ديون تركيا ليست سبباً في مشكلة الليرة

إسطنبول
31 اغسطس 2018
85FFF14E-FC02-4FA9-A5AA-CFED9CA104F9
+ الخط -
لم يشكك مختصّون ومراكز بحثية بإسطنبول في حجم الديون الخارجية التركية، التي تناقلتها مصارف استثمارية ومراكز بحثية أخيراً، بل توقّفوا عند التوقيت وبعض التهويل الذي يترافق مع عرض الديون والتشكيك في تسديدها، مشيرين إلى أن تركيا من أقل الدول كبيرة النمو في العالم ديناً.

لم تصل الديون التركية الخارجية المستحقة إلى ربع الناتج المحلي الإجمالي، بينما تبلغ الديون الخارجية على اليابان مثلاً أكثر من 250% من حجم الناتج المحلي الياباني، وكذلك بالنسبة إلى عديد من الدول الأوروبية.


وفي الولايات المتحدة التي تحاول زجّ الديون التركية ضمن حملة الضغط على الاقتصاد التركي، تبلغ الديون، وفق بيانات العام الجاري، أكثر من 21 تريليون دولار، وهي أكبر مديونية عبر التاريخ.



وقال مدير المركز الاستراتيجي للدراسات الاقتصادية في إسطنبول، محمد ديمرال: "أعتقد أن طرح الديون والمستحق منها خلال هذا العام الذي يشهد خلاله الاقتصاد التركي ضغوطات خارجية وتراجعاً في سعر العملة، هو مشاركة بالضغط على الاقتصاد التركي من جهة واحدة، إذ لم يأت بنك "جي بي مورجان"، على سبيل المثال، على حجم الاستثمارات بتركيا أو مؤشرات النمو والصادرات، بل ولا حتى على نوعية القروض، بقدر ما ركّز على حجمها والترويج لعدم قدرة تركيا على سدادها، بل ولأثر ذلك في حدوث انكماش أو ركود بالأسواق".


ويشير مدير المركز التركي لـ"العربي الجديد" إلى أن نسبة الدين الحكومي التركي الإجمالي لا تزيد عن 27% من حجم الناتج، وتركيا بهذه النسبة تبلغ المرتبة 21 عالمياً، بل وهي أقل مديونية من معظم الدول الأوروبية واليابان والولايات المتحدة.

ويبيّن ديمرال أن ما يقال عن التضخم وتراجع سعر الصرف وعلى الرغم من أن الليرة فقدت هذا العام ولأسباب سياسية لا اقتصادية نحو 40% من قيمتها، إلا أن هذا التراجع لا تمكن مقارنته بالتضخم قبل وصول "العدالة والتنمية " إلى الحكم، فمنذ عام 1991 وحتى عام 2002، فقدت الليرة التركية 368 ضعفاً من قيمتها، في حين لم تفقد منذ ذاك حتى اليوم أكثر من 3 أضعاف قيمتها.

وحول الإجراءات التي تقوم بها تركيا لتسديد الديون، خاصة المستحقة قبل نهاية العام الجاري والبالغة 32 مليار دولار، يضيف مدير مركز الدراسات الاقتصادية: "بدأت تركيا بسياسة تقشفية وخفضت الوزارات من 36 إلى 26 واليوم إلى 16 وزارة، ما يعني تخفيض الموازنات".



وأضاف: "كما أعلنت تركيا عن تفعيل اعتماد سعر الدولار بقيمة 4.2 ليرات تركية للمستوردين ولتسديد الديون الخارجية، فضلاً عن اعتماد نظام "اسواب" للتعامل بالعملة المحلية مع العديد من شركائها وحلفائها، مثل روسيا وقطر وباكستان وإيران، وربما قريباً يصدر قرار منع التداول بالدولار خلال العمليات التجارية العقارية".

ويقول ديمرال إن تركيا تقوم بكل ما يمكن، لمواجهة الضغوطات الاقتصادية، ولديها أيضاً كثير من الخيارات لم يتم استخدامها بعد، ربما الاقتراض من صندوق النقد الدولي آخرها.

