رغم أن السوق الصينية وأسواق المال العالمية قد عادت أمس للاستقرار بعد عاصفة الخسائر التي شهدتها خلال الأيام الأولى من تداولات العام الجديد، وبلغت في أربعة أيام حوالى 2.6 ترليون دولار حسب معلومات حي المال البريطاني التي نشرتها أمس صحيفة الديلي تلغراف البريطانية، ولكن هذا الهدوء، قد لا يكون نهاية العاصفة، وذلك لسبب بسيط وهو أن أسباب أزمة سوق المال الصينية وتداعياتها في أسواق المال العالمية لا تزال قائمة.
كما أن هنالك شكوكاً حول ما إذا كانت الصين ستتمكن من التعامل مع مثل هذه الهزات عبر التدخل في السوق مثلما فعلت خلال الأيام المقبلة، لأنها ببساطة لا تملك الدولارات الكافية.
وشهدت الأسهم الصينية تقلبات شديدة صباح أمس الجمعة قبل أن تختتم الجلسة على صعود بنسبة 2.0% بعدما علقت الجهات التنظيمية "آلية وقف التداول" التي استخدمتها في سبتمبر/ أيلول الماضي وأثارت الرعب بين المستثمرين.
كما رفع البنك المركزي الصيني كذلك سعر صرف اليوان لطمأنة كبار الأثرياء في الصين أن موجوداتهم لن تتآكل بفعل هبوط سعر صرف اليوان. وهذه كلها إجراءات تحوطية ولكنها لا تمثل معالجات راسخة لأزمة الاقتصاد الصيني.
ويرى البعض أن الاحتياطات الأجنبية التي يملكها بنك الشعب الصيني "البنك المركزي"، والمقدرة بحوالى 3.3 ترليون دولار في نهاية العام الماضي، احتياطات ضخمة وكافية لحماية اليوان والتدخل في أسواق الصرف وسوق المال لتهدئة البورصة.
ولكن هنالك شكوك كبيرة حول كفاية هذه الاحتياطات لاقتصاد بحجم الاقتصاد الصيني البالغ 10 ترليونات دولار، والتزاماته المالية بالعملات الصعبة.
ويقدر خبراء أن احتياجات الصين من العملات الصعبة لتغطية الديون والتزاماتها التجارية وإدارة سعر صرف اليوان، بما يتوافق مع السعر المرجعي الذي حددته يوم الخميس، تصل إلى حوالى 2.8 ترليون دولار.
وبالتالي، فإن ما يتبقى من الاحتياطات ليس بالضخامة التي تمكن الصين من التدخل في السوق مثلما فعلت في العام الماضي، حينما اهتزت الأسواق خلال يوليو وأغسطس وحتى بداية سبتمبر. لقد خسر الاحتياطي الأجنبي 513 مليار دولار خلال العام الماضي، حيث هبط الاحتياطي إلى حوالى 3.3 مليار دولار. وربما يكون الاحتياطي الصيني قد خسر أكثر من 200 مليار دولار خلال هزات العام الجديد.
اقرأ أيضاً: ترليونا دولار خسارة الأسواق العالمية في 3 أيام
ويلاحظ أن "المركزي الصيني" لا يتدخل بشكل مباشر في سوق الصرف الأجنبي مثلما تفعل البنوك المركزية العالمية، أو مثلما كان يفعل في العام الماضي. في العام الجديد غيّر "المركزي الصيني" من استراتيجيته في التأثير على أسواق الصرف، حيث يتدخل عبر البنوك الحكومية التي يملكها عبر آلية الخيارات.
وتقدر مصادر أميركية أن حوالى 843 مليار دولار غادرت الصين بين فبراير/ شباط الماضي ونوفمبر/ تشرين الثاني من العام الماضي.
وبالتالي، وبعد خصم الالتزامات بالعملات الصعبة التي تحتاجها الصين ربما لا تتبقى للبنك المركزي سوى بضع مئات المليارات من الدولارات. وهذا ما حدا ببنك الصين المركزي التلميح يوم الخميس أنه قد لا يتدخل في المستقبل لحماية سعر صرف اليوان، مقابل الدولار.
ارتفع الدولار أكثر من 0.5% أمام اليورو والين يوم الجمعة مع اتخاذ الصين إجراءات للحد من الاضطرابات التي شهدتها السوق هذا الأسبوع بما ساهم في تهدئة مخاوف المستثمرين بشأن تحركات السوق في البلاد وتأثير الصين على الاستقرار المالي العالمي.
