اتخذت قطر خطوات متقدمة نحو ملاحقة دول الحصار، السعودية والإمارات والبحرين ومصر، التي اتبعت إجراءات "مشبوهة" في إطار حرب مالية تزامنت مع حصار جوي وبحري وبري من أجل ضرب الاقتصاد القطري واستثماراته وعملته الوطنية.
فسرعان ما تحولت الإجراءت القطرية لصد الضربات المباغتة التي وجهتها كل من الإمارات والسعودية والبحرين ومصر والتأكد من تلاشي آثارها، إلى مطاردة كيانات مالية تابعة لدول الحصار تورطت في معاملات مشبوهة وفق تأكيد الدوحة.
وفرضت الدول الأربع حصارا جويا وبحريا وبريا على قطر في الخامس من يونيو/حزيران 2017، بجانب خطوات غير معلنة من مؤسسات استثمارية ومالية في محاولة لخنق السوق القطرية والإضرار بالمنشآت الاقتصادية والمالية.
ويوم الأحد الماضي، تم الكشف عن فضيحة تورط فيها بنك أبوظبي الأول، الذي تملك الحكومة الإماراتية حصة أغلبية فيه، وتمت مطالبة الجهات الرقابية في الولايات المتحدة الأميركية من جانب مصرف قطر المركزي بالتحقيق فيها، فيما قال مصدر مطلع في قطر في تصريح خاص لـ"العربي الجديد"، إنه سيتم خلال الأيام المقبل الكشف عن الكثير من الحقائق.
وأرسل مكتب المحاماة الممثل لمصرف قطر المركزي خطاباً إلى وزارة الخزانة الأميركية، وفق رويترز يوم الأحد، يطلب فيه التحقيق مع الوحدة الأميركية لبنك أبوظبي الأول. وفي خطاب ثان طلب مكتب المحاماة، بول وويس وريفكند ووارتون وغاريسون، من لجنة تداول عقود السلع الآجلة التحقيق في تلاعب محتمل في عملة قطر الريال.
وجاء في الخطاب المرسل للخزانة الأميركية بتاريخ 26 فبراير/ شباط :"نعتقد أن بنك أبوظبي الوطني شارك في مخطط استثنائي وغير شرعي لشن حرب مالية على قطر بما في ذلك من خلال التلاعب في العملة القطرية وأسواق الأوراق المالية في قطر".
وتابع الخطاب "هذه التصرفات يجب أن تتوقف على الفور ونطلب أن تحققوا فيما إذا كان بنك أبوظبي الوطني دعم بشكل مباشر أو غير مباشر التلاعب في أسواق قطر بما في ذلك مقاصة الدولار ببنك أبوظبي الوطني أميركا والخدمات المصرفية المقابلة في الولايات المتحدة".
ونفى بنك أبوظبي الأول، الذي تأسس نتيجة اندماج بنك الخليج الأول وبنك أبوظبي الوطني، في بيان أمس الإثنين، أن يكون قد حاول التلاعب في الريال القطري.
لكن الخبير في السياسة النقدية وعلم الاقتصاد السياسي، خالد بن راشد الخاطر، قال في حديث لـ"العربي الجديد"، إن التحركات القطرية تأتي في إطار إجراءات قانونية بحق الضالعين في الإضرار بالاقتصاد، وهذا يعطي مؤشرات وبعض الدلالات على ما ذكرته في عدة مناسبات خلال الأشهر الماضية، من ضلوع حكومة أبوظبي في التآمر على زعزعة استقرار العملة القطرية، ومحاولة ضرب الاقتصاد القطري، لافتا إلى أن الأيام القادمة ستكشف عن المزيد من الحقائق في هذا السياق.
وتشمل استراتيجية تقويض الريال القطري التي أقدمت عليها الإمارات، تداول سندات الحكومة القطرية بأسعار منخفضة على نحو مصطنع للإيحاء بأن الاقتصاد في أزمة، لكن ذلك المخطط فشل.
وأشار الخاطر، إلى أن دول الحصار فشلت أيضا في زعزعة استقرار النظام المصرفي والضغط عليه من خلال خروج رؤوس الأموال والودائع، حيث كان لتدخل الحكومة السريع بضخ مليارات الدولارات من الودائع الفضل في تعزيز الثقة والمصداقية في الجهاز المصرفي والمالي.
ورداً على سؤال حول مدى استمرار عملية المضاربة والتلاعب بالريال، قال الخاطر: "لا أعتقد أن حكومة أبوظبي، سوف تألو جهدا أو توفر أية فرصة تسنح لها في ايذاء قطر، والإضرار باقتصادها إن استطاعت إلى ذلك سبيلا، لذلك يجب توخي الحيطة و الحذر دائما".
