ماذا بعد حذف أرشيف "أبلة فاهيتا" وأخواتها؟

وسبق قرار إدارة قناة cbc المصرية الخاصة المنتجة والعارضة للبرنامج بوقفه، طلبٌ من المجلس الأعلى للإعلام بحذف الإيحاءات الجنسية من أي حلقة خاصة بالبرنامج، ووضع اسم متقمص الشخصية في تتر البرنامج، حتى يمكن محاسبته عند الخطأ.

ويواجه المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام في مصر، انتقادات حقوقية بالجملة. ففي التاسع من يونيو/ حزيران 2017، أعلن المجلس، مخاطبة الصحف الورقية والمواقع الإلكترونية والقنوات الفضائية لبدء تطبيق الكود الأخلاقي الإعلامي عند تناول القضايا الخلافية العربية.
ويتضمن "الكود الأخلاقي"، شقّين: الأول، هو حق كل إعلامي في مساندة وجهة نظر بلاده بكل السبل والطرق والوسائل وبكل ما تضمنه حرية الرأي والتعبير وأن ينحاز لوجهة نظر بلده بأي وسيلة. والشق الثاني يتضمن أن يلتزم الإعلامي بألا تتضمن عباراته سبًا أو قذفًا أو تجريحًا لأشخاص وأن يكون الرأي والنقد محل الخلاف موجهًا إلى القرار محل الخلاف ولا ينسحب على شخصه.
وتزامن هذا القرار مع البلاغات والشكاوى المقدمة ضد إدارة البرنامج لما تضمنته من إيحاءات جنسية، للجنة الشكاوى المنبثقة عن المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام، والتي كانت آخرها تلك التي تقدم بها المحامي سمير صبري، في أواخر العام الماضي، ضد القائمين على برنامج الدمية الصناعية "أبلة فاهيتا لايف من الدوبلكس" المعروض على فضائية CBC.

الواقعة الصادمة الخاصة بحذف أرشيف برنامج أبلة فاهيتا من "يوتيوب" تزامنت مع أنباء عن إقدام قناة on tv على حذف أرشيف حلقات الإعلامي المصري يسري فودة والإعلامية اللبنانية ليليان داوود، من على "يوتيوب" الخاصة بالبرامج التي سبق أن قدماها على شاشتها، حتى عام 2013، أي في الفترة التي تلت الانقلاب العسكري في مصر في الثالث من يوليو/تموز من نفس العام.
ويستطيع المتابع للموقع وببحث بسيط عن اسمي الإعلاميين أن يجد الحلقات المتاحة بتواريخ زمنية بعيدة ليس من ضمنها الأعوام الأربعة الماضية.


وعلق الإعلامي يسري فودة على حذف أرشيفه عبر حسابه الخاص على موقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك" بـ"امسحوا الأرشيف؛ الحق محفور في القلوب (وعلى الهارد ديسك)، فعند نقطة ما من تطور ثورة مصر هرول أصحاب الشحيج إلى مسح أرشيف صحفهم ومجلاتهم وقنواتهم. شيء طبيعي لمن لا مبادئ لديه ولمن يدلّس لمن يتصادف وجوده في السلطة.. إلى أن يفقدها فيتحول ضده عبدًا لمن اعتلاه من جديد".
وأضاف "اليوم، أسياد أصحاب الشحيج يأمرون بمسح ما لا يعجبهم من الأرشيف المقابل. هذا أيضًا شيء طبيعي كنا نتوقعه ممن تؤذيه الحقيقة ولا حياة له إلا في كنف الوهم.. المشكلة أنهم تأخروا كثيرًا؛ الأرشيف في الحفظ والصون لدينا، وأيضًا لدى كثيرين غيرنا كما هو واضح من خلال محركات البحث. هذا مثال واحد عن مذبحة ماسبيرو".
يذكر أن فودة غادر قناة on tv عام 2014، وبعدها إلى قناة DW عربية التي تبث من ألمانيا، برنامجه "السلطة الخامسة"، بعد توقف برنامجه "آخر كلام" على قناة ON، بإنهاء التقاعد معه.
وكان فودة قد أعلن في الحلقة المذاعة من برنامجه يوم 22 سبتمبر/أيلول 2014، إنها ستكون الحلقة الأخيرة، لإنهاء عقده، تاركا رسالة صغيرة لجمهوره عبر حسابه الخاص على موقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك"، قال فيها "هذا هو آخر أسبوع من آخر كلام، فتجربتي مع فريقي ومع قناة أون تي في وانتهاء عقدي لهذا العام، فرصة كنت أنتظرها لالتقاط الأنفاس بعد أصعب السنوات وأجملها في مشوارنا الصحافي في أجواء عامة ضاغطة".


أما ليليان داوود، فقد غادرت الأراضي المصرية، مرغمة، في الثامن والعشرين من يونيو/حزيران 2015، بعد اقتحام منزلها من قبل أجهزة الأمن المصرية، لتنفيذ قرار ترحيلها خارج مصر، متجهة إلى بيروت.
وكانت داوود قد أطلت على فضائية ON TV المصرية الخاصة، منذ اندلاع ثورة يناير من خلال برنامج "الصورة الكاملة".
وأُجبرت داوود على الرحيل ومغادرة الأراضي المصرية، بعد ساعات من توقف برنامجها، وسافرت إلى بيروت معلنة أنها ستتخذ كافة الإجراءات القانونية التي تمكنها من البقاء مع ابنتها المصرية.



ولطالما كان اللجوء لحذف الأرشيف، هو حيلة رجال الأعمال من ملاك الصحف والقنوات المتملقين للأنظمة الحاكمة المصرية؛ إذ أقدمت صحف ومواقع مصرية خاصة على حذف مساحات كبيرة من ذاكرتها خلال الفترة من 25 يناير/كانون الثاني 2011 حتى 30 يونيو/حزيران 2013، وكانت جميعها أخبارا سياسية وتخص أحداث 25 يناير وقضايا قتل المتظاهرين وتصريحات المجلس العسكري فترة توليه حكم مصر، وهو ما حدث في صحف المصري اليوم والشروق واليوم السابع.
وهناك سابقة معروفة أيضًا بشأن حذف الصحف لأرشيفها أو جزء منه تورطت فيه إدارة تحرير روز اليوسف تجاه مقالات عبد الله كمال رئيس التحرير السابق، وجزء آخر من أرشيف المجلة والصحيفة بعد الثورة.

وتنص المعاهدات والمواثيق الدولية على حق الإنسان في المعرفة كحق أساسي، بخاصة أنها وسيلة الإنسان في التعليم والتفكر بوعي وتكوين آراء خاصة به فيما يدور حوله من أمور، ما يشكل ضمانا للمسار الديمقراطي، القائم على الشفافية بين الجميع الأفراد والمسؤولين، كما أكد الدستور المصري على الحق في المعرفة وأكد على التزام الدولة المصرية بتوفير وتسهيل الوصول للمعلومات، وتجريم إخفاء المعلومات بشكل متعمد.
وتُلزم المادة 31 من الدستور المصري، الدولة بأمن الفضاء المعلوماتي التي تلزم الدولة المصرية بحمايته والحفاظ عليه، ومادة 68 الخاصة بإتاحة المعلومات والوثائق والحفاظ عليها وتأمين الوصول إليها وأخيرا رقمنتها.