رغم حالة الانتعاش القصوى التي تعرفها حرية الصحافة في تونس بعد ثورة 14 كانون الثاني/ يناير 2011 والتي تعدّ واحدة من أكبر مكاسب هذه الثورة، إلا أن الصحافيين التونسيين لم يجدوا الأرض مفروشة بالورود عند أدائهم لعملهم. بل يعاني الكثير منهم من تبعات المساءلة القانونية حول مواضيع تمّ إنجازها ونشرها من قبلهم.
هذا الوضع أقلق النقابة الوطنية للصحافيين التونسيين التي وإن أكدت على أن الصحافي ليس فوق القانون، لكنها في المقابل اعتبرت أن إحالة الصحافيين التونسيين على غير القوانين المنظمة لعملهم يعدّ اعتداءً صارخاً عليهم. إذ استنكرت في بلاغ لها إحالة الصحافيين خارج إطار المرسوم 115 المنظم لعمل الصحافيين.
وأعربت النقابة عن قلقها من تصاعد وتيرة استدعاء الصحافيين للتحقيق في قضايا نشر، ممّا من شأنه أن يعزّز المخاوف من محاولات ترهيبهم وإثنائهم عن تناول ملفات الفساد والقضايا المتعلقة بسوء التصرف واستغلال الصفة من قبل بعض المسؤولين. ودعت النقابة كل الجهات إلى احترام حق الصحافي في حماية مصادره والتراجع عن تتبعهم على معنى الفصل 128 باعتبار قيام المقالات على إثباتات موثقة.
هذه المخاوف مردها إحالة العديد من الصحافيين في الأيام الأخيرة على القضاء، حيث تم استدعاء أكثر من أربعة صحافيين للتحقيق على خلفية نشرهم لمقالات في صحفهم. هؤلاء الصحافيون تمت دعوتهم للتحقيق معهم من قبل فرق مختصة حيث تمت دعوة وليد الماجري رئيس تحرير صحيفة "آخر خبر" للاستماع إليه في تهمة تتعلق بتهمة الإساءة لموظف حكومي.
وأكدت محامية وليد الماجري أن "موكلي يحال بتهمتي نسبة أمور غير قانونية لموظف عمومي أو شبهة والإساءة للغير عبر شبكات الاتصالات العمومية، على خلفية مقال نشره حول قضية تتعلق بأمن المطار والأمن الموازي. وقد تم الاستماع له سابقاً في فرقة الحرس الوطني ببن عروس".
وليد الماجري لم يكن الصحافي الوحيد الذي تمت دعوته مؤخرا للتحقيق معه، فقد تمت دعوة الصحافية سناء الماجري هي الأخرى للتحقيق على خلفية مقال نشرته بصحيفة "أخبار الجمهورية" بعنوان "مخاوف من تسميم عبد الكريم العبيدي: تفاصيل حصرية عن الصندوق الأسود للأمن الموازي والاغتيالات السياسية"، ونشر في آب/ أغسطس 2015 لكن لم تتم دعوتها للتحقيق إلا منذ أيام". وقد عبرت سناء الماجري عن غضبها من الطريقة التي تمت بها دعوتها حيث قالت "تمت دعوتي بطريقة غير قانونية عبر الهاتف ولكني توجهت رغم ذلك للتعرف على التهم المنسوبة لي". وأضافت الماجري أنها "مكنت عائلة عبد الكريم العبيدي من الرد وقمت بالتعقيب الملائم للموضوع".
وحدة الرصد بمركز السلامة المهنية بالنقابة الوطنية للصحافيين التونسيين استنكرت هذه الدعوات للحضور للتحقيق خاصة وأنها تمت وفق نصوص قانونية من غير القوانين المنظمة لقطاع الإعلام، إذ وقع اعتماد الفصل 128 من مجلة الاتصالات وتجاهل المرسوم 115 المنظم لقطاع الإعلام.
وهذا التجاهل في تطبيق النصوص القانونية المنظمة للقطاع الإعلامي في تونس تمت ممارسته أيضاً مع الصحافيتين منى البوعزيزي وإيمان بن عزيزة العاملتين بجريدة الشروق ضمن قائمة المتهمين في الملف ونقابيين أمنيين آخرين.
وجعل هذا الوضع الأطراف النقابية الإعلامية تعبّر عن انشغالها من هذه المسألة، وتخشى أن يتمّ توظيف القانون لممارسة الضغوط على الإعلاميين، خصوصاً في ملفات حارقة في الراهن التونسي مثل الفساد والإرهاب، وبالتالي إلجام أصوات الإعلاميين بالاعتماد على مسوغات قانونية لا علاقة لها بالمجال الإعلامي.