المرأة العربية في المهجر
هناك الكثير من النساء العربيات اللاتي اخترن قرار الهجرة بمحض إرادتهن، بحثاً عن حياة وفرص جديدة في التعليم والعمل، لم يحظين بها في أوطانهن. وفي المهجر، يواجهن العديد من المعوقات التي تراوح بين مطالبتهن الدائمة بإثبات قدراتهن وكفاءتهن في الفضاء العام والخاص، وسعيهنّ الدؤوب للتأقلم مع المجتمع الجديد، والإبقاء على أواصرهن الاجتماعية في البلد الأم.
لكن الشكل الأبرز للنساء العربيات في المهجر، يتجلَّى في صورة المرأة المتزوجة والتي تختار أو تجبر غالباً، على قرار الهجرة لمرافقة زوجها إلى العالم الجديد المجهول. وفي هذا الشكل الأخير، تعيش المرأة صراعاً حقيقياً بين رغبتها في المحافظة على هويتها كزوجة أو أم أحياناً، بكل ما لهذه الهويات من معنى في العالم العربي، وبين الآفاق الجديدة التي تحملها لها كينونة المرأة في الغرب.
في معظم الأحيان، تنأى المرأة العربية في المهجر عن صهر هويتها هذه في الأبعاد المختلفة لهوية المرأة المهاجرة، خاصة إن كانت سيدة متزوجة ومن فئة عمرية كبيرة نسبياً، فما زال الرجل الزوج، هو ذاته، الرجل العربي الذكر، الذي يأبى أن يرضخ طوعاً، لسقف الحريات الجديد المتاح للمرأة والرجل على حد السواء في الدول الغربية، وإن تفاوت هذه الشيء وتأثيره على المرأة، بحسب تفاوت مقدار تحصيلها العلمي، ودرجة تمكينها واندماجها في المجتمع الجديد. يظهر هذا الأمر جلياً لدى الجاليات العربية في أوروبا، وتحديداً تلك القادمة من المغرب العربي أكثر من غيرها، إذ تعاني المرأة العربية المهاجرة في هذه الحالة، من أشد أشكال السلطة الأبوية والذكورية، ما يدفعها إلى التقوقع في مجالها الخاص داخل بيت الأسرة، والابتعاد عن المشاركة الفعالة في المجال العام.
تتضاعف المشاكل والتحديات التي تواجهها المرأة العربية في المهجر في كلتا الحالتين السابقتين، إن أرادت المحافظة على هويتها الدينية، وخاصة إن كانت هذه الهوية هي الهوية الإسلامية. فهي إن اختارت الحجاب، حكم عليها الاجتهاد أضعافاً للحصول على الفرص نفسها في العمل، إذ تجد نفسها مطالبة وبشكل دائم، بأن تثبت أنها "امرأة حرة" بالفعل، وأنها صاحبة رأي وغير خاضعة لسلطة رجل ما، باتخاذها قراراتها المختلفة بالحياة، بما فيها قرار ارتداء الحجاب!