يقترب قطاع التأمين في اليمن من حالة الإفلاس، بسبب زيادة المخاطر التي تواجهه والناجمة عن ظروف الحرب القائمة واستمرارها لفترة أطول. وحسب عاملين في قطاع التأمين، فقد تأثر القطاع بالاضطرابات والحروب الداخلية والخارجية في البلاد، حيث باتت المراكز المالية لشركات التأمين وإعادة التأمين مهدّدة، بخاصة تلك التي لا تتمتّع بملاءة مالية مناسبة واحتياط فني ملائم واتفاقات إعادة تأمين مع شركات ذات تصنيفات متقدمة تساعد على تحمّل نصيب وافر من التعويضات.
وقال مدير التأمين البحري في شركة كاك اليمنية للتأمين، علي الشميري، لـ"العربي الجديد":
"تعد اليمن من الدول غير المستقرة أمنياً (لدى معيدي التأمين)، ما يؤثر سلباً على صناعة التأمين، وذلك بزيادة كلفة شراء التغطيات التأمينية من معيدي التأمين، لا سيما تغطية الأخطار الكبيرة والتي تمثل المنشآت الحيوية في اليمن، والتي لا تقوى شركات التأمين المحلية على أكلاف التغطيات التأمينية لها ضمن إمكانياتها وطاقتها الاستيعابية المتواضعة".
ويتابع الشميري: "بل وصل إلى حد امتناع معيدي التأمين من الدرجة الأولى عالمياً من التعامل مع السوق اليمني نظراً للحرب التي تشهدها البلاد والأوضاع الأمنية والسياسية غير المستقرة من ناحية، وعدم قدرة شركات التأمين على تقديم خدمات تأمينية ذات مستوى رفيع وبأسعار فنية بسبب التنافس الشرس من قبل العاملين على التأمين، ما يضطر الشركات المحلية للجوء إلى معيدي تأمين غير مصنفين عالمياً لإسناد مثل هذه الأخطار".
واعتبر مدير التأمين البحري في شركة كاك اليمنية للتأمين أن صناعة التأمين تعتبر جزءاً لا يتجزأ من الحياة الاقتصادية التي تتأثر بجميع المتغيّرات السياسية سلباً أو إيجاباً.
ورغم اعتراف رئيس الاتحاد اليمني للتأمين، طارق عبد الواسع، بوقوع خسائر في سوق التأمين اليمنية نتيجة الاضطرابات السياسية والأمنية، لكنه قال لـ"العربي الجديد"، إنها "ليست كبيرة نظراً إلى أن عدد المؤمّنين ضد الخطر السياسي محدود".
وأشار إلى أن حالات إطلاق القذائف والرصاص وتضرّر المنازل في صنعاء وبعض المدن، أخطار سياسية مستثناة في الوثائق العادية، حيث لا تقوم شركات التأمين اليمنية بتقديم الحماية التأمينية للممتلكات ضد أحداث الشغب والاضطرابات السياسية والعصيان المدني والحرب الأهلية، وما ينتج عنها من حرائق وسرقة وسطو على تلك الممتلكات.
والاستثناء الوحيد هو التأمين البحري الذي تقوم الشركات اليمنية بالتأمين عليه في أوقات الحرب والاضطرابات.
اقرأ أيضاً: الحوثيون يهددون 30% من تجارة النفط العالمية
وأكدت مصادر في الشركة الوطنية للإسمنت، لـ"العربي الجديد"، أن مصنع إسمنت الوطنية التابع لمجموعة هائل سعيد أنعم والذي تعرض للتدمير أثناء الحرب، كان يخضع للتأمين ضد المخاطر السياسية، وبالمثل مصنع صوامع الغلال في مدينة عدن والذي تعرض للتدمير بشكل
كامل خلال المواجهات بين الحوثيين والمقاومة الشعبية بالمدينة، لكن مصادر في قطاع التأمين اليمن، توضح أن عشرات المحلات التجارية والمجمعات الاستهلاكية داخل مدينة عدن لم تكن تخضع للتأمين ضد المخاطر السياسية والحروب.
