تراجعت تغطية الحدث السوري في الإعلامين العربي والعالمي، خلال العامين الماضيين، إذ لم تعد مجازر النظام وحلفائه الروس والإيرانيين والتطورات العسكرية والميدانية على قمة الأولويات. وظهر هذا التراجع جلياً في متابعة غارات طائرات النظام على ريفي إدلب وحلب، في الأيام الأخيرة.
وسيطرت تطورات الخلاف الأميركي الإيراني وتشعباته والحراك الثوري في الجزائر والسودان على النشرات الإخبارية في القنوات الفضائية العربية، والصحف الورقية والمواقع الإلكترونية.
بعبع الإرهاب
غيّرت دول عربية خليجية مسار الإعلام العربي، إذ تعدّ مموله الأول والرئيسي، وبالتالي تملك اليد الطولى في توجيه خطابه. وانعكس هذا الواقع تشويهاً في ثورات الربيع العربي، وبينها الثورة السورية، عبر منصات إعلامية عدة. وروجت المنافذ نفسها لبقاء بشار الأسد على رأس النظام في سورية، كي "لا تجتاح المنطقة موجة تطرف عارمة".
وهكذا، خصصت حيزاً مهماً وواسعاً لمحاربة تنظيم "داعش" الإرهابي، وهو ما صب في النهاية لصالح النظام السوري الذي أكدت الأحداث دوره في خلق "بعبع" متطرف أوهم العالم بأن تبعات سقوطه ستكون قاسية، وأن التنظيمات المتطرفة ستسد فراغ هذا السقوط.
وضمن التوجه نفسه، دأبت قنوات فضائية عربية معروفة في الآونة الأخيرة على استضافة شخصيات محسوبة على المعارضة السورية تحاول تعميم ثقافة اليأس والاستسلام لدى الشارع السوري المعارض، في مسعى واضح إلى إعادة عقارب الساعة السورية إلى ما قبل مارس/آذار عام 2011.
كما تحاول هذه القنوات التركيز على القضايا الهامشية في الملف السوري، لتمييع طبيعة الصراع وخلق اهتمامات لدى السوريين بعيداً عن المبادئ الرئيسية لثورتهم.
اقــرأ أيضاً
ويشرح الصحافي والكاتب السوري ثائر الزعزوع لـ "العربي الجديد" بعض أسباب تراجع الحدث السوري على الساحة الإعلامية، موضحاً أن "وسائل الإعلام تنشغل عادة بالأخبار الطازجة والمتغيرة، لكن الحدث السوري ومنذ سنتين تقريباً توقف عن أن يكون طازجاً، وبات متكرراً رغم الأحداث والوقائع التي تتغير داخله".
ويضيف الزعزوع: "النظام استطاع إعادة ترتيب أوراقه، وبات، بطريقة أو بأخرى، لاعباً وحيداً على الساحة، بمساعدة من داعميه طبعاً، فيما تغيب المعارضة والفصائل الثورية عن الصورة، بسبب سيطرة مليشيات متطرفة في الكثير من المناطق". ويرى الزعزوع أن "هذه المليشيات تحديداً لا يمكن أن تشكل مادة دسمة لأي وسيلة إعلامية، لأن تلك الوسيلة قد تجد نفسها متورطة في الترويج لـ (الإرهاب)".
ويتنبأ بأن "الحدث السوري ربما يعود ليحتل العناوين الرئيسية في حالة واحدة فقط، وهي عودة الصراع الداخلي الذي كان يحركه"، مستدركاً "وهذا الأمر مستبعد كلياً على الأقل خلال الفترة الحالية. ما عدا ذلك، فالأرض السورية فقط هي التي تشكل المادة الإعلامية، فالتحركات الأميركية والإيرانية، في ظل التصادم المتوقع بينهما، قد تشكل الجغرافية السورية أحد ميادينه".
