بعد انقلاب الدول العميقة، بأشكالها المختلفة، وتآمر المؤسسات العميلة، ضد ثورات الربيع العربي، أُخرج الملايين من بيوتهم وأبنائهم، هرباً من بطش نظام، أو لإيجاد مساحة تسمح لهم ببعض الحريات المفقودة في أوطانهم، أو حتى بحثاً عن فرص أفضل مما أصبح متاحاً لهم، مع استمرار حالة "عدم الاستقرار" في العديد من البلدان العربية.
وجاءت التطورات التكنولوجية، وظهور الهواتف الذكية، وما عليها من تطبيقات مذهلة، تسمح بالتواصل عبر المحيطات، صوتاً وصورة، لتكون كنزاً، يسعى إليه كل من له قريب أو صديق أو حبيب، يرغب في التواصل معه، بعيداً عن تحمل تكاليف الاتصال الدولي، باستخدام خطوط التليفونات التقليدية.
وظهرت تطبيقات ماسنجر، عبر موقع التواصل الاجتماعي الشهير فيسبوك، وواتس آب، وفايبر، وسكايب، وإيمو، وسيغنال، وفيس تايم، وغيرها كثير، لتسهل على الملايين حول العالم التواصل مع ذويهم، رغم محاولات العديد من الدول للإعاقة.
وبعد كر وفر في المجال الافتراضي، ثبتت بعض دول الخليج، وعلى رأسها الإمارات والسعودية، مكانتها على رأس قائمة أنجح دول العالم في منع أغلب تطبيقات التواصل من العمل على أراضيها.
وقبل عدة أشهر، قدمت الإمارات العربية المتحدة للعالم تطبيق "توتوك"، المقتبس من تطبيق صيني اسمه "تيكتوك" للتواصل بالصوت والصورة، مع إدخال اللغة العربية والإنكليزية لاجتذاب المواطنين العرب.
وعلى الرغم من كون أغلبية مستخدمي التطبيق الإماراتي الجديد من أهل وسكان دولة الإمارات، تشير التقارير إلى أنه كان من أكثر التطبيقات التي تم تحميلها خلال الأسابيع الأخيرة في العديد من بلدان العالم، ومنها الولايات المتحدة.
ويوم الأحد الماضي، نشرت جريدة نيويورك تايمز تحقيقاً إخبارياً، أكدت فيه، نقلاً عن بعض المسؤولين الأميركيين أن "حكومة الإمارات تستخدم التطبيق لتتبع محادثات وتحركات وعلاقات ومواعيد وأصوات وصور من يقومون بتنزيله على أجهزتهم".
واعتبرت الجريدة التطبيق الجديد أحدث أسلحة التكنولوجيا التي لجأت إليها الدولة الخليجية الثرية، التي لا تدخر المال ولا الجهد، في سبيل التجسس على أعدائها وأعداء حلفائها من المعارضين والصحافيين.
وبعد أن كانت تدفع ملايين الدولارات لخبراء القرصنة على الهواتف وأجهزة الحاسب الآلي من الأميركيين والإسرائيليين للتجسس على مواطنيها، اختصرت الإمارات الطريق بتقديم تطبيق توتوك، الذي يمكنها من الوصول إلى كل ما ترغب فيه من معلومات تخص من يندفعون لتحميل التطبيق على أجهزتهم.
وقالت الجريدة إن التحريات، التي قام بها محرروها، تؤكد أن الشركة التي تقف وراء التطبيق، وهي شركة بريج القابضة، هي في الأغلب واجهة لشركة تابعة لشركة دارك ماتر، التي تتخذ من أبوظبي مقراً لها، وتعمل في مجال التجسس السيبراني والقرصنة، ويعمل بها العشرات من مسؤولي المخابرات الإماراتية، ومسؤولون سابقون بوكالة الأمن القومي الأميركية، وأيضاً موظفون سابقون في المخابرات العسكرية الإسرائيلية.
وكانت تقارير سابقة لوكالة رويترز قد أكدت مشاركة مسؤولين سابقين في البيت الأبيض الأميركي في إنشاء وحدة تجسس سرية ضخمة في الإمارات قبل عدة سنوات.
ويبدو أن محاولات الأسرة الحاكمة في الإمارات للترويج للبلاد على أنها واحة التسامح والتطور في المنطقة، لم تفلح في إخفاء الوجه القبيح لما تقوم به من عمليات تجسس على صحافيين، في دول مختلفة، لا الإمارات وحدها، بالإضافة إلى السطو على الحسابات البنكية للمعارضين لسياساتها، ونشطاء حقوق الإنسان.
وعلى نحو متصل، وفي شهر أكتوبر/تشرين الأول من العام الماضي، دخل الكاتب السعودي المعارض الشهيد جمال خاشقجي القنصلية السعودية في تركيا، لاستخراج بعض الأوراق الرسمية، ولم يخرج، لتعترف السعودية بعدها أنه قتل في ما أطلقت عليه اسم عملية مارقة، دون علم الملك وابنه!
