أدى استمرار الحرب التي يشنّها بشار الأسد على شعبه في سورية، وتدمير آلاف المنشآت الاقتصادية والاجتماعية، وهدم البيوت والمؤسسات وتشريد ملايين السوريين، إلى ارتفاع نسبة البطالة إلى نسب قياسية.
ويقول أستاذ الاقتصاد مرعي محمد، إن ارتفاع نسبة البطالة في سورية، بعد الثورة خاصة، يعود إلى شلل القطاعات الإنتاجية والخدمية، وتراجع الاستثمارات، وهروب رأس المال الداخلي والخارجي، كذا تم فصل العمال المؤيدين للثورة من عملهم. وتشير الأرقام الرسمية، إلى أن نحو 150 ألف عامل استقالوا أو تم تسريحهم تعسفياً، حتى نهاية عام 2015.
ويشير أستاذ الاقتصاد، لـ"العربي الجديد"، إلى أنه لا توجد إحصائية دقيقة حول نسبة البطالة في سورية اليوم، وإن كانت التقارير تشير إلى نحو 70% كحد أدنى عاطلين عن العمل، "لكني أتوقع أن النسبة تفوق 80%، بعد تهديم القطاعات التي تستوعب العمالة في سورية".
واستند أستاذ الاقتصاد في تقديراته إلى عدة معطيات، منها "تهدم 80% من منشآت القطاع الخاص الصناعي، وزيادة استهداف القطاع الزراعي عن 50%، وخروج 371 منشأة فندقية ونحو 400 مطعم عن الإنتاج، ما حوّل معظم العاملين في القطاع السياحي، البالغين قبل الثورة نحو 260 ألف عامل، إلى معطلين".
ويشير مرعي إلى أن نسبة البطالة رسمياً في سورية كانت 8.8% عام 2010، ارتفعت عام 2014، وفق مراكز بحثية، إلى 57.7%، ما يعني وجود نحو 3.72 ملايين عاطل من العمل، ما أدى إلى فقدان مصدر الدخل الرئيسي لـ12.22 مليون سوري.
وحول نسبة البطالة بين صفوف الجامعيين، يضيف الأكاديمي السوري، أن نسبة الهاربين من الحرب جلّهم من الشباب المتعلمين والحاصلين على شهادات جامعية عليا.
ويتابع "لا توجد إحصاءات رسمية، ولكن وبواقع عدم وجود فرص عمل في سورية، سواء في القطاع الحكومي أو الخاص، فإن معظم أصحاب الشهادات عاطلون عن العمل، لكن معظمهم هاجر إلى دول الجوار وأوروبا".
وأتت الحرب التي شنها نظام بشار الأسد على الثورة، منذ آذار/مارس 2011، على تهديم الاقتصاد السوري، بعد تراجع المؤشرات المادية ومعدل النمو الاقتصادي إلى حد النمو السلبي.
إذ انخفض الناتج الإجمالي المحلي، خلال السنوات الخمس الماضية، بأكثر من 55% من حوالي 60 مليار دولار إلى حوالي 27 مليار دولار، لتصل الخسائر، وفق تقارير رسمية سورية، إلى نحو 275 مليار دولار، كما أورد اتحاد العمال السوري أخيراً.
وزادت نسبة الفقر إلى نحو 80% والبطالة عن 70%، بحسب خبراء سوريين. وتراجع عدد سكان سورية من 20.87 مليون نسمة في 2010 إلى نحو 17.65 مليوناً أواخر العام الماضي.
ويقول الاقتصادي السوري حسين جميل، "كانت قوة العمل في سورية قبل الثورة تقدّر بنحو 6 ملايين عامل، منها نحو 1.8 مليون عامل في القطاع الحكومي، والباقي في القطاع الخاص وقلة في المشترك".
ويضيف جميل، في تصريحه لـ"العربي الجديد"، أن موظفي الحكومة من المناطق الثائرة تحولوا إلى عاطلين عن العمل. كما أن القطاعات الأكثر استيعاباً لليد العاملة، زراعة ونقل وصناعة، شهدت تهديماً وخروج معظم المنشآت عن العمل.
وحول القطاع الحكومي الذي يؤوي العمالة المؤيدة للنظام، يقول "هؤلاء في حقيقة الأمر، يعيشون بطالة مقنّعة، لأن معظمهم بلا عمل، يتقاضى أجره من دون أن ينتج، أو بعضهم يعملون مقاتلين في صفوف ما يسمى لواء البعث الذي تشكّل من العمال والموظفين في القطاع الحكومي".
ويشير الاقتصادي السوري إلى أن قطاع التعليم العالي كان من القطاعات الأكثر تهدماً جراء الحرب، والتي لا يأتي أحد عليه بالذكر. إذ شهد حالات انشقاق وهروب كثيرة. إذ إن نحو 500 مدرس جامعي، بين أستاذ مساعد ودكتور، انشقوا والتحقوا بركب الثورة، منهم نحو 75 دكتوراً جامعياً يتواجدون في تركيا، والبقية توزعوا على دول الجوار وأوروبا.
ويقول الباحث السوري محمد تركي الربيعو، لـ"العربي الجديد"، إن أزمة البطالة تتعلق بثلاثة مستويات: الأول، مرتبط بالتركيز على مهن معينة وإهمال قطاعات أخرى.
ويتعلق المستوى الثاني بفشل المشروع التنموي، وهو ما انعكس في ترهل القطاع العام من ناحية، وفشل السياسات الحكومية في خلق قطاع خاص مواز قادر على استيعاب الخريجين الجدد من ناحية أخرى. والمستوى الثالث مرتبط بالسياسات الليبرالية الجديدة، وما فرضته من شروط جديدة للانخراط في سوق العمل.