأجهزة الصحافة المختلفة، وانتهاج أسلوب العقاب الجماعي كأداة ردع، على غرار اللجوء إلى قطع الإشهار عن المؤسسات الإعلامية، واتخاذ المسيرين من هذه المواقف ذريعة لوقف رواتب الصحافيين والعمال، وطردهم وإحالتهم على عطل غير مدفوعة". واعتبر أنه كان الأجدر بالحكومة "تعزيز أدوات الضبط المهني، وإخضاع المؤسسات الإعلامية للرقابة المالية للدولة، وإلزامها بتقديم حساباتها وفرض مطابقتها للقوانين ودفتر شروط الاستثمار في القطاع".