تواجه آلاف شركات المقاولات في الجزائر شبح الإفلاس، في ظل أزمة مالية تعتصرها بسبب دخول الأزمة السياسية في البلاد شهرها السادس، وقيام الحكومة المؤقتة بتقليص الإنفاق العام، ما أدى إلى توقف الكثير من المشروعات وألقى بظلال سلبية على قطاع البناء والأشغال العامة.
وزادت الأزمة السياسية الحالية من الضغوط على شركات المقاولات، لا سيما الصغيرة والمتوسطة، والتي بدأت قبل نحو ثلاث سنوات مع تضرر العائدات الحكومية من تراجع إيرادات النفط مع تهاوي الأسعار بنهاية عام 2014.
وقال مبارك جمال الدين لزهر، الناطق باسم الجمعية العامة للمقاولين الجزائريين، في تصريح لـ"العربي الجديد"، إن "1360 شركة في مجال البناء والأشغال العامة توقفت بالفعل عن النشاط منذ بداية العام الجاري، 2019، وباتت 3 آلاف شركة أخرى مهددة بالإفلاس بسبب التأخر في دفع مستحقاتها"، مضيفا: "تلقينا تقارير تفيد بضياع 125 ألف وظيفة في هذا القطاع خلال السنوات الأربع الأخيرة".
وتعتبر الأشغال العامة والبناء من القطاعات التي تستحوذ على حصة كبيرة من المخصصات المالية التي تنفقها الحكومة على مشروعات البنية التحتية، والتي تظهر البيانات الرسمية بلوغها نحو 800 مليار دولار منذ عام 2000.
ووفق الناطق باسم الجمعية العامة للمقاولين، فإن نحو 26 ألف شركة مسجلة في مجال البناء والأشغال العامة.
وما أن هوت عائدات النفط، حتى هوى معها قطاع كان يشكل 17.4 في المائة من الناتج الداخلي الخام في 2014، إلى 0.9 في المائة العام الماضي، 2018، وذلك بعد لجوء الحكومات المتعاقبة منذ 2015 إلى تجميد مئات المشاريع، منها بناء 48 قطباً دينياً (مساجد كبرى)، وتعليق ورشة توسعة خطوط مترو الجزائر العاصمة.
وكان احتياطي النقد الأجنبي قد تراجع إلى 72.6 مليار دولار بنهاية إبريل/ نيسان الماضي، مقابل 79.88 مليار دولار نهاية 2018، وفق أرقام وزارة المالية، بينما تتوقع الحكومة أن يواصل الاحتياطي تراجعه ليصل إلى 62 مليار دولار بنهاية هذا العام، ثم إلى 47.8 مليار دولار في 2020 ونحو 33.8 مليار دولار عام 2021..
وبدأ احتياطي النقد الأجنبي في التآكل منذ منتصف 2014، متأثراً بانخفاض أسعار النفط في السوق الدولية، إذ تخطى نهاية 2013 نحو 194 مليار دولار، وفق بيانات وزارة المالية.
وتلخّص الأرقام التي توقّعتها الحكومة الجزائرية، المتعلقة باحتياطي النقد الأجنبي، استمرار الوضعية الحرجة لاقتصاد الدولة العضو في منظمة الدول المصدرة للنفط (أوبك)، خلال السنتين المقبلتين.
وقال حسن بلهومة، المدير التنفيذي لإحدى شركات البناء والأشغال العامة، إن لجوء الحكومة إلى التقشف منذ بدء عائدات النفط في الهبوط وكذلك دخول البلاد في مرحلة ضبابية سياسيا منذ بداية العام الجاري، أدى إلى ركود أنشطة المقاولات.
وأضاف حسن لـ"العربي الجديد": "انعدام المشاريع بات يهدد مستقبل شركتي، فحتى المشاريع القليلة التي أنجزتها العام الماضي لم أتلق بعد مستحقاتها".
وتابع أن "تخوف المسؤولين من تحمل مسؤولية منح الصفقات والمشاريع زاد من أزمة القطاع، فالكل بات يعطل منح المشاريع أو التوقيع على الفواتير خوفا من الملاحقات الإدارية والقضائية".
وتواجه حكومة نور الدين بدوي صعوبة في إعداد موازنة العام المقبل، 2020، إذ تجد نفسها أمام تحدي الحسابات السياسية، التي تلقي بظلالها على إعداد قانون المالية.
وأكبر عقبة تواجه الحكومة المؤقتة في إعداد الموازنة الجديدة، هي نقص الموارد المالية، وفق خبراء اقتصاد، لا سيما أن هامش التحرك يكاد يكون منعدماً في ظل انحسار عائدات النفط وتآكل احتياطي النقد الأجنبي.
وفي ظل انكماش الاقتصاد، زادت معدلات البطالة إلى ما فوق عتبة 12.5 في المائة في يوليو/ تموز الماضي، مقابل 9.5 في المائة في إبريل/ نيسان، ما يمثل 3 في المائة ارتفاعا للبطالة في 3 أشهر، وفق الأرقام التي نشرها الديوان الجزائري للإحصائيات في وقت سابق من أغسطس/ آب الجاري.
وبلغ عدد الجزائريين العاملين 10 ملايين شخص، منهم أكثر من 8 ملايين رجل، ما يعادل 81.1 في المائة، وأكثر من مليوني امرأة، بنسبة 18.9 في المائة.
وتتصدر التجارة والخدمات قائمة القطاعات الأكثر تشغيلا في الجزائر، إذ يستحوذ على 61.7 في المائة من إجمالي فرص العمل، يليه قطاع البناء والأشغال العمومية 16.6 في المائة، ثم الصناعة 13 في المائة، والفلاحة بنسبة 8.7 في المائة.
وقال نائب رئيس الكونفدرالية الجزائرية لأرباب العمل، نذير بوعباس، إن "استمرار الوضع الحالي ينذر بمأزق اقتصادي ما يهدد المزيد من الشركات"، مضيفا أن "80 في المائة من شركات البناء على شفا إعلان الإفلاس بسبب الصعوبات التي تعاني منها، الأمر الذي ينذر بتفاقم البطالة".
وتابع بوعباس أن "العديد من الشركات الأجنبية للبناء خاصة الصينية والتركية والإيطالية، فضلت مغادرة الجزائر في ظل الغموض الكبير الذي يحيط بمناخ الاستثمار في السوق الجزائرية، الأمر الذي يؤثر على سمعة الدولة".