باتت المخاطر تحدق بشكل أكبر بالاقتصاد السعودي، في ظل تصويب الاتهامات مباشرة من وكالة المخابرات المركزية الأميركية إلى ولي العهد محمد بن سلمان، بالوقوف وراء قتل الصحافي السعودي جمال خاشقجي في قنصلية بلاده بإسطنبول في الثاني من أكتوبر/ تشرين الأول الماضي.
وعلى مدار الأسابيع الماضية، بدا الارتباك أكثر سيطرة على الأسواق السعودية، وتجمدت الكثير من المشروعات، واكتنف الغموض مصير استثمارات بعشرات مليارات الدولارات مع شركات عالمية، بينما يتوقع محللون أن تزيد عزلة السعودية إذا ما تطورت الاتهامات الأميركية، إلى عقوبات ربما تطاول ولي العهد وأفراداً من الأسرة الحاكمة في السعودية، وهو ما يزيد من استنزاف ثروات المملكة.
واستنتج مسؤولو المخابرات الأميركية "سي أي إيه"، أن بن سلمان أمر بقتل خاشقجي، حسبما أعلن مسؤول أميركي يوم الجمعة، وسوف تعزز هذه النتيجة الجهود في الكونغرس لمعاقبة السعودية، بينما كانت إدارة الرئيس دونالد ترامب قد فرضت الأسبوع الماضي عقوبات على 17 مسؤولاً سعودياً لدورهم في القتل، فيما دعا المشرعون الأميركيون إدارة ترامب إلى اتخاذ إجراءات عقابية أشد قسوة.
وتوقع مسؤول كبير في أحد بنوك الاستثمار الخليجية، أن "تتعرض الأسهم السعودية لضربة قوية مع بدء تداولات اليوم الأحد، ما لم تحدث تدخلات مبكرة من المؤسسات السعودية لدعم السوق، الاتهام هذه المرة يطاول رأس النظام السعودي، إنه ولي العهد، الذي طالما كان ينظر إليه على أنه يحمل رؤية لتطوير الاقتصاد السعودي".
وكان المؤشر العام لسوق الأسهم، قد أغلق يوم الخميس الماضي، على تراجع بنسبة 1.05%، وانخفضت القيمة السوقية للأسهم بنحو 18.44 مليار ريال (4.9 مليارات دولار)، لتصل إلى 1.817 تريليون ريال (484.5 مليار دولار).
وقال المسؤول في بنك الاستثمار في حديث لـ"العربي الجديد"، إن "الأسهم السعودية ظلت على مدار أكثر من شهر مرتبكة وهناك تذبذب حاد في التعاملات. ورغم استقرار المؤشر في بعض الجلسات وتسجيله صعوداً مدفوعاً بمشتريات محلية، إلا أن الجميع يترقب هزة عنيفة بسبب قضية خاشقجي، التي يبدو أنها بمثابة كرة لهب تزيد وتيرة تدحرجها ولن تتوقف بسهولة".
وفي الأيام الأولى لعملية الاغتيال، نفت السعودية تماماً تعرض خاشقجي للقتل، بل صرح بن سلمان لوكالة "بلومبيرغ" الأميركية بعد نحو ثلاثة أيام من الجريمة، بأن خاشقجي غادر مبنى القنصلية، لكن مع تزايد تأكيدات تركيا بأنه لم يغادر وقتل، عادت الرياض لتعترف بمقتله في شجار في رواية أولى، قبل أن تتعدد الروايات بعد ذلك، لتلقي أخيراً النيابة العامة السعودية يوم الخميس الماضي بالاتهام على مسؤولين في جهات أمنية، لكن المخابرات الأميركية ذكرت في اليوم التالي أن بن سلمان هو من أمر بالقتل.
وبسبب مقتل خاشقجي، قاطع مستثمرون ومسؤولون دوليون بارزون، "منتدى مستقبل الاستثمار"، الذي نظمته السعودية على مدار ثلاثة أيام خلال أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، تحت عنوان "دافوس الصحراء".
وشهد الاقتصاد ارتدادات سلبية من جراء الجريمة، إذ أكد تقرير للمجموعة المالية هيرميس (بنك استثمار مصري له نشاطات في الخليج ودول أخرى) صدر في وقت سابق من نوفمبر/ تشرين الثاني الجاري، خروج نحو 1.7 مليار دولار من سوق الأوراق المالية السعودية، خلال الشهر الماضي.
ولم تستهدف العقوبات الأميركية على الأشخاص الـ 17 المتورطين بقتل خاشقجي، حكومة الرياض، فهي قيدت فقط وصول هؤلاء إلى النظام المالي الأميركي وجمدت أرصدتهم، بموجب قانون يفرض عقوبات على من يرتكبون انتهاكات لحقوق الإنسان والضالعين في فساد.
ووفق المسؤول في بنك الاستثمار الخليجي، فإن "اتهام ولي العهد السعودي بشكل مباشر من الأميركان، يجعل الأمر مختلفاً هذه المرة، فمع التطورات الأخيرة الجميع في السوق يتحسس رأسه، المستثمرون أكثر من يلوذ بالفرار في مثل التطورات، والأخطر ليس في رؤوس الأموال الأجنبية فهي ليست كبيرة وإنما في الأموال السعودية ذاتها".
وقبل عشرة أيام ، ذكرت وكالة "بلومبيرغ" أن مخاطر السمعة التي تحيط بالسعودية بعد مقتل خاشقجي، تهدد تحالفات المملكة مع المؤسسات الأميركية وربما "رؤية 2030" نفسها.
ونقلت "بلومبيرغ" آنذاك عن سفير واشنطن لدى السعودية في الفترة من 2001 إلى 2003، روبرت دبليو جوردان، قوله: "تضررت بشكل كبير رؤية 2030 وانخفض الاستثمار الأجنبي المباشر بالسعودية العام الماضي، بسبب سلوك ولي العهد محمد بن سلمان، والآن سيجري خفض أكبر مع تراجع المستثمرين من الخارج".
وسجلت 49 شركة مدرجة في سوق الأسهم السعودية، انخفاضاً بصافي الأرباح بنسبة 19.6% خلال الربع الثالث من عام 2018 مقارنة بالفترة المماثلة من 2017. وتعادل تلك الشركات نحو 29.7% من إجمالي 165 شركة أفصحت عن نتائجها المالية للربع الثالث من العام الحالي، على أساس سنوي بنهاية المهلة النظامية من إدارة السوق.
وما يزيد القلق من استنزاف الاقتصاد السعودي هو التراجع الحادّ في أسعار النفط، إذ خسر خام برنت نحو 25% من قيمته منذ بداية أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، ما يضع موازنة السعودية للعام المقبل في مأزق كبير مع استمرار العجز المالي واللجوء بشكل أكبر إلى الاستدانة.
وبات النفط في دائرة المواجهة الأميركية السعودية، فقد أشار تحليل لشركة "كيبر داتا" التي تتابع ناقلات النفط في العالم، إلى أن السعوديين نقلوا ما يقرب من 600 ألف برميل يومياً إلى الولايات المتحدة هذا الشهر، نزولاً من أكثر من مليون برميل يومياً في يوليو/ تموز وأغسطس/ آب.