حالة من الترقب والقلق تسيطر على عدد من القطاعات المصرية خاصة السياحة والزراعة قبل أيام من ميعاد "السدة الشتوية"، أي حجب كميات كبيرة من المياه خلف السد العالي التي تقوم بها وزارة الري يوم 24 ديسمبر/كانون الأول من كل عام، بحجة القيام بأعمال الصيانة والتطوير في شبكات الري والصرف في النيل وفروعه، وذلك في قطاعات النيل المختلفة، غرب الدلتا - مصر الوسطى - شرق ووسط الدلتا - مصر العليا.
وهناك مطالب بوقف تلك السدة أو حصرها على أيام معدودة، خاصة في قطاع مصر العليا الذي يضم محافظات الصعيد بسبب أزمة السياحة، حيث تؤدي السدة الشتوية إلى "شطوح" للمراكب السياحية والمراكب العائمة في محافظتي الأقصر وأسوان بصعيد مصر كما يحدث كل عام، ويتسبب ذلك في خسائر مادية كبيرة لشركات السياحة، ويؤثر بالسلب على البرامج السياحية، فضلاً عن عطش الأراضي الزراعية، وقطع مياه الشرب على عدد من المحافظات.
وكشف مسؤول في وزارة الري بالقاهرة، أن خطة التطهير وإزالة الحشائش وورد النيل والأعشاب من نهر النيل والترع والمصارف ومخرات السيول بالمحافظات هي على الورق فقط، وأن عملية التطهير تكلف الملايين من الجنيهات سنوياً، معظمها تدخل في جيوب المسؤولين دون إجراء أي تطهير فعلي على أرض الواقع، مشيراً إلى أن الوزارة تعتمد على مقاولي القطاع الخاص في تنفيذ عمليات التطهير بنهر النيل وروافده بمساحات غير المتفق عليها بعدد من المحافظات، وبالتالي تحدث مخالفات مالية كبيرة جداً.
وأضاف المسؤول الذي رفض الكشف عن هويته، أنه مع السدة الشتوية التي تستمر من 15 إلى 20 يوما بكل قطاع من قطاعات النيل الخمسة، يحدث انخفاض كبير في منسوب المياه بمجرى نهر النيل وفروعه، ويؤدي هذا الانخفاض إلى حوادث ومشاكل خطيرة ومتعددة، منها نفوق الأسماك، وشحوط المراكب، وخسائر بقطاع السياحة، وتلوث للمياه، وتوقف محطات مياه الشرب عن العمل بعدد من المحافظات، مع انخفاض منسوب المياه بنهر النيل، وغيرها من الخسائر المادية والبشرية، التي لم يصدر بشأنها إحصاء واضح من جانب الحكومة، وهو ما يؤكد الحاجة الملحّة لمراجعة الطريقة التي يجرى بها التعامل مع السدة الشتوية، تجنباً لمزيد من الخسائر والارتباكات، مشيراً إلى أن اجتماعات من المقرر عقدها بين المسؤولين بوزارة الري خلال أيام استعداداً للسدة، واجتماعات مماثلة بين المسؤولين بوزارة الري والزراعة.
وكانت غرفة السياحة في الأقصر، بصعيد مصر، طالبت الجهات المسؤولة خلال اجتماع لها بوقف تلك السدة، التي تؤثر على قطاع السياحة بين محافظتي الأقصر وأسوان، نتيجة انخفاض منسوب المياه، وشحوط المراكب النيلية والمطاعم العائمة بعد "علقها في الطين" بسبب ظهور عدد من الجزر النيلية، ما يتسبب في توقف حركتها.
وكشف عضو في غرفة السياحة، طلب عدم ذكر اسمه، أن "السدة الشتوية" تسبب حالة من القلق بالتزامن مع الموسم السياحي ورأس السنة الميلادية، وتهدد مستقبل حركة السياحة النيلية جنوب البلاد، نتيجة توقف حركة الرحلات النيلية بعد ظهور الجزر الرملية وانخفاض منسوب مياه النيل، وهو الأمر الذي يسيء للسياحة المصرية، ولا بد من اتخاذ جميع الإجراءات التي تكفل عدم تكرار هذه المشكلة، مشيراً إلى أن هناك حالة من القلق تسيطر على قطاع السياحة بصعيد مصر نتيجة تلك السدة، رغم عدم وجود أي مظاهر للتطهير مثل وجود "الكراكات" التي تقوم بتنظيف النيل من الحشائش وورد النيل.
ولا تتوقف مشكلات السدة الشتوية عند شحوط المراكب وتوقفها عن الإبحار، بل تمتد إلى تلوث مياه النيل، ونفوق أعداد كبيرة من الأسماك، نتيجة الاختناق وارتفاع نسبة الأمونيا بمياه النيل، بسبب صرف مخلفات عدد من المصانع في النيل مثل مصانع شركات قصب السكر ومصانع الورق، وتتوقف سير المراكب لعدم قدرتها على التحرك بصورة طبيعية في هذا المنسوب المنخفض للمياه، ويضطر الصيادون إلى المكوث على ضفاف النيل تفاديًا للشحوط وندرة الأسماك في تلك الفترة من العام، خاصة وأن صيد الأسماك من فرع النيل يعد المصدر الرئيسي والوحيد للصيادين بصعيد مصر.
كما تسبب "السدة الشتوية" أزمة للمزارعين بكافة المحافظات المصرية، وتهديد المحاصيل الزراعية الشتوية بالتلف، نتيجة الانخفاض المفاجئ لمنسوب المياه بالترع والمجاري المائية المغذية للأراضي الزراعية، فضلاً عن توقف عدد من محطات مياه الشرب الموجودة على نهر النيل عن العمل لأيام كاملة لانخفاض منسوب المياه، مما يؤدي إلى قطاع مياه الشرب عن الأهالي، مما يدفع بالأهالي لشراء زجاجات المياه المعدنية المكلفة، والتي تشكل عبئاً على كاهل الأسرة.