تستمر المظاهرات الشعبية في تركيا تنديداً بالتمييز واضطهاد المسلمين في الصين، والدعوة إلى مقاطعة السلع والمنتجات الصينية ومطالبة الحكومة بقطع العلاقات مع بكين.
وشهدت ساحات عامة عدة في إسطنبول قبل أيام، مظاهرات شعبية كبيرة، إثر تصاعد الحملة العالمية، على وسائل التواصل الاجتماعي، لمقاطعة المنتجات الصينية، التي فجرها نجم فريق أرسنال الانكليزي، التركي مسعود أوزيل.
واحتل وسم "كلنا معك يا أوزيل" المركز الثاني في لوائح المواضيع الأكثر تداولاً على تويتر، مسجلاً أكثر من 51 ألف تغريدة، بعد البيان الذي نشره اللاعب التركي الأصل عبر حسابه على تويتر تحت عنوان "تركستان الشرقية... الجرح النازف للأمة الإسلامية"، مشيراً إلى أن "في الصين يحرق القرآن، وتغلق المساجد والمدارس الدينية بينما يقتل الأئمة تباعاً"، ما دفع المتحدث باسم الخارجية الصينية غنغ شوانغ إلى القول إن لاعب أرسنال الإنجليزي "ضحية أخبار زائفة"، ودعاه إلى زيارة إقليم شينجيانغ "للتمييز بين الصواب والخطأ".
ويضيف كاتب أوغلو لـ"العربي الجديد" أن الحملات التركية لا تقتصر على الجانب الشعبي والمظاهرات، بل أخذت بعداً رسمياً اقتصادياً عبر رفع الرسوم الجمركية على جميع السلع والمنتجات الصينية، في موقف حكومي سياسي، يدل على مقاطعة السلع الصينية.
وحول أهم السلع والمنتجات الصينية التي تغزو الأسواق التركية، يقول المحلل التركي إن تركيا تقريباً مكتفية ذاتياً لجهة المنتجات الغذائية والاستهلاكية اليومية، لكن ما تُسمى "السلع المنزلية" الصينية، منتشرة بكثرة في السوق التركية، أهمها ألعاب الأطفال والقرطاسية وبعض التحف والمنتجات الزجاجية، مشيراً إلى تأثرها بشكل كبير ببعض الدعوات الرسمية والحملات الشعبية للمقاطعة.
من جهته، يؤكد الاقتصادي التركي خليل أوزون، ضرورة استمرار الموقف التركي الرسمي الحازم تجاه الصين، لأن أصول معظم المسلمين المضطهدين هناك، من أصول تركية، مشيراً إلى أن وكالة التعاون والتنسيق "تيكا" تقدّم ما بوسعها للمسلمين في الصين، لكنه غير كافٍ.
ويشير أوزون لـ"العربي الجديد" إلى أنه قلما تنافس المنتجات الصينية التركية في أسواقنا، بل للمنتجات التركية سبق ومنافسة للمنتجات الصينية، سواء في فلسطين أو الصومال وغيرهما من الدول، وربما كان يعود ذلك إلى تماثل الإنتاج، سواء في الألبسة والنسيج، لكن الصين تتفوق في ما يتعلق بالألعاب وبعض السلع المنزلية.
وعن حجم التبادل التجاري وما أعلنته تركيا من تعليقها آمالاً على الأسواق والاقتصاد الصيني، يقول أوزون إنّ حجم التبادل بين البلدين يبلغ نحو 26 مليار دولار، والميزان التجاري لمصلحة الصين التي تصدّر معدات إلكترونية بنحو 9 مليارات، وآلات بنحو 6 مليارات، وحديداً وصلباً بنحو مليار دولار، فيما تركز الصادرات التركية على الفواكه والخُضَر وبعض المنتجات الحيوانية.
لكن المسؤولين في كلا البلدين يتطلعان إلى مضاعفة حجم التبادل التجاري إلى نحو 50 مليار دولار، لأن المخطط أن تستورد الصين خلال السنوات الـ5 القادمة منتجات بقيمة 10 تريليونات دولار، وصادرات تركيا إلى بكين منخفضة جداً.
وفي ما يتعلق بتأثير الدعوات التركية إلى المقاطعة، في السياح والاستثمارات الصينية في تركيا، يقول الاقتصادي التركي إنّ الصين ليست من الدول الكبرى التي تستثمر في تركيا، إذ لا تزيد قيمة الاستثمارات الصينية في تركيا على ملياري دولار من أصل استثمارات صينية مباشرة حول العالم بنحو 700 مليار دولار، في حين أن السياح الصينيين بازدياد خلال السنوات الأخيرة، وربما وصلوا إلى نحو مليون سائح.
وتسعى الصين إلى تعزيز دخول سلعها السوق التركية، حيث تقيم منذ ستة أعوام معرضاً للمنتجات الصينية في مركز المعارض بمدينة إسطنبول.
وشاركت الصين خلال نسخة المعرض الأخيرة بنحو 600 شركة عبر 50 ألف منتج، منها النسيج والملابس الجاهزة والأكسسوارات والبياضات ومواد البناء والمعدات والأجهزة المنزلية والأثاث والإلكترونيات والهدايا والزجاجيات ومستلزمات المطابخ والحمامات والمواد الغذائية.
ويرى مراقبون أن تركيا تحاول الفصل بين الاقتصاد والمواقف الإنسانية. ففي الوقت الذي تضغط خلاله تركيا لإنصاف المسلمين في الصين، كتب الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، في تموز/ يوليو الماضي، مقالة في صحيفة "غلوبال تايمز" البارزة في الصين حملت عنوان "تركيا والصين: بلدان يتشاطران رؤية مستقبلية مشتركة"، تطرق خلالها إلى العلاقات بين تركيا والصين.
وأشار الرئيس التركي خلال مقالته إلى العلاقات المتطورة بين الصين وتركيا باستمرار في ضوء الاحترام المتبادل والمصالح المشتركة، ارتقت إلى مستوى علاقات استراتيجية عام 2010، مضيفاً: "والآن نهدف إلى رفع علاقاتنا المتطورة بمفهوم الربح المتبادل إلى مستويات أعلى، تماشياً مع رؤية المستقبل المشترك التي نتشاطرها مع مبادرة الحزام والطريق".
وبيّن أردوغان أن من بين أهداف تركيا زيادة حجم التبادل التجاري مع الصين إلى 50 مليار دولار في بادئ الأمر، وهو ضعف المستوى الراهن، ومن ثم إلى 100 مليار دولار، على أساس خدمة مصالح البلدين واستناداً إلى توازن أكثر ومستدام.
وشدد على أن استثمار رجال الأعمال الصينيين في تركيا لا يُعَدّ فقط استثماراً في بلد عدد سكانه 82 مليوناً ويمتلك شعباً شاباً وديناميكياً، واقتصاده في المرتبة الـ16 عالمياً، بل الاستثمارات في بلادنا وما خلفها حيث يبلغ عدد السكان 1.6 مليار نسمة، بحجم ناتج قوي إجمالي يبلغ 24 تريليون دولار.
وختم أردوغان مقالته بالقول إن هناك حاجة لبناء نظام دولي جديد يحقق المصلحة المشتركة للبشرية جمعاء، وذلك في وقت يبحث فيه العالم عن توازن جديد متعدد الأقطاب، وضمن مساعي إنشاء هذا النظام، يقع على عاتق تركيا والصين اللتين تمتلكان أعرق حضارة بشرية، دور كبير.