يواجه المغرب تحدّي اعتماد نموذج اقتصادي جديد، من أجل مواجهة اتساع الفوارق الاجتماعية في الأعوام الأخيرة، في ظل ضعف معدل النمو الاقتصادي وعدم استفادة الجميع من ثمار التنمية، وهو ما تعترف به جميع المؤسسات المحلية الرسمية والدولية.
وتلاحظ مديرية الدراسات والتوقعات التابعة لوزارة الاقتصاد والمالية في تقرير لها، أن هناك ثلاثة مجالات تساهم في تغذية الفوارق الاجتماعية بالمغرب، هي التعليم والصحة والتشغيل، فالقصور المسجل في هذه المجالات ينعكس على استعدادات الأشخاص وقدرتهم على النجاح في الحراك الاجتماعي.
وكان العاهل المغربي، محمد السادس، دعا في خطاب بمناسبة افتتاح البرلمان قبل عامين، إلى بلورة نموذج تنموي جديد، بعدما لاحظ أن النموذج الحالي أصبح "غير قادر على الاستجابة للمطالب الملحّة، والحاجيات المتزايدة للمواطنين، وغير قادر على الحد من الفوارق بين الفئات ومن التفاوتات المجالية، وعلى تحقيق العدالة الاجتماعية".
وأشار الملك إلى أن النموذج التنموي، أظهر، خلال السنوات الأخيرة، "عدم قدرته على تلبية الحاجيات المتزايدة لفئة من المواطنين، وعلى الحد من الفوارق الاجتماعية، ومن التفاوتات المجالية"، وهو ما يدفع لـ"الدعوة إلى مراجعته وتحيينه".
ولم تكف المؤسسات الاقتصادية المحلية والدولية، عن التنبيه إلى اتساع الفوارق الاجتماعية في المغرب، وتأتي في مقدمتها المندوبية السامية للتخطيط، التي تؤكد أن النمو الاقتصادي الذي يرتهن للتساقطات المطرية، لا يتيح توفير فرص عمل كافية وتقليص الفوارق الاجتماعية.
وعلى غير عادته، أكد صندوق النقد الدولي في آخر تقرير له حول المغرب، "التوجه نحو نموذج تنموي أكثر استيعابا للمواطنين يكون مبنياً على القطاع الخاص، مع العمل على تقليص الفوارق الاجتماعية وحماية الفئات الأكثر هشاشة".
واستغرب الخبير في المالية العمومية، محمد الرهج، في حديث مع "العربي الجديد"، إلحاح صندوق النقد على تقليص الفوارق، إذ أن تلك التوصية لا تستقيم في ظل تشديده، في نصائحه للمملكة، على تقليص العجز إلى 3 في المائة من الناتج الداخلي الخام، وتأكيده على تقليص كتلة الأجور في الوظيفة العمومية وخفض الإنفاق على الدعم.
في المقابل، ذهب الاقتصادي المغربي عمر الكتاني، إلى اعتبار أن صندوق النقد الدولي، عندما ينضم للمؤسسات الداعية إلى تقليص الفوارق الاجتماعية، فلأنه يتوفر على المعطيات التي تؤشر إلى حقيقة الوضع الاجتماعي.
واعتبر في تصريح لـ"العربي الجديد" أن هذا الواقع يفترض أن يدفع للتفكير في اقتصاد بديل يستحضر الفئات المحتاجة والمقاولات الصغرى والاستثمار في العالم القروي، مشيرا في الوقت نفسه إلى ضرورة تطوير النظام التعليمي.
وقد لاحظ المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي، في تقرير له، أن الفقر وبطالة الشباب والفوارق، أضحى قبولها صعبا في المغرب، وهو ما تؤشر عليه الاحتجاجات الاجتماعية في الأعوام الأخيرة، ولفت إلى أن الفوارق الاقتصادية أصبحت مقلقة مقارنة ببلدان مماثلة.
وأكد المجلس أن المواطنين أضحوا أكثر حرصا على حقوقهم، بالتالي هناك ضرورة في دعم العدالة الاجتماعية والمحاسبة والحكومة ومحاربة الفساد، مع العمل على تصحيح الفوارق الاقتصادية والاجتماعية والمجالية. ولا يخفي خفض معدل البطالة إلى 10 في المائة، تفاصيل تشير إلى بلوغه 14.5 في المائة في المدن، و24.1 في المائة بين الشباب المتراوحة أعمارهم بين 15 و24 عاما، و17.1 في المائة بين حاملي الشهادات.
وكانت منظمة أوكسفام أكدت، في تقرير لها العام الماضي، أن 10 في المائة من الأشخاص الأكثر ثراء في المغرب، لديهم مستوى معيشة يتجاوز بنحو 12 مرة مستوى معيشة 10 في المائة من الفقراء، وهو فارق لم يتراجع منذ التسعينيات.
وأشارت إلى أن المغرب يشهد أعلى مستوى للفوارق في شمال أفريقيا، رغم تراجعها قليلاً منذ عقد من الزمن، لافتة إلى أن ضعف النظامين الصحي والتعليمي يفسر التراجع الذي سجله المغرب في مؤشر التنمية البشرية، بعدما حصل على الترتيب 123 ضمن التصنيف الذي يضم 188 بلداً.
واعتبرت المنظمة، أن الأثرياء هم الذين استفادوا من ارتفاع الثروات، في الوقت الذي يعاني عدد كبير من المواطنين من الهشاشة بسبب ضعف الخدمات.