اقــرأ أيضاً
ويضيف: "خصوصيات الحالة السورية كثيرة، لعل أبرزها أن الإعلام الغربي تعاطى عبر سنوات مع الملف السوري إعلامياً تحت عنوانين عريضين: الإرهاب والكيميائي. ومع تسليم النظام لمعظم مخزونه من السلاح الكيميائي واقتصار هجماته على غاز الكلور، فقد هذا الملف الاهتمام الإعلامي الغربي، ليبقى ملف الإرهاب متمثلاً في تنظيم (داعش) هو الملف الوحيد الحاضر، وهو يكاد أن يُطوى إعلامياً بعد الهزائم التي مني بها التنظيم عسكرياً التي أدت إلى شبه القضاء عليه".
وبالنسبة للإعلام العربي، يرى ديبة أنه "كان للنزاعات العربية – العربية الدور الأكبر في توجيه بوصلة الإعلام، لتصبح نتائج الخلاف الخليجي هي المسيطرة والمتحكمة بمعظم المحتوى الإعلامي العربي، مما أدى إلى تراجع عربي كبير بالاهتمام بالقضية السورية سياسياً وعسكرياً، وبالنتيجة إعلامياً". ويعتقد بأنه "لا يمكن تجاهل دور الرغبات الدولية والإقليمية في الوصول إلى تسوية سياسية في سورية، اعتماداً على خطط التهدئة متمثلة في اتفاقيات أستانة وسوتشي التي فرضت بشكل غير مباشر تهدئة إعلامية وتراجعاً في تناول الحدث السوري يصل في كثير من الأحيان إلى التغييب التام".
تجدر الإشارة إلى أن انطلاقة الثورة السورية في مارس/آذار عام 2011 طغت على المنصات الإعلامية العربية التي أفردت مساحات واسعة لمتابعة تفاصيله الدقيقة، بل إن بعض القنوات العربية كانت تخصص نشرات أخبار كاملة للحدث السوري متابعة وتحليلاً. ولطالما كان لهذه الوسائل (قناة الجزيرة مثالاً) الدور البارز في تعرية النظام السوري وتسليط الضوء على جرائمه بحق السوريين.
وسيطرت تطورات الخلاف الأميركي الإيراني وتشعباته والحراك الثوري في الجزائر والسودان على النشرات الإخبارية في القنوات الفضائية العربية، والصحف الورقية والمواقع الإلكترونية.
بعبع الإرهاب
غيّرت دول عربية خليجية مسار الإعلام العربي، إذ تعدّ مموله الأول والرئيسي، وبالتالي تملك اليد الطولى في توجيه خطابه. وانعكس هذا الواقع تشويهاً في ثورات الربيع العربي، وبينها الثورة السورية، عبر منصات إعلامية عدة. وروجت المنافذ نفسها لبقاء بشار الأسد على رأس النظام في سورية، كي "لا تجتاح المنطقة موجة تطرف عارمة".
وهكذا، خصصت حيزاً مهماً وواسعاً لمحاربة تنظيم "داعش" الإرهابي، وهو ما صب في النهاية لصالح النظام السوري الذي أكدت الأحداث دوره في خلق "بعبع" متطرف أوهم العالم بأن تبعات سقوطه ستكون قاسية، وأن التنظيمات المتطرفة ستسد فراغ هذا السقوط.
وضمن التوجه نفسه، دأبت قنوات فضائية عربية معروفة في الآونة الأخيرة على استضافة شخصيات محسوبة على المعارضة السورية تحاول تعميم ثقافة اليأس والاستسلام لدى الشارع السوري المعارض، في مسعى واضح إلى إعادة عقارب الساعة السورية إلى ما قبل مارس/آذار عام 2011.
كما تحاول هذه القنوات التركيز على القضايا الهامشية في الملف السوري، لتمييع طبيعة الصراع وخلق اهتمامات لدى السوريين بعيداً عن المبادئ الرئيسية لثورتهم.
عنصر الإثارة
أكثر من مائتي ألف نازح في شمال غرب سورية، خلال الشهرين الأخيرين فقط، لم يلتفت الإعلام العربي لمأساتهم التي تنقل جانباً منها وسائل إعلام سورية معارضة باتت هي الأخرى تخشى من انقطاع التمويل عنها، بعد انحداره إلى أدنى مستوى.ويشرح الصحافي والكاتب السوري ثائر الزعزوع لـ "العربي الجديد" بعض أسباب تراجع الحدث السوري على الساحة الإعلامية، موضحاً أن "وسائل الإعلام تنشغل عادة بالأخبار الطازجة والمتغيرة، لكن الحدث السوري ومنذ سنتين تقريباً توقف عن أن يكون طازجاً، وبات متكرراً رغم الأحداث والوقائع التي تتغير داخله".