وما يهدد الأسواق العالمية أن ضعف النمو الصيني يهدد صادرات شركاتها التي أدمنت خلال الاعوام التي تلت أزمة المال العالمية في العام 2008، التصدير إلى السوق الصيني، كما أن العديد من الاقتصادات العالمية الكبرى تعيش مرحلة من الانكماش وتعتمد على استراتيجيات "التحفيز الكمي"، الذي يعتمد آلية "طباعة نقود بدون إنتاج" وضخها في الأسواق.
وهذا الضعف العالمي يتفاعل بعد تدهور قيمة صرف اليوان الصيني لتدفع العديد من الدول الآسيوية لخفض عملاتها على أمل تقوية تنافسية صادراتها أمام الصادرات الصينية المقومة باليوان الضعيف. وهو ما أثار خلال اليومين الأخيرين مخاوف تجدد حرب الأسعار في سوق الصرف الأجنبي.
ورغم أن اليوان استقر أمس، بعدما هبط نحو ثلاثة بالمائة في التعاملات الخارجية هذا الأسبوع، إلا أن تجار العملات في "بنوك أوفشور" سيختبرون خلال الأسبوع المقبل قدرة "البنك المركزي الصيني" لحماية سعره المرجعي خلال الأسبوع المقبل، وعما إذا كان سيواصل التدخل في السوق. وأشار المتعاملون في لندن أمس إلى تدخل صريح من بكين عن طريق البنوك الحكومية ومنع بنوك صينية من بيع الدولار بشكل مؤقت.
وفي أول مؤشر على احتمال دخول العالم في العام الجديد حرب عملات، ارتفع الدولاران الأسترالي والنيوزيلندي بقوة، إذ يعتبران أكثر العملات الرئيسية تأثراً بالآفاق الاقتصادية والمالية للصين بما ساهم في تعويض بعض الخسائر التي تكبداها هذا الأسبوع وتجاوزت نسبتها 3%.
اقرأ أيضاً: الأسهم الصينية ترعب الأسواق وتخسر 650 مليار دولار
وفي سوق الصرف في لندن، ارتفع الدولار الأميركي 0.6% أمام العملة اليابانية إلى 118.39 يناً مبتعداً عن أدنى مستوياته في أربعة أشهر ونصف الشهر البالغ 117.33 يناً الذي سجله في التعاملات الآسيوية مع تعافي أسهم آسيا بعد أسبوع عصيب. كما ارتفع الدولار 0.5% أمام العملة الأوروبية الموحدة ليصل إلى 1.0872 دولار لليورو.
وهبط اليوان هذا الأسبوع في الأسواق المحلية والخارجية بما دفع مستثمري العملة إلى التهافت على الملاذات الآمنة التقليدية مثل الين والفرنك السويسري وإلى حد ما اليورو. ورفع بنك الشعب الصيني (المركزي) سعر اليوان أمس الجمعة للمرة الأولى في تسعة أيام.
أسواق أوروبا
هنالك مخاوف من تداعيات أزمة النمو الصيني وانهيار أسواقها المالية على اقتصاد منطقة اليورو والاقتصاد البريطاني، حيث تعتمد الاسواق الأوروبية بشكل مباشر وغير مباشر على التصدير إلى السوق الصيني.
وارتفعت الأسهم الأوروبية في مستهل التعاملات أمس الجمعة بما قد يشير إلى تماسكها بعد موجة الهبوط التي شهدتها في وقت سابق هذا الأسبوع بدعم من ارتفاع الأسهم الصينية بعدما علقت بكين آلية جديدة لوقف التداول من أجل تهدئة مخاوف المستثمرين.
وبحلول الساعة 08.16 بتوقيت غرينتش، ارتفع مؤشر يوروفرست 300 لأسهم الشركات الأوروبية الكبرى 0.2% لكنه لا يزال متجهاً لتكبد أكبر خسائره الأسبوعية منذ أواخر أغسطس /آب. وزاد مؤشر يورو ستوكس 50 للأسهم القيادية في منطقة اليورو بنسبة 0.1%.
وكانت أسهم شركات التعدين من بين أكبر الرابحين في موجة التعافي بعدما سجلت هبوطاً كبيراً في الجلسة السابقة.
وتتأثر أسهم التعدين بصفة خاصة بحالة الاقتصاد الصيني لكون الصين أكبر مستهلك للمعادن في العالم. وفي أنحاء أوروبا ارتفع مؤشر فايننشال تايمز 100 البريطاني 0.25% عند الفتح بينما انخفض كاك 40 الفرنسي 0.04% وزاد داكس الألماني 0.44%.
اقرأ أيضاً:
رسمياً..اليوان الصيني عملة احتياط لصندوق النقد
أزمة الصين تحاصر المليارديرات