وفي سياق تنفيذ لائحة الجزاءات وفي أول تطبيق لنصوصها، أصدر "المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام" قراره رقم 20 لسنة 2019 بحجب الموقع الإلكتروني لصحيفة "المشهد" لمدة ستة أشهر، وإلزام الصحيفة الورقية بغرامة قيمتها 50 ألف جنيه تسدد خلال أسبوعين. وأكد هذا القرار نية المجلس المبيتة، وعزمه على الاستمرار في تطبيق لائحة الجزاءات، ضارباً عرض الحائط بالانتقادات والاعتراضات.
وقد أصدرت "مؤسسة المرصد المصري للصحافة والإعلام" ورقة قانونية، توضح الخط الزمني لإصدار تلك اللائحة وعدداً من الملاحظات بموادّ اللائحة، التي ستؤثر بالسلب على حالة حرية الرأي والتعبير عامة وحالة الحريات الإعلامية خاصة.
وأدانت المؤسسة لائحة الجزاءات، وأكدت أنها جزء من الهجمة ضد الصحافة وحريتها، وتزيد من اختناق المهنة والعاملين فيها. ودعت كل منظمات المجتمع المدني، ولا سيما المنظمات المدافعة عن حرية الفكر والتعبير وحرية الصحافة والإعلام، إلى التصدي لهذه اللائحة الشائنة وتقديم مشاريع بديلة.
واعتبرت أن المجلس تناسى دوره الأساسي، ومنذ تشكيله أصبح المجلس ممثلاً دور الإدارة السلطوية السياسية والأخلاقية على وسائل الإعلام، واتسمت جُلّ قراراته بالفردية من دون إجراء أي نقاشات أو حوارات مجتمعية عليها، كما قام عن قصد بتهميش دور نقابتي الصحافيين والإعلاميين.
ولفتت إلى أن المجلس أصدر 14 قراراً، أهمّها وضع كود أخلاقي عمري على المسلسلات والبرامج، خلال 2017، وتحديد الفئة العمرية المسموح لها بالمشاهدة، كما أصدر قراراً هاماً باعتبار مقدم البرامج هو المسؤول عن ضيوفه.
وفي 2018، لم يتوقف المجلس عن إصدار القرارات وتوقيع العقوبات التي تهدف إلى التضييق على مساحات حرية الرأي والتعبير، فلقد نصَّب المجلس نفسه ممثلاً لدور شرطة الأخلاق في المجتمع الإعلامي، حتى وصل الأمر من الوصاية الأخلاقية إلى تحديد شكل الملابس وهيئة مقدمي البرامج.
ورصدت 58 انتهاكاً قام بها "المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام" عام 2018، تفاوتت بين إيقاف البرامج، والغرامات المالية، وتحويل عدد من الإعلاميين والصحافيين إلى التحقيق بواسطة نقابتهم المختصة، وتوقيع عقوبات على العاملين في وسائل الإعلام.
وأكدت المؤسسة أنه "لا تختلف لائحة الجزاءات الجديدة التي أصدرها المجلس الأعلى للإعلام، كثيراً عن مشروع اللائحة القديمة، التي لاقت الكثير من الانتقادات من جانب نقابة الصحافيين ونقابة الإعلاميين، ودفعت العديد من الصحافيين والإعلاميين والشخصيات العامة لتبني حملة جمع توقيعات على مذكرة، اعتراضاً على مسودة اللائحة، ووصل عدد الموقعين عليها إلى ما يقارب 600 توقيع بينهم عدد من أعضاء مجلس النقابة، ووصف الموقعون على المذكرة اللائحة بأنها: الحلقة الأخيرة في المسلسل الذي يستهدف مصادرة حرية الرأي والتعبير وكل مساحة متاحة للكلام".
وأكدت الورقة: "المجلس لم يتجاوب مع الانتقادات والاعتراضات التي أبداها الصحافيون والإعلاميون، كما ضرب عرض الحائط بالملاحظات التي قدمها مجلس نقابة الصحافيين، ولم تأتِ اللائحة الجديدة بجديد من حيث استخدام النصوص الفضفاضة والعبارات المطاطية لتحديد المخالفات، ما يفتح الباب أمام تفسيرات مختلفة على أهواء السلطات، ويفتح المجال أمام انتهاكات أوسع ضد الصحافيين".
وأكدت الورقة القانونية أن "اللائحة في شكلها النهائي غلب عليها منهجية تهدف إلى التضييق على حرية الرأي والتعبير، وخنق المجال الإعلامي وفتحت الباب نحو غلق المساحات الإعلامية أمام المعارضين والمخالفين لسياسات الحكومة المصرية، وهو ما يهدد مبدأ التعددية السياسية، ويهدم حرية الصحافة والطباعة والنشر، كما يقيد الإبداع الفني والثقافي".
ورأت أيضاً أن "المجلس الأعلى للإعلام تغول على عدد من اختصاصات السلطة القضائية، ففرضت عقوبات جنائية على أفعال محلّها قانون العقوبات وحاكمها القضاء المصري وليس تلك اللائحة. فجاءت المادة (16) من اللائحة بتوقيع غرامة مالية تصل إلى 250 ألف جنيه على المواقع الإلكترونية غير الشخصية أو الشخصية، التي يزيد متابعوها عن 5000 متابع في حالة إذا ما ارتأى المجلس الأعلى للإعلام وجود مادّة صحافية أو إعلامية على الوسيلة الإعلامية، أو المواقع الإلكترونية تحمل سباً أو قذفاً أو تشهيراً أو طعناً في الأعراض أو تحقيراً من الأفراد، فهذه الجرائم لا يتم التحقيق والقضاء فيها إلا عن طريق النيابة العامة وبناءً على شكوى أو طلب أو إذن من المجني عليه شخصياً أو ممثله القانوني إذا كان شخصاً اعتبارياً، والسلطة القضائية وحدها هي المختصة ولها مطلق الحرية والسلطة التقديرية في تحديد العبارات والألفاظ التي تعد سباً أو قذفاً من عدمه، فالمرجع في تعرف حقيقة ألفاظ السب أو القذف أو الإهانة هو بما يطمئن له القاضي من تحصيله لفهم الواقع في الدعوى وليس المجلس الأعلى للإعلام كما جاء في لائحته".