يشعر غالبية الأردنيين أن العيش في عاصمتهم عمان لم يعد بالأمر السهل وبات صعب المنال، بعدما دخلت في قوائم المدن العالمية الأكثر غلاءً، وخاصة في السنوات الخمس الأخيرة، لما شهده الأردن بشكل عام من ارتفاع لأسعار مختلف السلع والخدمات والتزاحم الكبير داخل العاصمة لاقتناء مسكن ولو بمساحات صغيرة.
وباتت السّمة الغالبة على الوضع العام في الأردن، ويتداولها المواطنون على نطاق واسع "الحق حالك واشتري شقة في عمان قبل فوات الأوان"، لكن هذا الأوان قد فات بالنسبة لكثيرين.
ومن جانب آخر، فقد ارتفعت تكاليف المعيشة كثيراً في العاصمة، وتعاني الأسر التي هاجرت إليها من المدن الأخرى والمناطق الريفية من الغلاء، وارتفاع نفقات أساسية، كالصحة والتعليم والترفيه وغيرها، بينما هناك ثبات بالأجور في المقابل.
ويقول مواطنون إنهم وجدوا فرقاً كبيراً في متطلبات المعيشة عندما قدموا وأسرهم إلى عمان مقارنة بمساقط رؤوسهم، باعتبار أن الغلاء طاول كل شيء، وتضاعفت الأسعار عدة مرات في العاصمة التي تميّزت بجاذبيتها السكانية والاستثمارية، قبل أن تصبح مدينة مكتظة يزيد سكانها عن مليوني نسمة.
واضطر مواطنون، بحسب أقوالهم، إلى الهجرة العكسية من عمان إلى مساقط رؤوسهم بسبب الغلاء.
وأظهرت إحصاءات جديدة نشرها موقع مجلة الإيكونوميست البريطانية مطلع الأسبوع الماضي، تقدم العاصمة عمان بشكل ملفت في مراتب العواصم العالمية الأكثر غلاء للعام 2015.
وأشارت الإحصاءات إلى أن عمان احتلت المرتبة 29 بقائمة أغلى المدن في العالم خلال العام الماضي، بعد أن كانت في المرتبة الـ48 في عام 2014، لتتصدّر بذلك قائمة المدن العربية الأكثر غلاء.
وتضمنت الدراسة 133 مدينة حول العالم تمت خلالها مقارنة تكاليف الحصول على أكثر من 60 منتجا، بما في ذلك الغذاء والكساء.
ويرى محمد عبيدات، رئيس جمعية حماية المستهلك الأردنية، أن أحد أهم الأسباب التي جعلت عمان من أكثر العواصم غلاء في العالم، هو اكتظاظها السكاني والإقبال الكبير على الإقامة فيها من قبل المواطنين والوافدين، ونتج عن ذلك ارتفاع في أسعار كل شيء، وعلى وجه الخصوص المواد التموينية، التي تبلغ أسعارها في كثير من مناطق العاصمة أضعافها في مدن أردنية أخرى.
وقال عبيدات لـ"العربي الجديد"، إن أسعار الشقق والعقارات بشكل عام وصلت إلى مستويات غير مسبوقة في تاريخ الأردن، ولم يعد باستطاعة المواطن متوسط الحال شراء ولو شقة بمساحات صغيرة، إضافة إلى الارتفاع الكبير في نفقات التعليم في المدارس الخاصة.
وأضاف أن سوء توزيع عوائد التنمية بين المدن ومختلف المناطق هو من الأسباب الرئيسية أيضا، التي أدت إلى ظاهرة الغلاء في عمان، والتي باتت قبلة لهجرة غالبية المواطنين من المدن والقرى والبادية بحثا عن الخدمات والصحة والتعليم وكذلك لإيجاد فرص عمل لا تتوفر في مناطقهم.
وتابع أنه لا بد من دراسة المرتبة المتقدمة التي جاءت فيها العاصمة الأردنية بعناية من قبل الجهات المختصة، بحيث تتم إعادة النظر بخطط وبرامج التنمية وتوجيهها بعدالة بين كافة المناطق، حتى تتوفر الخدمات المناسبة للأفراد.
من جانبه، قال حسام عايش، الخبير الاقتصادي، لـ"العربي الجديد"، إن أرقام البطالة في المدن الأردنية، باستثناء عمان، مرتفعة، حيث لا توجد مشاريع تنموية واستثمارات بالشكل المطلوب، كما تعاني المناطق الأخرى من تدني الخدمات، ما أدى إلى البحث عن البدائل الأفضل والتي هي متوفرة في العاصمة، لدرجة لم يعد بإمكان المواطن مجاراة متطلبات العيش المرتفعة فيها.
وأضاف عايش، في تصريح لـ"العربي الجديد"، أن هناك العديد من البرامج والسياسات التنموية التي تم تطبيقها لإحداث التنمية المطلوبة في المحافظات وتوفير فرص العمل والارتقاء بالخدمات، لكنها لم تحقق النتائج المرجوة منها، وأدت إلى زيادة الضغوط على العاصمة، التي باتت تعاني من ضغط سكاني، وتأثَر قاطنوها بارتفاع الأسعار وأجور السكن والخدمات المختلفة.
وحسب رأيه، فإن تخفيض الأسعار وأكلاف المعيشة في عمان، يحتاج إلى تحسين أوضاع المدن والقرى الأخرى، حتى لا تبقى طاردة للسكان، وأهمية تعزيز فرص الاستثمار فيها لتوفير فرص العمل.
ويعاني الأردن ضغوطاً اقتصادية بسبب الاضطرابات التي شهدتها المنطقة والتي أثّرت سلبا على التصدير والسياحة، ما زاد من معدلات البطالة في البلاد.
ورغم استفادة البلاد من تراجع أسعار المشتقات النفطية منذ العام الماضي، إلا أن ذلك لم ينعكس، وفق محللين، على أسعار السلع.
وكانت الحكومة قد ألغت الدعم الذي كانت تقدمه للمحروقات، وذلك اعتبارا من نوفمبر/ تشرين الثاني من العام 2012، واعتمدت خطة تقضي بتغيير أسعار المشتقات شهرياً تبعا للمتغيّرات التي تطرأ عليها عالميا، حيث تم خفض الأسعار أكثر من 6 مرات متتالية منذ العام الماضي 2015.
وتواجه الحكومة انتقادات حادة على أكثر من صعيد، لعدم اتخاذها إجراءات تجبر القطاع على خفض أسعار السلع والخدمات بالتوازي مع الانخفاضات الكبيرة التي طرأت على أسعار المشتقات النفطية.