المعروف في كرة القدم أن صانع الألعاب ورأس الحربة إضافة إلى لاعب جناح هم نجوم الفريق، من يصنعون الفارق ويخطفون الأضواء ويتصدرون الصحف والعنوانين، وترتبط أسماؤهم بتحولات مجريات اللقاء، ويثار حولهم الحديث بعد كلّ لقاء في شبكات التواصل الاجتماعي. لكن في نادي نيس هناك نجم صغير السن، قصير البنية وهزيل العضلات، نال كلّ ما قيل سلفا، رغم أنه يشغل منصب الظهير الأيمن، هو الدولي الجزائري يوسف عطال.
ما قدّمه ويُقدّمه عطال مع نادي نيس لا بدّ أن يكتب بحروف من ذهب في تاريخ فريق الجنوب الفرنسي، خريج أكاديمية بارادو بات النجم الأبرز، والمنقذ الدائم، ومحبوب الجماهير الأول ومعشوقها، تتغنى هذه الأخيرة باسمه مطولاً في نهاية أي لقاء، وتحبسُ أنفاسها بعد أي تدخّل على اللاعب، فهو لديهم بمثابة ميسي لدى جماهير برشلونة، ورونالدو لدى جماهير "اليوفي"، ونيمار ومبابي لدى جماهير "البي أس جي".
ولأن عطال نجم الفريق الأول، فإن المدرب باتريك فييرا لا يتوانى عن استغلال إمكانيات نجمه في كلّ المناصب، فإن كان ميسي يجمع بين لاعب الجناح ورأس الحربة الوهمي وصناعة اللعب، فإن عطال يجمع بين الظهير والجناح الأيمن، وكذلك منصب الجناح الأيسر. ففي آخر لقاء لناديه أمام نادي بوردو شغل نجم "الخضر" المناصب الثلاثة في مباراة واحدة، بل تألق فيها جميعاً دفاعاً وهجوماً، إبعادًا للخطر في منطقة جزاء فريقه وصناعة له في منطقة الخصم.
لربما يرى البعض ما أكتبه مجرد تطبيل للاعب، لكن لغة الأرقام لا تكذب ولا تجامل، فإذا قارنا بين ما يقدمه عطال مع كلّ من يشاركونه المنصب ومدى تأثيرهم على نتائج فرقهم، سنجد أن الفارق كبير وكبير جداً، لكن أحياناً كرة القدم تكون ظالمة، بل في أغلب الأحيان تكون جنسية اللاعب أكثر ظلماً له. فمن غير المعقول أن يتعاقد نادي ريال مدريد مع فيرلاند مندي الظهير الأيمن لنادي ليون بعد نهاية موسم كروي فعل فيه يوسف أكثر ما يمكن لمجرد ظهير أن يفعله، ولم ينل الفرنسي شرف المقارنة معه لفارق المستويات الكبير.
المرحلة التي بلغها عطال إن تواصلت من دون أي تحديات قد تدخله في مرحلة الغرور، لذلك فإن بقاءه في نادي نيس لموسم آخر يعد انتحاراً كروياً لا تُحمد عواقبه. نفس الأمر ينطبق على الخطوة المقبلة التي يجب على اللاعب حسن التخطيط لها، واختيار فريق يضمن له مكانة أساسية، وقبلها أسلوب يسهل له مهمة إبراز إمكانياته الفنية، لذلك عليه حسن الاختيار برفقة وكيل أعماله، فإمكانيات اللاعب الهجومية تعتبر سلاحاً فتاكاً إن كان تحت إشراف مدرب يقدّر هذه الخصائص، فالبرازيلي ألفيس ساهم بقسط كبير في صناعة مجد برشلونة بيب غوارديولا، ويُعتبر واحدا من أبرز من لعبوا في ذات منصب وأسلوب عطال.
ما يفعله الدولي الجزائري مع نيس، وكذلك نجم المنتخب المغربي الشقيق أشرف حكيمي مع دورتموند، يؤكد للمرة الألف أن المواهب متواجدة في بلداننا العربية، لكن يبقى المشكل الأزلي هو غياب المنظومة الحسنة، التي تكتشف اللاعبين، تصقل المواهب، تسوّقهم بطريقة ذكية وترافقهم ليصبحوا نجوما يرفعون رايات أوطانهم في الملاعب الأوروبية. فكم من محرز، عطال، مساكني، حكيمي، صلاح، قُتلت موهبتهم وصودرت أحلامهم، وانتهى شغف الكرة لديهم بعيداً عن المستطيل الأخضر.