عصابات مهاجرين... أخبار سيئة في أوروبا
لسنوات وسنوات، بقيت أزمة الجدل الأوروبي حول قضايا الهجرة والدمج تركّز على مفردة العنصرية والخصوصية الثقافية.
تأثر بعض اليسار، بخطاب يسار متطرف في الموقف من قضايا اجتماعية شاملة. لكن، كثيرا ما وجدت تعبيرات التأثر طريقها نحو مخرجات أخرى، بعيدة عن مقاصد البحث عن المجتمع المثالي المبتعد عن صيغ الجماعة في "نحن" و"هم"، مواطنون "وافدون" من أصل مهاجر، وأوروبيون "أصليون".
خلال عقود ماضية، وقع هذا التطرف في مأزق مرادف لمأزق التطرف في يمين الوسط. فالصندوق الانتخابي، أو حتى البحث عن إعجاب الشارع لتوسيع المؤمنين بالفكرة، أنتج متأخرا ما نراه اليوم من اندفاع نحو اليمين، وإن كان بعض يسار الوسط لا يزال يغمز يسارا. وفي التجربتين الألمانية والاسكندنافية ما يشير إلى بعض التحولات.
لقد حذرت نشأة عصابات مهاجرة، ولأسباب مجتمعية خالصة، على ضفتي مجتمعي الأغلبية والهوامش التي خلقتها ظروف معقدة جدا، البعض لسنوات من كارثة انفجار العلاقة.
لنأخذ مثلا: حين كانت عصابات من عشرات المراهقين من خلفيات مهاجرة، وتحسب ممارساتهم على مجتمع ملايين المهاجرين عربا وغير عرب، تروع جماعتي "نحن" و"هم" في مجتمعات الهامش، في غرب أوروبا على وجه التحديد، ظل الجدل يرتكز على عنصرية وخصوصية ثقافية.
ولسنوات، إن لم نقل عقودا، وقبل ظهور "بيغيدا"، وبروز تعبيرات التحول في خطاب فراوكا بيتري في ألمانيا وجيمي أوكسون في السويد وكريستيان ثولسن في الدنمارك وغيرت فيلدزر في هولندا ومارين لوبان في فرنسا، إلى آخر القائمة حتى أثينا، كانت أدوات ما يسميه الغربيون الـ"كنس تحت السجادة" هي المهيمنة.
اليوم يرى البعض أننا أمام "كارثة". فيمين ويسار الوسط، صارا أكثر جرأة في تبني خطاب التطرف. ولذلك أسبابه العميقة، فتحت السجادة أطنان من الأخطاء التي لم تُعالج ولم تنقح مفرداتها، من سياسات الدمج إلى المواطنة وتعريف الهوية.
وعلى ضفة المجتمعات الموازية يستنبط تعريف لمجتمع الاستقبال: عنصري استعلائي. لا ينفع معه اندماج، بل مزيد من الانعزال برفض تفهّم ثقافة ولغة وموروثات مجتمعات عاشت مصائب كثيرة، قبل أن تصير إلى مجتمعات الرفاهية والإعانة الاجتماعية. كارثة أن ترى مقيما لعقدين لا يجيد لغة المجتمع الذي هجر إليه ويبحث عن جنسيته، وفي ذلك أمضى الأسلحة لليمين المتطرف.
الدين اليوم كملاذ أخير أصبح الشغل الشاغل. هنا وقعت خارطة الأحزاب السياسية الأوروبية التقليدية، إلى جانب أزمة هوية مجتمعاتها، في مطب وفخاخ التطرف اليميني المندفع كالبلدوز.
فحين لم تُعالج الأزمات، اجتماعيا وقانونيا وثقافيا وأمنيا، برزت أكثر المجتمعات الموازية؛ السماح لتكدس مهاجرين في الأحياء، نشوء عصابات مراهقة، ثم منظمة في الابتزاز والتهديد وتنافس على جغرافية الترويج.
صحيح أن ذلك أثار أسئلة، وما يزال، بين الممتعضين المهاجرين عن "تراخ أمني مقصود"، تبدو نتائجه اليوم في أخبار اعتقال عصابات في غوتيبورغ ومالمو السويديتين وأدونسه وكوبنهاغن وآرهوس الدنماركية وكولن وبرلين الألمانيتين إلخ، إلا أن ما بقي مسكوت عنه في المجتمعات الموازية بات ثمنه باهظا اليوم.
قلة من كانوا يجرؤون على التدخل لمنع تخريب حياتهم، وتأثير تلك الممارسات على الأبناء وأبناء العم (فبعض التجمعات المهاجرة تشمل عوائل كاملة). الصمت، ورفض الاعتراف بوجود مقدمات كوارث، والتسامح مع انتشار العصابات، خلق بيئة لا تشبه بيئة عصابات مجتمعات السويد والدنمارك وألمانيا.
فأغلب عصابات تلك الدول من عصابات الروك (هيلس أنجليس أو بانديدوس) منبوذة من مجتمع الأغلبية، وتخرج تظاهرات شعبية تطالب برحيل أعضائها عن الأحياء... بيد أن جرأة التعبير في مجتمعات الهامش/الموازية ظلت غائبة، حتى صار الغسيل المتسخ منشورا دون استثناءات... ويبقى دائما السؤال: وماذا بعد؟ ما العمل؟
أسوأ ما في الأمر أن تعالج الأخطاء بأخطاء كارثية، كأن ترد الممارسات المشينة إلى "الخصوصية الثقافية والدينية"، كما يفعل للأسف بعض مستشرقين و"خبراء" وسياسيين وموظفين محسوبين على البيئات المهاجرة.
لتلك الكوارث تتمة لا تقف مع هذا الاندفاع العنيف لليمين المتطرف.