وحول قدرة تركيا على تسديد الديون الخارجية، يقول مدير مركز الدراسات في إسطنبول: "لا توجد مشكلة في تسديد الديون، وخاصة الحكومية منها، إذ يبلغ الدين الخارجي على تركيا نحو 460 مليار دولار، وهو أقل من نصف الناتج المحلي الإجمالي، حصة القطاع الخاص منه نحو 300 مليار دولار، في حين لا تزيد الديون الحكومية على 160 ملياراً".

ولكنه يقول: "علينا الإشارة إلى أن معظم الديون تم توظيفها بمشروعات اقتصادية وخدمية، وستبدأ تلك المشروعات بتحقيق العائدات خلال الأشهر المقبلة، فمطار إسطنبول على سبيل المثال، سيحقق عائدات من 8 حتى 10 مليارات دولار سنوياً، في حين أن حجم الاستثمار، الذي تتشارك فيه 5 شركات، لا يزيد عن 22 مليار دولار".

يتابع ديمرال أن "بعض شركات القطاع الخاص تستسهل الديون الخارجية وغامرت ربما بتوظيفها، فتلك ربما تسقط أو تقع بعجز تسديد، وذلك برأيي مفيد لأنه يغربل الاقتصاد والشركات عموماً/ والمالية على وجه التحديد".

وكان بنك الاستثمار الدولي "جي. بي مورجان" قد قدّر، قبل أيام، حجم الدين الخارجي التركي الذي يحل أجل استحقاقه في سنة حتى يوليو/ تموز 2019 بنحو 179 مليار دولار، أي ما يعادل نحو ربع الناتج الاقتصادي للبلاد، وهو ما يشير إلى مخاطر حدوث انكماش حاد في الاقتصاد الذي يعاني من أزمة. على حسب تعبير بيان المصرف.

وقال المصرف في مذكرته، إن معظم الدين، نحو 146 مليار دولار، مستحق على القطاع الخاص، وخاصة البنوك. وإن الحكومة بحاجة إلى سداد 4.3 مليارات دولار فقط أو تمديد المبلغ، بينما يشكل الباقي مستحقات على كيانات تابعة للقطاع العام.

وأشار المصرف الأميركي إلى أن الدين الخارجي المستحق على تركيا كنسبة من الناتج المحلي الإجمالي اقترب العام الماضي من مستويات قياسية مرتفعة لم يصل إليها سوى قبل الأزمة المالية في عامي 2001 و2002. لافتاً إلى أن "احتياجات التمويل لفترة الاثني عشر شهراً القادمة كبيرة ودخول الأسواق أصبح مشكلة".

ويستحق، بحسب جي. بي مورجان الذي نسب الأرقام إلى مصرف تركيا المركزي، نحو 32 مليار دولار في الفترة المتبقية من 2018، والمدفوعات الكبيرة سيحل أجلها في سبتمبر/ أيلول وأكتوبر/ تشرين الأول ونوفمبر/ تشرين الثاني المقبلين.

وفي حين ألمح "جي. بي مورجان" إلى أن نحو 47 مليار دولار من الدين المستحق عبارة عن ائتمانات تجارية يمكن تمديدها، قال إن ديوناً بنحو 108 مليارات دولار تستحق حتى يوليو/ تموز 2019 تنطوي على مخاطر مرتفعة في ما يتعلق بتمديد آجال استحقاقها.

ويرى أستاذ المصارف في جامعة ماردين التركية، مسلم طالاس، أن أثر تلك الديون، وهي على الأغلب صحيحة ومستمدة من المصرف المركزي التركي، يتوقف على حالة الاقتصاد العالمي، فهذه الديون طبيعية ويمكن تمويلها حتى بديون أخرى، مستدركاً، ولكن إن كانت البيئة يكتنفها الغموض في التعاطي مع تركيا ومحاولات استهداف اقتصادها، فهذه الديون ربما تشكل مزيداً من الضغط وربما ركوداً اقتصادياً.