بعد ذلك بشهرين، أقام المعارض السعودي عمر عبد العزيز، صديق خاشقجي، دعوى في إسرائيل، اتهم فيها مجموعة "أن أس أو"، المتخصصة في برامج وتطبيقات الحاسب الآلي، بمنح المملكة العربية السعودية ترخيص بيغاسوس، الذي يسمح بالتجسس على الهواتف الذكية، وهو ما استخدمته المملكة في التجسس عليه، وعلى صديقه خاشقجي، وصولاً إلى تنفيذ الجريمة البشعة!
اقــرأ أيضاً
التطورات الأخيرة في مجالي التكنولوجيا والأمن السيبراني تعكس حقيقة بشعة، ومفادها تحول الشركات العاملة في هذا المجال إلى مساعدة النظم السلطوية في التجسس على خصومها، بدلاً من الاكتفاء بدور الحماية من القرصنة.
ورغم عتمة البيئة التي تعمل بها تلك الشركات، تشير العديد من التقارير إلى انتعاش تلك السوق، إذ أعلنت مجموعة "أن أس أو" أن ايرادات مبيعاتها في 2018 بلغت 250 مليون دولار، قبل أن يتم بيع جزء منها لشركة استثمار خاص بريطانية، بسعرٍ يصل بقيمة الشركة حديثة النشأة برمتها إلى أكثر من مليار دولار!
من الناحية النظرية، تخضع صادرات برامج وتطبيقات التجسس والقرصنة لنفس التشريعات التي تحكم سوق تصدير السلاح، إلا أن الواقع العملي يؤكد أن أغلب تلك التشريعات تكون في كثير من الأحيان برداً وسلاماً على المتعاملين فيها، حتى أن ديفيد كاي، المقرر الخاص للأمم المتحدة لشؤون حرية التعبير اعتبرها "خرجت عن السيطرة" وأصبحت لا تخضع للمساءلة.
التطورات الأخيرة في التعامل مع برامج التجسس من جانب الدول العربية بدأت بعد ثورات الربيع العربي في 2011، عندما شرعت الإمارات في تنشيط عمليات التخابر الرقمي ضد المؤيدين للثورات، والمعارضين للحكم في النظم الخليجية الاستبدادية وحلفائهم.
ولم تكتف الإمارات بذلك، وإنما امتد نشاطها التجسسي، وفقاً لوكالة رويترز للأنباء، ليشمل مسؤولين حكوميين في قطر وإيران ودول أخرى، كما بعض مسؤولي المنظمات الدولية، مثل الأمم المتحدة والاتحاد الدولي لكرة القدم "فيفا".
وحتى يأتي الوقت الذي يتم فيه وضع قواعد عالمية ملزمة لاستخدام تلك التطبيقات، وعقوبات قاسية على الدول التي تسيء استخدامها، سيظل المسؤولون السابقون بوكالات الاستخبارات العالمية يراكمون ملايين الدولارات في حساباتهم، بينما يبقى مواطنو الدول ممن لا يسيرون في ركب زعماء بلادهم معرضين لمصير جمال خاشقجي أو ما شابه!
وجاءت التطورات التكنولوجية، وظهور الهواتف الذكية، وما عليها من تطبيقات مذهلة، تسمح بالتواصل عبر المحيطات، صوتاً وصورة، لتكون كنزاً، يسعى إليه كل من له قريب أو صديق أو حبيب، يرغب في التواصل معه، بعيداً عن تحمل تكاليف الاتصال الدولي، باستخدام خطوط التليفونات التقليدية.
وظهرت تطبيقات ماسنجر، عبر موقع التواصل الاجتماعي الشهير فيسبوك، وواتس آب، وفايبر، وسكايب، وإيمو، وسيغنال، وفيس تايم، وغيرها كثير، لتسهل على الملايين حول العالم التواصل مع ذويهم، رغم محاولات العديد من الدول للإعاقة.
وبعد كر وفر في المجال الافتراضي، ثبتت بعض دول الخليج، وعلى رأسها الإمارات والسعودية، مكانتها على رأس قائمة أنجح دول العالم في منع أغلب تطبيقات التواصل من العمل على أراضيها.
وقبل عدة أشهر، قدمت الإمارات العربية المتحدة للعالم تطبيق "توتوك"، المقتبس من تطبيق صيني اسمه "تيكتوك" للتواصل بالصوت والصورة، مع إدخال اللغة العربية والإنكليزية لاجتذاب المواطنين العرب.
وعلى الرغم من كون أغلبية مستخدمي التطبيق الإماراتي الجديد من أهل وسكان دولة الإمارات، تشير التقارير إلى أنه كان من أكثر التطبيقات التي تم تحميلها خلال الأسابيع الأخيرة في العديد من بلدان العالم، ومنها الولايات المتحدة.
ويوم الأحد الماضي، نشرت جريدة نيويورك تايمز تحقيقاً إخبارياً، أكدت فيه، نقلاً عن بعض المسؤولين الأميركيين أن "حكومة الإمارات تستخدم التطبيق لتتبع محادثات وتحركات وعلاقات ومواعيد وأصوات وصور من يقومون بتنزيله على أجهزتهم".
