منذ تهاوي أسعار النفط في شهر مارس/آذار الماضي، ثم الإعلان عن تفشي وباء كورونا، ومعظم الأخبار الاقتصادية التي تخرج من الكويت سلبية، بل بالغة القتامة، شديدة التشاؤم، وكأننا أمام دولة فقيرة، شحيحة الموارد المالية والسيولة الدولارية رغم أن الكويت دولة نفطية مهمة في منطقة الخليج، وعضو بارز في منظمة أوبك، ولديها صندوق سيادي تتجاوز الأموال المملوكة له 560 مليار دولار حسب أحدث الأرقام.
بل إن تقارير حديثة صادرة عن مؤسسات بحثية بدأت تتحدث عن أن الحكومة تواجه خطر التعثر عن تسديد رواتب الموظفين العاملين في الجهاز الإداري بالدولة خلال الأشهر المقبلة مع قلة السيولة، وتفاقم عجز الميزانية الذي يتوقع أن يصل إلى 62 مليار دولار في حال استمرار تدهور مؤشرات الاقتصاد، وتراجع الإيرادات النفطية التي تساهم في أكثر من 90% من إجمالي الناتج المحلي للبلاد، ومن بين هذه التقارير تقرير صدر مؤخرا عن مركز الشال للاستشارات الاقتصادية في الكويت.
ونظرة للعناوين التي تخرج من الكويت تصل إلى هذه النتيجة المؤلمة، فالكويت تتقشف وتشد الحزام، والحكومة تطبق خطة التقشف الإجباري في جميع وزارات وهيئات الدولة، وأمير الكويت، يدعو الحكومة والبرلمان إلى تطوير برنامج يرشّد الإنفاق الحكومي، ويضع خططاً لتقليل الاعتماد على النفط.
والحكومة تصدر قراراً يقضي بخفض موازنة العام المالي الحالي 2020-2021، الذي بدأ في شهر إبريل/نيسان الماضي، بنسبة 20% بهدف مواجهة الآثار الاقتصادية السلبية لفيروس كورونا، والحكومة تتجه كذلك لإلغاء الامتيازات وتقليص البدلات، وإنفاق الكويتيين يهبط 5 مليارات دولار في الربع الأول، وإنهاء خدمات الوافدين بكل مؤسسات الدولة العامة والخاصة.
وبما أن العمالة هي الطرف الأضعف في المعادلة، من وجهة نظر الحكومة، باعتبار أن الأجور تمثل التكلفة الكبرى من النفقات العامة، فهناك موجة تسريح غير مسبوقة تشهدها القطاعات المختلفة ومنها الطيران، حيث قررت شركات الطيران تخفيض عمالتها بنسب مختلفة تصل إلى 60%.
وتحت لافتة جائحة فيروس كورونا سرحت نحو 500 شركة كويتية موظفيها أو قلصت رواتبهم، بهدف الحد من الخسائر الباهظة التي تكبّدتها، خلال الفترة الأخيرة.
كما قررت الكويت إيقاف تعيين العمالة الوافدة في قطاع النفط ومؤسسة البترول وشركاتها نهائياً، مع تقنين عددهم في العقود الخاصة وعقود المقاولات.
وكان ملف العمالة الوافدة صاحب النصيب الأكبر من الأخبار السلبية، فهناك موجة تسريحات للوافدين، وانهاء خدماتهم بكل مؤسسات الدولة، العامة والخاصة، وبشكل عشوائي وهو ما يضر بالدولة مستقبلا.
وهناك مشروع قانون مقدّم إلى مجلس الأمة (البرلمان) يقترح ترحيل ما يقرب من 2.8 مليون عامل وافد من مختلف الجنسيات، وخطة حكومية للاستغناء عن 85% من العمالة العربية والأجنبية، ومجلس الوزراء يشكل لجنة من أجل تسريح أكبر عدد ممكن خصوصا من الجاليتين المصرية والهندية.
لم تكتف الحكومة بذلك، بل تحركت لتعقيد الحياة على الوافدين وزيادة تكلفة المعيشة عليهم عبر مضاعفة الرسوم على الخدمات المقدمة لهم وزيادة الرسوم 150%، كما تبحث الحكومة إقرار قانون يسمح لأصحاب الأعمال والشركات بتخفيض رواتب العاملين في القطاع الخاص بنسبة تصل إلى 50%، في الوقت الذي تتزايد مخاوف العمالة الوافدة مع قرارات الترحيل وتصاعد المطالبات الخاصة بمعالجة ملف التركيبة السكانية.
الوضع في الكويت بات معقداً جداً، وخيارات الحكومة باتت محدودة للتعامل مع الأزمة المالية مع فقدان أصول صندوق الاحتياطي العام أكثر من 50% من قيمته منذ شهر مارس الماضي ليتراجع إلى نحو 17 مليار دولار، ورفض نواب البرلمان السحب من الاحتياطي أو تسييل الأصول. يزداد التعقيد مع حالة الربكة داخل الأجهزة الرسمية وتضارب القرارات الحكومية وعشوائية اتخاذ القرار.
السؤال هنا: هل أزمة الكويت المالية حقيقية وتستدعي كل هذا الحذر والذعر والقرارات المتسرعة التي قد تضر بالاقتصاد والبلاد مستقبلا خاصة تلك المتعلقة بتسريح العمالة الوافدة بشكل عشوائي، أم أنها نوع من التحوط لحين تحسن سعر النفط؟