لا تحتاج لأن تكون محلّلاً كروياً لتلاحظ أن قرعة ربع نهائي دوري الأبطال قسّمت بين مباراتين سهلتين، أو على الأقل "عاديتين"، ومباراتين سيكون فيهما "كسر عظم"، كما يقال.
على الرغم من أن كرة القدم تعلّمنا دائماً أن نكون واقعيين، وأن لا نحكم على أية مباراة إلا بعد صافرة الحكم النهائية، إلا أن بعض الأمور أحياناً تبدو جلية وليست بحاجة للكثير من التحليل والتوقّع.
أسفرت قرعة مباريات الدور ربع النهائي من دوري الأبطال عن أربعة مباريات:
بوروسيا دورتموند - موناكو
أتلتيكو مدريد - ليستر سيتي
بايرن ميونخ - ريال مدريد
يوفنتوس - برشلونة
ليس تقليلاً من أهمية اللقاءين الأولين، لكن مقارنة باللقاءين الآخرين، تبدو الأمور أكثر سهولة وأقل ضغطا حتى على جماهير الفرق الأربعة. فجمهور موناكو وليستر يعرف تماماً أن الفوز على أتلتيكو وبوروسيا دورتموند أمر غير وارد بنسبة كبيرة وإن حصل فسيكون فصلاً آخر من فصول تاريخ الفريقين، خاصة ليستر، الذي يعيش قصة تشبه قصص الخيال.
تبدو الأمور بين بوروسيا وموناكو أكثر تكافؤاً من تلك التي في مباراة أتلتيكو وليستر. على الرغم من أن التوقعات تصب لمصلحة بروسيا أكثر، وعلى الرغم من أن طريق موناكو نحو الدور ربع النهائي لم يكن بصعوبة بعض الفرق الأخرى، لكن رجال ليوناردو جارديم قدّموا أداء مقنعاً بقيادة المهاجم الكبير راداميل فالكاو، الذي لولا الإصابات، لأصبح أحد أهم نجوم كرة القدم في التاريخ.
الاحتمالات في هذه المباراة مفتوحة والفرص متكافئة، بإمكان موناكو إكمال ما بدأه في هذه البطولة حتى الآن، خاصة أن بروسيا دورتموند كان أحد أسهل الخصوم للفريق الفرنسي في هذه المرحلة.
أما مباراة أتلتيكو مدريد وليستر فستحمل عنوانا واحدا: مباراة الخيال ضد الواقع. الخيال، هو ما فعله ليستر حتى الآن، الذي يُعتبر مجرد وصوله لهذه المرحلة إنجازاً كبيراً. فمنذ تحقيقه المفاجأة الموسم الماضي بفوزه بلقب الدوري الإنكليزي الممتاز، لم يتوقّع أحد أن يتمكّن ليستر من الوصول إلى هذه المرحلة من البطولة الأعرق والأهم في العالم.
الحلم بدأ مع قرعة مرحلة المجموعات، التي هيأت الطريق لكلاوديو رانييري - قبل إقالته - للوصول إلى أدوار متقدمة من البطولة. رانييري الذي تمّت إقالته من مهام تدريب الفريق الإنكليزي بشكلٍ مفاجئ وصادم، ربما دفع ثمن "واقعيته" التي اعتمدها هذا الموسم، فهو اضطر للتضحية بالدوري والبطولات المحلية، ليتمكّن من الصمود في دوري الأبطال، وهذا ما حصل بالفعل، ها هو الآن يصل إلى دور ربع النهائي، ليلتقي بالفريق الذي قد يكتب الفصل الأخير من قصة أحلام ليستر في هذه البطولة، بعدما "رحمته" القرعة في دوري المجموعات، وضعته في هذا الدور مع أحد أصعب وأعند واقوى الفرق الموجودة في هذه المرحلة من البطولة، وضعته أمام مدرّب لا يعرف المزاح ولا الرحمة.
قد يكون من الجنون توقّع فوز ليستر أو تمكّنه من تخطّي أتلتيكو، ولو أن في كرة القدم كل شيء وارد، إلا أن هناك بعض الأمور التي تبدو واضحة وضوح الشمس قبل حدوثها.
