في الوقت الذي تنهال فيه الاتهامات والانتقادات، من كل صوب وحدب، على المرشح الاشتراكي بونوا هامون، بسبب تقارب مزعوم بينه وبين الإسلام السياسي، تصل إلى جعله قريباً من "الإسلاموية اليسراوية" (وهو ما يسبب له جراحاً عميقة كما اعترف قبل أيام)، كما يحلو أن يصرح بذلك مالك بوتيح، النائب من أصول جزائرية وأشد المناصرين لمانويل فالس ولبرنامجه الانتخابي، وإلى درجة إقدام اليمين المتطرف "العلماني" على إطلاق اسم "بلال" على هامون.
وهو ما أثار تقبله في خطابه الانتخابي الحافل في مونتروي بضاحية باريس القريبة، الخميس، حين قال: "قرر اليمين المتطرف تغيير اسمي وأصبحوا ينادونني "بلال" هامون، وهو اسم جميل جدا في ناظريّ".
وتجدر الإشارة إلى أن نفس التيار أطلق اسم "علي" على المرشح اليميني السابق وعمدة بوردو، ألان جوبيه. وليس دفاعُ المرشح الاشتراكي بونوا هامون عن فهمه المتسامح للعلمانية، وهو ما يغيظ أنصار التطرف العلمانوي، حين يتعلق الأمر بالإسلام والمسلمين، ومن بينهم مانويل فالس ومالك بوتيح نفسه، الذي صرّح، في استعادة كاملة لأطروحات إيريك زمور اليميني الصهيوني، بأن مناطق كاملة في فرنسا تُفلتُ من قبضة الدولة، ومُتّهماً نوّابا برلمانيين وعمدات بالتواطؤ مع ممثلي الإسلام السياسي لضمان مقاعدهم الانتخابية، وحده، ما يغيظ هؤلاء الغاضبين.
بل إن تركيزه على أن حل الصراع في الشرق الأوسط، يجب أن يمر عبر الاعتراف الرسمي بالدولة الفلسطينية المستقلة، يغيظ خصومه أكثر، ويوسع من عدد المهاجمين ومن المشكّكين في برنامجه وفي قدرته على الترشح ضد فرانسوا فيون ومارين لوبين.
في الوقت الذي تنهال فيه الهجمات وأنواع الوصم على بونوا هامون، يطلق المرشح إيمانويل ماكرون، بالونات اختبار سياسية ودبلوماسية، فلا يلتفت إليها الإعلام الفرنسي، المتبنّي لها، أو المشغول، هذه الأيام، بقضية "بينولوبي غيت"، التي تُتابَع فيها زوجة فرانسوا فيون، مرشح اليمين والوسط، والذي فرض نفسَه، أمس الخميس، ضيفا على القناة الفرنسية الأولى، ليؤكد أن "التهم باطلة" وأنه "سيتابع قضائيا كل صحيفة تنال من كرامة زوجته"، وأنه سينسحب من الانتخابات الرئاسية إذا أدانت القضاء الفرنسي زوجته.
وعلى خطى المرشح فرانسوا فيون، يعلن إيمانويل ماكرون، أمام طلاّب عرب في بيروت، أنّ من "الخطأ" اشتراط عزل الرئيس الأسد لحل القضية السورية. ولكل من كان ينتظر معرفة برنامج الرجل ومواقفه في السياسة الخارجية، ظهر المرشح ماكرون محتميا بخط دوغول وميتران السياسي والدبلوماسي، والذي وضحه بالقول إنّ "على فرنسا أن تقود سياسة استقلالية وتوازن تتيح لها التحدث إلى الجميع وضمانة بناء السلام".
وفي ما يخص الملف السوري، حاول ماكرون أن يجد لنفسه مكاناً بين مواقف رئيسي الجمهورية، السابق ساركوزي والحالي هولاند، المعارضة لبقاء الأسد في السلطة بعد كل المآسي والمجازر، وبين مواقف المرشحين اليمينيين فرانسوا فيون ومارين لوبين ومرشح اليسار الراديكالي ميلونشون، الداعية للتقارب مع بشار الأسد، و لخَّصَه في أن "اشتراط تنحي الأسد يعتبر خطأ. لأنّ مشكلتنا الرئيسية هي داعش". ولكنه استدرك بالقول: "ولكني لست من أولئك الذين يريدون عقد معاهدات معه. بشار الأسد مسؤول فاشل"، وأعلن رفضه فتح سفارة لبلاده في دمشق.
وفي ما يخص الصراع في الشرق الأوسط، أظهر ماكرون دفاعا عن موقف هولاند من الموضوع، ورفض بأي شكل من الأشكال ممارسة ضغوط على إسرائيل. وأعاد من جديد تأكيد موقفه الرافض لحركة "بي دي إس"، الداعية لمقاطعة إسرائيل، وهو نفس موقف مانويل فالس، وقال "إن "مقاطعة إسرائيل" أدانتها فرنسا وليس من الوارد العودة عنها"، في إشارة إلى قرار محكمة النقض سنة 2015، والذي عبّر قانونيون فرنسيون، في حينه، عن تعارضه الشديد مع حق التعبير، الذي يصمنه الدستور الفرنسي. وعلى منوال موقفي هولاند وفالس لم يعلن عن نيته في الاعتراف بالدولة الفلسطينية، قبل وصول الطرفين إلى اتفاق.
وإذا كانت وسائل الإعلام الفرنسية لم تتعامل مع هذه التصريحات والمواقف بالتغطية المألوفة كغيرها من القضايا، فإن دونيس سييفير، مسؤول مجلة بوليتيس الأسبوعية رأى فيها، في مقال له الخميس 26 يناير/كانون الثاني، "إعلان ولاء من ماكرون للحكومة الإسرائيلية"، ورأى أن فرنسا، كما يراها إيمانويل ماكرون، ستكون "متواطئة في نسف حلّ الدولتين". وعن موقفه من الأسد، سخر سييفير من وصف ماكرون للأسد بالفاشل، معتبرا إياه موقفا ناعما، وسخر من "عدم رغبة ماكرون في توزيع النقاط السيئة على الديكتاتور السوري".