وأعلن مصرف قطر المركزي يوم 19 ديسمبر/كانون الأول الماضي أنه بدأ تحقيقاً قانونياً في محاولات للإضرار بالاقتصاد القطري عن طريق التلاعب في أسواق العملة والأوراق المالية والمشتقات.
والريال القطري مربوط بالدولار الأميركي عند 3.64 ريالات منذ أكثر من عشر سنوات، لكن في الأشهر الأولى للحصار جرى تداوله عند 3.895 ريالات في الأسواق الخارجية، قبل أن يعود للاستقرار عند سعره الرسمي.
وقال مكتب المحاماة المكلف من قبل مصرف قطر المركزي في خطابه للخزانة الأميركية إن بنك أبوظبي الوطني دفع الريال للهبوط خلال فترات ضعف السيولة مثل عطلة عيد الأضحى في العام الماضي "ليعزز الرواية المصطنعة بأن العملة تتعرض لتقلبات متزايدة وأن اقتصادها غير مستقر لدرجة لا تسمح بالاستثمار".
وقال الخطاب "أسعار بنك أبوظبي الوطني، والبنوك الأخرى المشاركة في التلاعب، كانت جميعها زائفة على الأرجح" دون أن يحدد البنوك الأخرى بالاسم. وتابع "ثمة أدلة على أنه في الوقت ذاته الذي عرض فيه بنك أبوظبي الوطني الأسعار مرارا عند مستوى أقل من السعر الرسمي البالع 3.64، فإن متعامليه لم يرغبوا في إبرام صفقات فعلية عند هذه الأسعار".
وضرب مثلا بما حدث في 22 نوفمبر/ تشرين الثاني 2017 حين طلب طرف من بنك أبوظيى الوطني تنفيذ صفقة إذ أبلغ ممثل البنك الطرف الراغب في الشراء أنه لا يملك ريالات لتنفيذها.
وقال محامي البنك المركزي القطري إن بنك أبوظبي الوطني توقف عن إعلان أسعار للريال في ديسمبر/ كانون الأول الماضي، بعد أن تعهدت قطر بإجراء تحقيق.
وفي 23 نوفمبر/ تشرين الثاني تعهد مصرف قطر المركزي بتلبية أي طلب في السوق على الدولار ومنذ ذلك الحين تعافى الريال في التعاملات الخارجية ليستقر قرب سعر الربط الرسمي.
ويقول مصرفيون في المنطقة إن قطر بما لديها من احتياطيات في البنك المركزي وأصول في صندوق الثروة السيادي تتجاوز 300 مليار دولار أكثر من قادرة على صد أي هجوم يستهدف عملتها.
وفيما يتعلق بالوضع القانوني، أكد نائب رئيس محكمة الاستئناف الأسبق في قطر، المحامي يوسف أحمد الزمان، أن التشريعات في جميع الدول والاتفاقيات الاقتصادية الدولية، تمنع قيام أية دولة بارتكاب أفعال غير مشروعة للإضرار بالعملة الوطنية لدولة أخرى، لما يترتب على ذلك من زعزعة الاستقرار، وحدوث فوضى اقتصادية تعود بالضرر ليس على الدولة المقصودة فحسب، وإنما على جميع اقتصاديات الدول، بالنظر إلى أن العلاقات الاقتصادية تعتبر في عصرنا مترابطة وفقا لاتفاقيات التجارة العالمية.
وقال الزمان في حديث لـ"العربي الجديد"، إن طلب قطر التحقيق في المعاملات المشبوهة للوحدة الأميركية لبنك أبو ظبي الأول، يأتي في الإطار القانوني المعترف به دولياً لجميع الدول من أجل المحافظة على أمنها الداخلي والخارجي، وفقا لممارسة القانون الدولي الذي يحمي العلاقات فيما بين الدول.
كان وزير المالية القطري، علي شريف العمادي، قال في مقابلة مع قناة الجزيرة مؤخراً: "كان هناك استهداف للعملة المحلية ولمشاريع كأس العالم 2022، وهذه المساعي لن تنجح".
وقال عبدالله بن سعود آل ثاني محافظ مصرف قطر المركزي مؤخرا: "عندما نجد محاولات للتلاعب بالريال القطري أو بالأسواق المالية في قطر، سنتخذ كل خطوة لتحديد ومساءلة أي شخص يشارك في هذا السلوك غير القانوني أو يحاول الانخراط فيه".
وأكد أن "المركزي سيعمل من أجل ضمان بقاء القطاع المالي والاقتصادي قوياً ومستقراً، بالرغم من الإجراءات غير القانونية التي تقوم بها دول الحصار، حتى يتم رفع الحصار غير القانوني".