بايرن ميونخ - ريال مدريد
كثيرة العناوين التي يمكن إطلاقها على هذا اللقاء، وكثيرة التوقّعات، فهنا، نتحدّث عن فريقين كبيرين عريقين مرشحين "دائماً" للفوز بهذه البطولة. لقاء الأستاذ والتلميذ، لقاء التاريخ والحاضر، لقاء القوة الضاربة، مباراة الهيبة والسيطرة... كثيرة جداً الألقاب التي يمكن إطلاقها على هذا اللقاء، فهذان الفريقان تحديداً، لا يتمنّى أحد مواجهتهما في مرحلة مبكرة من دوري الأبطال.
سيكون اختباراً قوياً لزيدان دون أدنى شك، الذي اتهمه كثيرون بإدارة المباريات بذكاء كبير لكن باعتماد أكبر على "الحظ"، ومهارات لاعبيه الفردية. لم يقنع زيدان الكثيرين على صعيد "التكتيك"، ولو أن الحظ لا يمكن أن يخدم أحدا بعدم الخسارة لأربعين مباراة على التوالي!
أدار زيدان جميع مباريات الريال بذكاء فعلاً، فهو يعرف حدوده وحجمه، ويعرف قيمة وقدرة لاعبيه، ويعلم تماماً على ماذا يعتمد ومن ومتى وأين... إلا أن هذه فرصته للإثبات لمن شكّك بقدراته كمدرّب كبير، مع العلم أنه في مواجهة بايرن سيحتاج للذكاء والخبرة، ومهارات لاعبيه الفردية، وكذلك الحظ، لتخطّي فريق بصعوبة بايرن ميونخ.
أما من جهته، وعلى الرغم من أن القرعة كانت منصفة أيضاً مع بايرن في دور المجموعات نوعاً ما، لكن من يتابع كرة القدم جيداً يعرف أن بايرن الحالي هذا قادر على تخطّي الأدوار الأولى من البطولة بسهولة، والآن، بقيادة المخضرم المحنّك، الرجل الذي يحفظ ألف باء دوري الأبطال ويعرف تماماً "من أين تُؤكل كتِفه"، الأستاذ الذي عاشره زيدان فترات طويلة، منذ أيام يوفنتوس، فزيدان يعرف كارلو أنشيلوتي كلاعب، وكمساعد، والآن كمدرّب وخصم.
أجمل ما في هذا اللقاء أنه غير متوقع، وأن الاحتمالات فيه مفتوحة على مصراعيها، والمؤكد أن المباراة ستكون ممتعة لعشاق كرة القدم، لكن "قاتلة" لمشجعي الفريقين.
يوفنتوس - برشلونة
لقاء آخر يحمل أكثر من عنوان، لعلّ عنوانه الأبرز "لقاء الثأر"، خاصة لجمهور اليوفي. مباراة ستعيد ذكريات نهائي برلين 2015 بين الفريقين.
من جهته، يبدو برشلونة مرتاحاً أكثر خاصة بعد "الريمونتادا" التاريخية التي حقّقها أمام باريس سان جرمان في دور المجموعات، لكن لويس إنريكي واللاعبين، يعلمون جيداً أن يوفنتوس ليس باريس سان جرمان آخر، مع كامل الاحترام للنادي الفرنسي، لكن لطالما أثبت يوفنتوس أنه خصم "لحمه مُرّ"، ولا يمكن تخطّيه أو تحقيق عودة تاريخية أمامه ببساطة، وكما يعلم الجميع، أن يوفنتوس على أرضه لم يخسر أية مباراة أمام فريق أوروبي، باستثناء مباراته في ربع نهائي 2013 أمام بايرن ميونخ.
جمهور يوفنتوس مرتاح لأن مباراة الذهاب ستقام في تورينو، وجمهور برشلونة مرتاح لأن مباراة العودة ستكون في الكامب نو، معادلة غريبة، لكنها واضحة ولها تفسيرها، فالأول، يعرف أن فريقه قادر على تحقيق نتيجة إيجابية على أرضه وبالإثباتات، والثاني، واثق من قدرة فريقه على تحقيق نتيجة إيجابية في مباراة العودة على أرضه، أيضاً بالإثباتات!
هي ليست مباراة عادية بكل تأكيد، والاحتمالات فيها مفتوحة. هي ليست فقط مواجهة بين مدرّبَين، أحدهما يسعى لوضع بصمته أوروبياً والآخر يسعى لتأكيد نجاحه كمدرّب كبير، هي أيضاً مباراة بين فريقين، بين دوريين، بين مدرستين، بين جمهورين من الأكبر والأعرق في العالم. مباراة سيكون عنوانها الأهم والأبرز: مباراة ممتعة بجميع المقاييس.
لمتابعة الكاتبة.. https://twitter.com/ShifaaMrad