واعتبرت الجريدة التطبيق الجديد أحدث أسلحة التكنولوجيا التي لجأت إليها الدولة الخليجية الثرية، التي لا تدخر المال ولا الجهد، في سبيل التجسس على أعدائها وأعداء حلفائها من المعارضين والصحافيين.
وبعد أن كانت تدفع ملايين الدولارات لخبراء القرصنة على الهواتف وأجهزة الحاسب الآلي من الأميركيين والإسرائيليين للتجسس على مواطنيها، اختصرت الإمارات الطريق بتقديم تطبيق توتوك، الذي يمكنها من الوصول إلى كل ما ترغب فيه من معلومات تخص من يندفعون لتحميل التطبيق على أجهزتهم.
وقالت الجريدة إن التحريات، التي قام بها محرروها، تؤكد أن الشركة التي تقف وراء التطبيق، وهي شركة بريج القابضة، هي في الأغلب واجهة لشركة تابعة لشركة دارك ماتر، التي تتخذ من أبوظبي مقراً لها، وتعمل في مجال التجسس السيبراني والقرصنة، ويعمل بها العشرات من مسؤولي المخابرات الإماراتية، ومسؤولون سابقون بوكالة الأمن القومي الأميركية، وأيضاً موظفون سابقون في المخابرات العسكرية الإسرائيلية.
وكانت تقارير سابقة لوكالة رويترز قد أكدت مشاركة مسؤولين سابقين في البيت الأبيض الأميركي في إنشاء وحدة تجسس سرية ضخمة في الإمارات قبل عدة سنوات.
ويبدو أن محاولات الأسرة الحاكمة في الإمارات للترويج للبلاد على أنها واحة التسامح والتطور في المنطقة، لم تفلح في إخفاء الوجه القبيح لما تقوم به من عمليات تجسس على صحافيين، في دول مختلفة، لا الإمارات وحدها، بالإضافة إلى السطو على الحسابات البنكية للمعارضين لسياساتها، ونشطاء حقوق الإنسان.
وعلى نحو متصل، وفي شهر أكتوبر/تشرين الأول من العام الماضي، دخل الكاتب السعودي المعارض الشهيد جمال خاشقجي القنصلية السعودية في تركيا، لاستخراج بعض الأوراق الرسمية، ولم يخرج، لتعترف السعودية بعدها أنه قتل في ما أطلقت عليه اسم عملية مارقة، دون علم الملك وابنه!
بعد ذلك بشهرين، أقام المعارض السعودي عمر عبد العزيز، صديق خاشقجي، دعوى في إسرائيل، اتهم فيها مجموعة "أن أس أو"، المتخصصة في برامج وتطبيقات الحاسب الآلي، بمنح المملكة العربية السعودية ترخيص بيغاسوس، الذي يسمح بالتجسس على الهواتف الذكية، وهو ما استخدمته المملكة في التجسس عليه، وعلى صديقه خاشقجي، وصولاً إلى تنفيذ الجريمة البشعة!
ورغم عتمة البيئة التي تعمل بها تلك الشركات، تشير العديد من التقارير إلى انتعاش تلك السوق، إذ أعلنت مجموعة "أن أس أو" أن ايرادات مبيعاتها في 2018 بلغت 250 مليون دولار، قبل أن يتم بيع جزء منها لشركة استثمار خاص بريطانية، بسعرٍ يصل بقيمة الشركة حديثة النشأة برمتها إلى أكثر من مليار دولار!
من الناحية النظرية، تخضع صادرات برامج وتطبيقات التجسس والقرصنة لنفس التشريعات التي تحكم سوق تصدير السلاح، إلا أن الواقع العملي يؤكد أن أغلب تلك التشريعات تكون في كثير من الأحيان برداً وسلاماً على المتعاملين فيها، حتى أن ديفيد كاي، المقرر الخاص للأمم المتحدة لشؤون حرية التعبير اعتبرها "خرجت عن السيطرة" وأصبحت لا تخضع للمساءلة.
التطورات الأخيرة في التعامل مع برامج التجسس من جانب الدول العربية بدأت بعد ثورات الربيع العربي في 2011، عندما شرعت الإمارات في تنشيط عمليات التخابر الرقمي ضد المؤيدين للثورات، والمعارضين للحكم في النظم الخليجية الاستبدادية وحلفائهم.
ولم تكتف الإمارات بذلك، وإنما امتد نشاطها التجسسي، وفقاً لوكالة رويترز للأنباء، ليشمل مسؤولين حكوميين في قطر وإيران ودول أخرى، كما بعض مسؤولي المنظمات الدولية، مثل الأمم المتحدة والاتحاد الدولي لكرة القدم "فيفا".
وحتى يأتي الوقت الذي يتم فيه وضع قواعد عالمية ملزمة لاستخدام تلك التطبيقات، وعقوبات قاسية على الدول التي تسيء استخدامها، سيظل المسؤولون السابقون بوكالات الاستخبارات العالمية يراكمون ملايين الدولارات في حساباتهم، بينما يبقى مواطنو الدول ممن لا يسيرون في ركب زعماء بلادهم معرضين لمصير جمال خاشقجي أو ما شابه!