لكن هذا الإنجاز الذي حققته قطر في كأس آسيا 2019، لم يأتِ محض الصدفة بل نتيجة عمل كبير، وخطة كروية تطويرية أعدّها الاتحاد القطري من أجل الوصول إلى منتخب واعد، ينافس على البطولات القارّية والدولية في المستقبل. وفعلاً بعد سنوات من العمل والجهد الكبيرين، ها هو منتخب "العنابي" بعناصره الشابّة بدأ يحصد ثمار العمل والخطة المدروسة، وأمسى اليوم واحداً من أفضل المنتخبات الآسيوية.
الفئات العمرية والمواهب
أنشأت قطر عام 2004 أكاديمية "أسباير" الشهيرة، التي استقطبت مواهب كروية من حول العالم، وبدأت تعمل على تطوير قدراتهم الفنية دون إغفال الدور الذهبي في عملية بناء المواهب. فالأكاديمية وفّرت لكل اللاعبين الصغار مركزاً للتدريب والدراسة والمنامة في نفس الوقت، شرط التركيز على كرة القدم فقط لا شيء آخر.
بدأت "أسباير" تشقّ طريقها بنجاح مع مرور السنوات وتحديداً عام 2006، عندما أمست "أسباير" واحدة من بين أبرز أكاديميات كرة القدم في العالم. أكاديمية تصنع النجوم وتطور مهاراتهم الكروية من أجل صناعة المستقبل. من هنا بدأ العمل على منتخبات الفئات العمرية القطرية التي يعود لها الفضل الكبير في إنجاز "العنابي" في بطولة كأس آسيا 2019، لأن الخطة الكروية للشباب بدأت تحصد الثمار.
جمعت أكاديمية "أسباير" أفضل المواهب الكروية من قطر، وبدأت تدفعهم نحو الاحتراف أولاً مع الأندية القطرية، وثانياً إلى أوروبا وغيرها من الدول، وذلك من أجل اكتساب الخبرة في الملاعب والاحتكاك مع النجوم. بين 2006 و2014 كان التركيز على المواهب والفئات العمرية من أجل بناء جيل واعد، ومنذ بطولة كأس آسيا 2014 للشباب بدأت حكاية "عنابي جديد".
فيليكس سانشيز "العبقري"
يُعتبر فيليكس سانشيز من المدربين المغمورين في عالم كرة القدم، فهو لم يُدرب أندية أو منتخبات كبيرة. وأول تجربة كبيرة له مع المنتخب القطري الأول في بطولة كأس آسيا الحالية. عمل سانشيز في البداية داخل أكاديمية "لا ماسيا" الخاصة ببرشلونة، بين عام 1996 حتى 2006. طبعاً اكتسب خبرة كبيرة من النادي "الكتالوني"، ومن الأكاديمية الأفضل ربما في العالم لناحية تنمية المواهب الصغيرة.
عام 2006 انتقل سانشيز إلى أكاديمية "أسباير"، وبدأ رحلة كتابة التاريخ والمساعدة في تطوير المواهب الشابّة. استمر في هذه المهمة حتى عام 2013 بمثابة الجندي المجهول الذي يعمل دون أن يراه أحد.
لكن لمسات سانشيز المُميزة بدأت تظهر للجميع، وهو الأمر الذي دفع بالاتحاد القطري لتعيين مدرب لمنتخب قطر تحت 19 سنة بين 2013 و2015. بعد ذلك تدرج سانشيز وتسلّم مهمة تدريب قطر تحت 20 سنة بين 2014 و2017، وصولاً لتسلّمه مهمة منتخب قطر تحت 23 سنة، مهمة المنتخب الأول توازياً.
حقق سانشيز لقب كأس آسيا للشباب عام 2014، وهو الإنجاز الذي جعله يقترب أكثر فأكثر من منصب مدرب المنتخب الأول. عمل سانشيز مع مواهب في جميع المنتخبات العمرية، بين 18 سنة و23 سنة. اختار الأفضل منهم وبدأ يعمل عليهم، لبناء منتخب قطري واعد قادر على المنافسة. وعام 2017 تسلّم تدريب المنتخب القطري الأول، ودعا نخبة الشباب الذي عمل معه لسنوات وبدأت رحلة الذهب.
بعد بداية متواضعة في أول ثلاث مباريات ودّية وبطولة كأس الخليج 2017، وجد سانشيز أفضل توليفة قطرية ممكنة وبدأ يصنع النتائج الإيجابية. فمنذ عام 2018، لم تخسر قطر سوى ثلاث مباريات من أصل 17 مباراة، بينما فازت في 12 لقاءً، وتعادلت في مباراتين وهذه نتائج تُحسب لسانشيز. وفي كأس آسيا 2019، سجل منتخب "العنابي" 12 هدفاً ولم تتلقَ شباكه أي هدف، وها هو سيخوض مواجهة قوية ضد الإمارات من أجل حجز مقعد في المباراة النهائية لأول مرة في تاريخه.
سنوات طويلة من العمل امتدت من 2006 حتى 2019، كبُر فيها جيل الأطفال الذي تدرب في أكاديمية "أسباير"، وأمسى اليوم منتخباً واعداً بلاعبين يملكون ذهنية تعرف جيداً ماذا تريد من المباراة. انضباط تكتيكي في جميع الخطوط، طريقة التمرير، الانطلاق في الهجمات، البناء من الخلف بهدوء وبدون تسرّع والأهم بثقة كبيرة. منتخب قطر أمسى اليوم منافساً على لقب قارّي، بفضل خطة كروية بدأت تُثمر بعد 13 سنة من العمل.