قدمت منتخبات عرب أفريقيا أداء متبايناً، ضمن الجولة الماضية من التصفيات المؤهلة إلى المونديال العالمي، واستمرت تونس على العهد لتهزم الكونغو الديمقراطية بهدفين مقابل هدف، لتقترب خطوة جديدة من روسيا، بينما سقطت الجزائر بغرابة في زامبيا، ليبتعد محاربو الصحراء عن الحلم الكبير، خصوصاً بعد فوز نيجيريا على الكاميرون برباعية.
ولم يتغير حال الفراعنة كثيراً، لينالوا هزيمة مستحقة أمام أوغندا، لكن القدر كان رحيماً بهم بعد تعادل غانا والكونغو، بينما استحق المنتخب المغربي أن يكون فارس الرهان الأول هذا الأسبوع، بعد سحقه لنظيره المالي بسداسية نظيفة، في مباراة من طرف واحد لرجال المدرب هيرفي رينار.
سقوط الخضر
ضرب المنتخب الجزائري مثالاً للتألق والإبداع خلال السنوات الماضية، بعد مشاركته الرائعة في مونديال البرازيل 2014، وظهور عدد كبير من المواهب في الملاعب الأوروبية، بقيادة محرز وسليماني وبراهيمي وغزال والبقية، لكن اتحاد اللعبة وقع في المحظور، بكثرة تغيير المدربين بالفترة الأخيرة، ليدفع ثمن التخلي عن البوسني خليلوزيتش، الرجل الذي صنع للفريق تكتيكاً محكماً، ونجح في تقوية الأداء الجماعي باستغلال المهارات الفردية، ووضعها في الإطار المناسب داخل الملعب، لذلك كانت أفضل فترات الكرة الجزائرية تحت قيادة هذا الرجل.
وكتب أسطورة الكرة المصرية محمد أبو تريكة عبر حسابه بموقع تويتر، أن المنتخب الجزائري يدفع فاتورة التخلي عن المدرب خليلوزيتش، حيث أنه كان رجل مبادئ كما يقول كل من تعامل معه، وأرسى أسساً واضحة داخل معسكر الفريق، ليبتعد المشاغبون عن الصورة، ويلتزم الجميع دون استثناء بتعليمات المدير الفني، لذلك ظهر الخضر بصورة رائعة فنياً وتكتيكياً وبدنياً، لكن بعد رحيله تحولت الأمور إلى السيىء فالأسوأ، حتى المشاركة المخزية في التصفيات الحالية، بالخسارة أمام نيجيريا وزامبيا بنتائج كبيرة، والتعادل أمام الكاميرون في الجزائر.
الفرنسي كريستيان غوركوف لم يتحمل الضغط، وفضل الاستقالة السريعة مع عدم ترك أي بصمة فنية، ليتعاقد الاتحاد مع الصربي رايفاتش صاحب التاريخ الطويل في القارة السمراء، لكنه هو الآخر سقط فريسة للخلافات مع النجوم الكبار. ورغم تمتع المدرب بخبرة عريضة على الصعيد التدريبي، إلا أنه على الأرجح لم يقنع لاعبيه بقدراته، ليحدث شيء من التمرد داخل معسكر المنتخب بعد أول مباراة بالتصفيات، ليأتي بعده البلجيكي ليكنز الذي لم يستمر طويلاً هو الآخر، لتتم إقالته بعد المشاركة الضعيفة في البطولة الأفريقية الأخيرة، ويأتي عوضاً عنه الإسباني لوكاس ألكاراز.
ألكاراز مدرب دفاعي بحت، لا يهتم بالهجوم كثيراً، ويعتمد أكثر على تقليل الفراغات في وبين الخطوط، ومن ثم البحث عن الأهداف بالمرتدات والتحولات الخاطفة، هكذا يقول تاريخه مع الأندية الإسبانية التي دربها سابقاً، وبالتالي حدث تنافر واضح بين صفاته وقدرات ومهارات نجوم الخضر، فالمنتخب الجزائري يمتاز بالمهارة والمراوغة والجانب الفردي، ليجد الرجل صعوبة واضحة في التعامل مع المقومات التي يمتلكها، ويصبح الفريق حائراً بين طريقين، إما الدفاع الذي لا يجيده معظم أفراد المجموعة، أو الهجوم الذي لا يفضله المدرب من الأساس، لتكون النتائج في النهاية على مستوى تخبط الاختيارات وانعدام الرؤية، بتواصل الخسارة وضياع النقاط، مع تقديم عروض سيئة ونتائج هزيلة.
مصر وتونس
فازت تونس على مصر في التصفيات المؤهلة لكأس أفريقيا بهدف دون رد منذ فترة، واستحق نسور قرطاج الانتصار نتيجة العرض التكتيكي المثالي للمدرب الوطني، نبيل معلول، الرجل الذي يسير بخطى ثابتة رفقة منتخب بلاده بعد مواصلة الأداء الجيد والنتائج المبهرة، بالفوز على الكونغو مؤخراً. ويحتاج المنتخب التونسي إلى تعادل خارج الديار أمام نفس الفريق، حتى يضع قدمه على أول الطريق نحو روسيا، بسبب ضعف بقية المنافسين في المجموعة، ويستطيع الفريق تحقيق ذلك نظراً لحالة الاستقرار التي يعيشها نجومه بالتفاهم مع الطاقم التقني.