ويؤكد خبراء التأمين أن الحرب ساهمت في رفع أقساط التأمين. ويقول خبير التأمين اليمني، بلال أحمد، إن علاقة شركات التأمين بمعيدي التأمين ستتأثر بسبب الحرب من عدة نواحٍ، فعلى المدى القصير تم تعديل أسعار أخطار الحرب على شحنات البضائع لارتفاع المخاطر، ودون شك سيراجع المخمنون أسعار تغطياتهم للأخطار السياسية والحرب والإرهاب بالنسبة لتأمين الممتلكات للوثائق السارية، كما سيتشددون في منح التغطية وأسعارها وشروطها وحدودها لمن يرغب بإضافة هذه التغطيات لتأمين ممتلكاتهم أو عند تجديد التغطية للوثائق المنتهية لفترة تأمينية جديدة .
ويقول أحمد، لـ"العربي الجديد": أما على المدى الأطول، فالحرب الحالية ستتسبب بخسائر كبيرة نتيجة المطالبات بالتعويضات، إضافة الى انخفاض الأقساط لانخفاض نشاطات عدة قطاعات لأسباب الحرب والتقشف، وهذا كله سيؤثر على نتاج المحافظ التأمينية واتفاقيات إعادة التأمين المبرمة بين الشركات ومعيدي التأمين.
أضف إلى ذلك، كما يقول خبير التأمين اليمني، "ارتفاع حدة المخاطر المعنوية والمادية على اليمن، ما يجعل توقعات السوق التأميني للفترة المقبلة خطرة وغير مجدية بالنسبة للمعيدين، وهو ما يعني مفاوضات صعبة وشاقة تنتظر شركات التأمين عند تجديد اتفاقياتها لإعادة التأمين، حيث على الأرجح ستنخفض الطاقات الاستيعابية للأخطار لهذه الاتفاقيات مع تشدد في كثير من الشروط والاشتراطات".
أول شركة تأمين
تأسست أول شركة تأمين في اليمن العام 1968، لكن بعد أكثر من 40 عاماً لا تزال سوق التأمين صغيرة وهشة وغير مؤثرة.
ويقول رجال أعمال التأمين إن الوعي التأميني في اليمن ما زال محدوداً، إذ يبلغ عدد شركات التأمين 15 شركة، ولا يتجاوز إجمالي الأقساط السنوية 95 مليون دولار من ضمنها أعمال تغطية خارجية صورية، لكن الأقساط الفعلية لا تتجاوز 75 مليون دولار، ويؤكدون أن مشكلات عديدة تواجه هذا القطاع وتعيق نموه وتطوره، منها: غياب الوعي بأهمية التأمين لدى
الأفراد والشركات على حد سواء، وغياب الدعم والاهتمام من جانب الحكومة، بالإضافة إلى معوقات تشريعية تتعلق بعدم وجود قوانين تنظم سوق التأمين، فضلاً عن معوقات شرعية وفقهية.
وبحسب إحصائيات الاتحاد اليمني للتأمين، نلاحظ أن القطاع التقليدي "غير الصحي" نموه بطيء وشهد انخفاضاً في 2013 بمقدار 4%، وحجم الأقساط يراوح مكانه بين 70 إلى 85 مليون دولار خلال آخر 6 سنوات، على الرغم من زيادة عدد عملاء القطاع، ما يعني ارتفاعاً في المسؤوليات بمقابل قسط حافظ على ثباته، وهو ما يؤشر إلى منافسة حادة محفوفة بمخاطر متزايدة، وبجوهرها تدهور شديد في الأسعار، وهو ما يفسر معدل الخسائر المرتفع جداً خلال الثلاث سنوات الأخيرة.
ووفقاً لإحصائيات الاتحاد، فإن تأمين الحوادث العامة يستحوذ على الحصة الأعلى خلال السنوات الأخيرة بين الفروع التقليدية بنسبة ثابتة عند 24% في كل سنة بين 2011 ـ 2013، يليه تأمين السيارات بنسب (21% ثم 18% ثم 17%)، ثم البحري والحريق بنسب تقترب من الثبات عند 14% في السنة الواحدة لكل منهما، ثم تأمين الحياة بنسبة ثابتة عند 8% في كل سنة.
اقرأ أيضاً: مخاوف من تحوّل اليمن إلى وجهة للقراصنة
اقرأ أيضاً: الحوثيون يضغطون لطبع عملات دون غطاء نقدي