ويضيف الزعزوع: "النظام استطاع إعادة ترتيب أوراقه، وبات، بطريقة أو بأخرى، لاعباً وحيداً على الساحة، بمساعدة من داعميه طبعاً، فيما تغيب المعارضة والفصائل الثورية عن الصورة، بسبب سيطرة مليشيات متطرفة في الكثير من المناطق". ويرى الزعزوع أن "هذه المليشيات تحديداً لا يمكن أن تشكل مادة دسمة لأي وسيلة إعلامية، لأن تلك الوسيلة قد تجد نفسها متورطة في الترويج لـ (الإرهاب)".
ويتنبأ بأن "الحدث السوري ربما يعود ليحتل العناوين الرئيسية في حالة واحدة فقط، وهي عودة الصراع الداخلي الذي كان يحركه"، مستدركاً "وهذا الأمر مستبعد كلياً على الأقل خلال الفترة الحالية. ما عدا ذلك، فالأرض السورية فقط هي التي تشكل المادة الإعلامية، فالتحركات الأميركية والإيرانية، في ظل التصادم المتوقع بينهما، قد تشكل الجغرافية السورية أحد ميادينه".
اعتيادية الخبر
وفي السياق نفسه، يعتقد مراقبون أن مرور أكثر من 8 سنوات على القضية السورية، من دون ظهور مؤشرات على حلول سياسية في المدى المنظور، لعب دوراً في تراخي التعاطي الإعلامي مع الملف السوري. وفي هذا الصدد، يقول الصحافي والكاتب السوري فراس ديبة، في حديث مع "العربي الجديد"، إن "أي حدث أو صراع يدور في بقعة صغيرة من العالم على مدى سنوات طويلة، من الطبيعي أن يتراجع الاهتمام به إعلامياً كونه تحوّل إلى خبر اعتيادي، وهو ما ينطبق على الحالة السورية". ويضيف: "خصوصيات الحالة السورية كثيرة، لعل أبرزها أن الإعلام الغربي تعاطى عبر سنوات مع الملف السوري إعلامياً تحت عنوانين عريضين: الإرهاب والكيميائي. ومع تسليم النظام لمعظم مخزونه من السلاح الكيميائي واقتصار هجماته على غاز الكلور، فقد هذا الملف الاهتمام الإعلامي الغربي، ليبقى ملف الإرهاب متمثلاً في تنظيم (داعش) هو الملف الوحيد الحاضر، وهو يكاد أن يُطوى إعلامياً بعد الهزائم التي مني بها التنظيم عسكرياً التي أدت إلى شبه القضاء عليه".
وبالنسبة للإعلام العربي، يرى ديبة أنه "كان للنزاعات العربية – العربية الدور الأكبر في توجيه بوصلة الإعلام، لتصبح نتائج الخلاف الخليجي هي المسيطرة والمتحكمة بمعظم المحتوى الإعلامي العربي، مما أدى إلى تراجع عربي كبير بالاهتمام بالقضية السورية سياسياً وعسكرياً، وبالنتيجة إعلامياً". ويعتقد بأنه "لا يمكن تجاهل دور الرغبات الدولية والإقليمية في الوصول إلى تسوية سياسية في سورية، اعتماداً على خطط التهدئة متمثلة في اتفاقيات أستانة وسوتشي التي فرضت بشكل غير مباشر تهدئة إعلامية وتراجعاً في تناول الحدث السوري يصل في كثير من الأحيان إلى التغييب التام".
تجدر الإشارة إلى أن انطلاقة الثورة السورية في مارس/آذار عام 2011 طغت على المنصات الإعلامية العربية التي أفردت مساحات واسعة لمتابعة تفاصيله الدقيقة، بل إن بعض القنوات العربية كانت تخصص نشرات أخبار كاملة للحدث السوري متابعة وتحليلاً. ولطالما كان لهذه الوسائل (قناة الجزيرة مثالاً) الدور البارز في تعرية النظام السوري وتسليط الضوء على جرائمه بحق السوريين.