وحول توقيت نشر مصرف "جي. بي مورجان" تلك الأرقام وما رآه البعض تخويفاً، يقول الدكتور طالاس: "هذه المنظمات تعتمد على الأرقام التركية، وتعتمد على أرقام حقيقية والسياق يحولها إلى مخاطر، والتنبيهات من دور وواجب المؤسسات، ولكن إن كانت لديها مرام أخرى، فذلك لا يمكن البت فيه".

وأضاف: "وبمجمل الأحوال، لا تأثير حقيقياً أو تخويف من تلك الأرقام ونشرها، لأن تركيا لا تنكرها أصلاً، لأن العبرة في إمكانية الاستفادة من القروض والقدرة على تسديدها".

وفيما يتعلق بقدرة الحكومة والشركات التركية على السداد، يضيف أستاذ المصارف طالاس: "المبالغ المستحقة على الحكومة التركية بسيطة ولا تشكل أي صعوبة أو مخاطر، وما يتعلق بديون واستحقاقات الشركات الخاصة، وعلى اعتبار أن هناك العديد من الشركات التركية لديها اتفاقات إعادة شراء واستثمارات خارجية واحتياطيات، فلا أعتقد أن ثمة مشكلة في تسديد الاستحقاقات المقبلة. والمبالغ المستحقة قبل نهاية العام الجاري لا تشكّل بالنسبة للاحتياطيات والناتج رقماً كبيراً.

وحول إمكانية أن يساهم تسديد الديون في الانكماش أو حتى الركود، يقول طالاس، إن ذلك وارد إن لم يتم التحوط، ولعل مؤشرات ثقة المنتج والمستهلك التي صدرت بتركيا أخيراً جميعها يدلل على التأثر وربما بدء الانكماش، ومن الطبيعي ذلك بواقع حدوث فجوة في الاستثمارات، ولكن تركيا على الأرجح ستؤمن أموال القروض وتجذب استثمارات، ولكن ذلك لا يعني أن تركيا ليست في خطر.

وأشار أستاذ المصارف في نهاية حديثه لـ"العربي الجديد" إلى أن الديون ليست مشكلة في حد ذاتها، بل العلة في تركيبة الديون "قصيرة، متوسطة الأجل أو طويلة"، وفي التوفيق بين ما يسمى الأصول والخصم، أي المواءمة بين العائد ونوع القرض، فإن كان القرض قصيراً لا بد أن يكون عائد الاستثمار سريعاً، وكذلك التوفيق خلال الاستثمار إن كان القرض بالعملات الأجنبية، أن يكون الاستثمار بالعملات الأجنبية أو بعملات عدة.

دلالات

ذات صلة

الصورة
احتجاج ضد مقتل الطفلة نارين غوران في تركيا، 9 سبتمر 2024 (فرانس برس)

مجتمع

لم تلق جريمة قتل بتركيا، ما لقيه مقتل واختفاء جثة الطفلة، نارين غوران (8 سنوات) بعدما أثارت قضيتها تعاطفاً كبيراً في تركيا واهتماماً شخصياً من الرئيس التركي
الصورة
عبد الله النبهان يعرض بطاقته كلاجئ سوري شرعي (العربي الجديد)

مجتمع

تنفذ السلطات التركية حملة واسعة في ولاية غازي عنتاب (جنوب)، وتوقف نقاط تفتيش ودوريات كل من تشتبه في أنه سوري حتى لو امتلك أوراقاً نظامية تمهيداً لترحيله.
الصورة
الشاب الفلسطيني بسام الكيلاني، يونيو 2024 (عدنان الإمام)

مجتمع

يُناشد الشاب الفلسطيني بسام الكيلاني السلطات التركية لإعادته إلى عائلته في إسطنبول، إذ لا معيل لهم سواه، بعد أن تقطّعت به السبل بعد ترحيله إلى إدلب..
الصورة

سياسة

أثار اعتقال اللاعب الإسرئيلي ساغيف يحزقيل في تركيا أمس، ردود فعل غاضبة في إسرائيل، دفعت وزير الأمن الإسرائيلي يوآف غالانت لاتهام تركيا بأنها ذراع لحركة حماس.
المساهمون