حسناً فعل القائمون على اللعبة في تونس بالرهان على معلول، بعد الخروج المرير في الكان أمام بوركينا فاسو، خصوصاً بعد وجود حالة من التمرد بين بعض النجوم والمدرب كاسبرزاك، لذلك جاء البديل محلياً بامتياز، حتى يستطيع فرض الهدوء داخل المعسكر، وإعادة الانضباط المفقود إلى المجموعة، وهذا ما نجح فيه معلول في البداية، ليحصد ثمن ذلك بتحقيق النتائج الإيجابية في مختلف مسابقات التصفيات. ويستحق الاتحاد التونسي التقدير على تلك الخطوة الشجاعة، التي لم يقدر اتحاد الكرة المصري على الإتيان بها، رغم العروض الهزيلة للفراعنة رفقة الأرجنتيني هيكتور كوبر.
فازت مصر في بدايات التصفيات على الكونغو وغانا، وحصلت على المركز الثاني بكأس أفريقيا، لكن المتابع الجيد للمنتخب يعرف أن الفريق بلا شكل تكتيكي ولا شخصية حقيقية داخل الملعب، نتيجة إصرار المدرب على اللعب بخطة تقليدية بعض الشيء، بالعودة إلى مناطقه وانتظار ارتكاب الخصم لأي خطأ حتى يفكر في التسجيل، لذلك كلما تأخر المنتخب المصري في النتيجة، وجد صعوبة بالغة في العودة، لأن فاقد الشيء لا يعطيه في النهاية، وكوبر لا يجيد أبداً صياغة أفكار خططية تساعد على البناء المنظم من الخلف، وخلق التفوق النوعي خلف خطوط ضغط الخصم، والاستفادة من بعض الأسماء المهارية بالثلث الهجومي الأخير.
تأخر منتخب مصر في النتيجة أمام تونس وأوغندا، وخسر في المباراتين بنفس السيناريو تقريباً، لأن الفريق يتبع سياسة الدفاع بدون أي تطوير، حتى أنه لا يضغط أبداً على حامل الكرة من الفريق الخصم، ويكتفي فقط بالتمركز داخل وخارج منطقة الجزاء، مع ضربة حرة مباشرة أو ركنية أو هفوة غريبة يترجمها صلاح إلى هدف، لتتحول خطة "مرر لصلاح" إلى "سجل يا صلاح حتى دون انتظار التمريرة". ويجب أن تكون تجربة المنتخب التونسي في تغيير الطاقم التدريبي، بمثابة الخطوة الجريئة اللازم تطبيقها داخل منطقة صناعة القرار الرياضي المصري، حتى يتحقق الأداء أولاً ومن ثم النتائج.
أفضلية المغرب
ومن تخبط الجزائر ومصر إلى التفوق الكاسح لأسود الأطلسي، فالمنتخب المغربي يحصد نتاج اختياره الصائب للمدرب الفرنسي هيرفي رينار، الرجل المعروف بشجاعته خارج الخط، ومرونته التكتيكية داخل المستطيل الأخضر، ليقدم بطولة مثالية في الكان، ويخرج بصعوبة بالغة ضد مصر. وضم عمق المنتخب المغربي مجموعة من المواهب المنتشرة في أكثر من مكان بالسابق، لكنه عانى من ضعف الانضباط الخططي، وهذا ما أضافه الفرنسي بالمدة التي قضاها، من خلال الاعتماد على رسم 3-4-2-1، بتمركز ثلاثي دفاعي صريح أمام الحارس، بالإضافة إلى رباعي آخر بالمنتصف، مع ثنائي على الأطراف ومهاجم في الثلث الأخير.
وبعد عودة حكيم زياش إلى صفوف المنتخب من جديد، عدّل رينار من أفكاره ليتحول من ثلاثي الخلف إلى رباعي الدفاع، ويعتمد على نجم أياكس الهولندي في مركز صناعة اللعب، لذلك لعبت المغرب بخطة مزيج بين 4-3-3 و 4-2-3-1، بتواجد كلٍّ من كريم الأحمدي ومبارك بوصوفة في منطقة المحور، لحماية خط الظهر وتوفير الحرية الكاملة لنجوم الهجوم، مع وضع بلنهدة وأمرابط على الأطراف، كثنائي يتمركز على الخط في الحالة الدفاعية أمام الأظهرة، وفي نفس الوقت لهما حرية التحول إلى العمق، من أجل دعم بوطيب أمام المرمى.
زياش هو همزة الوصل بين الجميع، إنه لاعب الوسط الثالث أمام ثنائي الارتكاز، حتى يساهم في زيادة الحيازة والسيطرة على الكرة، وهو أيضاً صانع اللعب الصريح بين الجناحين وخلف المهاجم بالمركز رقم 10، ليصنع الفرص والأهداف ويمرر إلى زملائه في أماكن أفضل، ليسجل الأسود ستة أهداف كاملة كانت قابلة للزيادة، ويضيف رينارد سلاح اللعب المنظم، إلى خاصية العرضيات التي اعتمد عليها بشكل شبه رئيسي في النسخة الأخيرة من البطولة الأفريقية.
يضم المنتخب المغربي أيضاً بدائل جاهزة، كفيصل فجر وميمون ماهي والقادوري وكارسيلا والبقية، ومع التأكيد على قوة المجموعة بتواجد ساحل العاج والغابون ومالي، إلا أن ممثل الشمال الأفريقي لديه كامل الحق في الحلم بالذهاب بعيداً، شريطة تحسين أدائه في مباريات خارج الأرض، فالفوز على مالي في الجولة القادمة سيعطي الفريق فرصة حقيقية في المنافسة على بطاقة الصعود، حتى الجولة الأخيرة ومباراة الحسم ضد كوت ديفوار، ويبقى كل شيء ممكناً خلال قادم المواجهات.