والملفت للنظر هنا أن القفزة المتواصلة في سعر الدولار أمام الجنيه المصري تحدث رغم توافر 6 عوامل من المفروض أن تساهم كلها في كبح هذا الارتفاع التاريخي والمجنون لسعر العملة الأميركية في سوق الصرافة المصرية، وهذه العوامل يمكن رصدها في النقاط الآتية:
- الحديث المستمر من قبل السلطات المصرية عن مواصلة احتياطي البلاد من النقد الأجنبي ارتفاعه رغم تراجع موارد البلاد من النقد الأجنبي، وقبل أيام أعلن البنك المركزي المصري عن ارتفاع الاحتياطي للشهر الثالث على التوالي ليبلغ مستوى 16.4 مليار دولار نهاية شهر يناير/كانون الثاني الماضي.
- استلام مصر قرضاً بقيمة مليار دولار من الصين لتعزيز الاحتياطي الأجنبي لدى البنك المركزي، وهو ما كشف عنه محافظ البنك المركزي المصري، طارق عامر قبل أيام.
- استلام مصر 900 مليون دولار أيضاً من البنك الدولي ضمن مجموعة قروض تعهد البنك بتقديمها للبلاد في نهاية شهر يناير/كانون الثاني بإجمالي 3 مليارات دولار ترتفع إلى 8 مليارات دولار خلال 5 سنوات.
- هناك حديث داخل دوائر صنع القرار السياسي في مصر عن استلام البلاد مليار دولار من السعودية، لكن الحكومة تتكتم على هذه المعلومات، وأنا شخصيا لست متأكدا من هذه المعلومة التي يتم تداولها على نطاق ضيق، وخاصة أن السلطتين المصرية والسعودية لم تعلنا عن الأموال الجديدة.
- قيام البنوك المصرية بإيداع 3.6 مليارات دولار من ودائع العملاء بالبنك المركزي، لمعالجة التراجع الحاد في أرصدة الاحتياطي الأجنبي حسبما قالت شركة بلتون القابضة للاستثمارات المالية، وبدون هذه الإيداعات ينخفض حجم الاحتياطي إلى 13.1 مليار دولار.
- تكثيف الحملات الرسمية المشددة ضد شركات صرافة ومضاربين أفراد تعتقد السلطات أنهم يقومون بعمليات مضاربة شديدة على الدولار، بهدف رفع سعره إلى مستويات مبالغ فيها.
القروض تتدفق على مصر، ومع ذلك قفز الدولار أمس إلى 9 جنيهات في السوق السوداء، واليوم نتحدث عن 9.10 جنيهات.
إذن ما المشكلة؟ ولماذا هذا الارتفاع المجنون والقياسي للدولار في سوق الصرافة المصري؟
المشكلة ببساطة أن هناك عجزاً حاداً في النقد الأجنبي داخل البلاد، وهذا العجز ناتج عن تراجع إيرادات مصر من أنشطة السياحة وقناة السويس والاستثمارات الأجنبية المباشرة والصادرات وتحويلات المغتربين الدولارية، كما تنجم المشكلة عن الفشل الذريع للحكومة في إدارة الملف الاقتصادي والمالي.
ومع وجود هذا العجز فإن سوق الصرافة المصرية باتت حساسة تتأثر بأية تصريحات أو مواقف سياسية أو اقتصادية، منها مثلاً تصريح رئيس الحكومة المصرية شريف إسماعيل أمس لعدد من رؤساء تحرير الصحف القومية والخاصة، والتي أعلن فيها "اتخاذ إجراءات مؤلمة وعاجلة لدفع عجلة الاقتصاد إلى الأمام".
لكن هل هناك دور للبنك المركزي في اشتعال الأزمة الحالية عبر عدم زيادة المعروض من الدولار في سوق الصرف، وهل هناك أدوات يمكن للبنك المركزي من خلالها احتواء هذه الأزمة العنيفة؟
بالطبع لا توجد علاقة للبنك المركزي في الأزمة الحالية لسوق الصرف، فالبنك المركزي ليس مسؤولاً عن تراجع حجم النقد الأجنبي في البلاد، وليس مسؤولاً عدم الانخفاض الحاد في إيرادات مصر الأجنبية، بل هو متلقٍ للأموال الدولارية من الأنشطة الاقتصادية المختلفة سواء سياحة أو صادرات وغيرها، وحسب الأموال المتدفقة عليه يصنع سياساته النقدية ويتدخل في سوق الصرف.
البنك المركزي ينطبق عليه المثل المصري العامي الشهير الذي يقول "اطبخ يا جارية، كلف يا سيدي"، والسيد هنا هي الحكومة التي تواجه عجزاً حاداً في إيرادات النقد الأجنبي بسبب سياستها الخاطئة على كل المستويات الأمنية والسياسية والاقتصادية.
اقرأ أيضاً: الدولار يقفز إلى 9.10 جنيهات بالسوق السوداء في مصر