يواصل الدينار الجزائري خلال التعاملات المالية الرسمية، وحتى في السوق الموازية للصرف، سقوطه الحر مقابل العملات الأجنبية، خلال الأشهر الثلاثة الأخيرة، متأثراً بحالة الركود التي ضربت الاقتصاد، منذ مارس/آذار.
ويأتي ذلك بفعل تفشّي فيروس كورونا، وتراجع إيرادات البلاد من النقد الأجنبي، مع فقدان أسعار النفط 60% من قيمتها خلال الربع الأول من العام الجاري 2020، إذ فقد الدينار تماسكه مقابل الدولار واليورو في تعاملات البنوك، قارعاً أجراس الخطر حول انهيار بات وشيكاً لقدرة الجزائريين الشرائية المترنحة منذ سنوات.
وسجل سعر الدولار رسميا، أكثر من 130 دينارا للشراء، كما ارتفع سعر صرف العملة الأوروبية الموحدة "اليورو" أمام الدينار الجزائري، وفقاً لآخر تحديثات المركزي الجزائري، وبلغ 147 دينارا للشراء، أما الجنيه الإسترليني فاستقر عند 166 دينارا للشراء.
وانعكست هذه التراجعات في أسعار الدينار سلباً على أوضاع المواطنين المعيشية، حيث شهدت أسعار العديد من المواد الاستهلاكية، وخاصة الغذائية منها، ارتفاعات كبيرة، أثرت مباشرة على السلوك الإنفاقي والاستهلاكي للمواطن الجزائري، دافعة المخاوف في الجزائر من ارتفاع الأسعار لتتقدم المشهد الاقتصادي.
يقول الخبير الاقتصادي والمستشار المالي، محفوظ كاوبي، إن "الدينار تراجع بواقع 7.1 في المائة مقارنة بمارس/آذار، وبعملية حسابية بسيطة نضيف حجم التراجع أو "التعويم" حتى نكون أكثر دقة، لحجم التضخم البالغ 4 في المائة، نجد أن معدل الأسعار ارتفع بواقع 11 إلى 12 في المائة، أخيرا، أي بطريقة أخرى رواتب العمال تراجعت بـ 7.1 في المائة في المقابل غلاء المعيشة ارتفع بـ 11 في المائة".
وأضاف الخبير الجزائري في حديث مع "العربي الجديد" أن "جيوب المواطنين تفقد دوريا من قدرتها الشرائية وتقترب بسرعة من الانهيار. ولا يعني الانهيار أن الجزائري لن يجد ما يشتريه، بل يعني أن الرواتب أو عائدات الأسر المالية لم تعد تكفي حجم الإنفاق العام في فترة معينة، مثلا في الشهر الواحد".
وكانت العملة الجزائرية قد خسرت أكثر من 4 دنانير أمام الدولار، مطلع إبريل/نيسان المنصرم، حيث بلغ سعر الصرف 127.02 دينارا للدولار الواحد، بعدما كان عند 123 دينارا، مطلع مارس/آذار، كما ربح اليورو هو الآخر بعض المسافة من الدينار، بعدما قفز سعره من 135 خلال الشهر الثالث من 2020 إلى 137 دينارا في شهر إبريل/نيسان.
وترجع خسارة الدينار لشيء من بريقه أمام العملات الأجنبية، إلى تبنّي البنك المركزي الجزائري سياسة تعويم الدينار، عند الضرورة، حيث سبق أن فقد الدينار جزءا كبيرا من قيمته خلال العام الماضي، لمواجهة تبعات تراجع عائدات النفط وكبح فاتورة الواردات.
وفي بداية الأزمة النفطية منتصف 2014، كان سعر صرف العملة المحلية يساوي 83 دينارا لكل دولار، ثم تهاوى إلى 118 دينارا في 2018، ثم 123 طيلة 2019 ومطلع 2020.
وقدمت الحكومات المتعاقبة منذ 2014، تبريرات بأن تعويم العملة كان جزئيا فقط، والهدف منه امتصاص ارتدادات الصدمة النفطية التي أضرت باقتصاد البلاد.
وأوضح المحلل الاقتصادي، جمال نور الدين، أن هناك نوعاً من التلاعب بالألفاظ، حيث تُستخدم في سوق العملة كلمتان هما: انخفاض وتخفيض، ولكل منهما معنى مختلف لغويًا واقتصاديًا، فكلمة انخفاض معناها مسيرة طبيعية للسوق دون تدخل إرادة اقتصادية او إرادة سياسية، أما بالنسبة لكلمة تخفيض، فتعني أن هناك فعلاً خارجياً من طرف المصرف المركزي أدى إلى انخفاضها، وهذا ما هو حاصل اليوم في الجزائر.
وأكد المحلل الجزائري لـ "العربي الجديد" أن تأثير هذا التراجع على ارتفاع أسعار المواد الاستهلاكية في البلاد يعود إلى أن 70% من احتياجات المواطنين والمؤسسات العمومية أو الخاصة سلع مستوردة، ما يؤدي إلى ارتفاع أسعارها، وبالتالي تتأثر القدرة الشرائية للمواطن".
وسعيا لحماية القدرة الشرائية للجزائريين، ألغت الحكومة الضريبة على الدخل الإجمالي لمن يقبض راتبا بأقل من 30 ألف دينار (232 دولارا)، بأمر من الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون، تزامنا مع رفع رسوم وضرائب مطبقة على المواد النفطية والمواد واسعة الاستهلاك بالإضافة لبعض الخدمات.
حماية القدرة الشرائية
وخصصت الحكومة نحو 15 مليار دولار لبنود الدعم لدى إقرار موازنة العام الجاري في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، إلا أنها أعادت النظر في هذه المخصصات بعد جائحة كورونا، حيث كشف وزير المالية، عبد الرحمان راوية، لدى مناقشة الموازنة التكميلية التي أقرها البرلمان مطلع يونيو/حزيران الجاري، عن توجه الدولة نحو رفع الدعم عن المواد الأساسية وتحرير الأسعار قريبا.
وأجمع مراقبون على أن حماية القدرة الشرائية للجزائريين لن تكون بالأمر الهين، بالنظر إلى الوضع الاقتصادي الذي تمر به البلاد.
ويقول، في هذا السياق، النقابي صادق دزيري، إن "القرارات التي اتخذها الرئيس الجزائري لحماية القدرة الشرائية للمواطنين، هي "مسكنات مؤقتة" لا تفي بالغرض المطلوب، هذه الإجراءات قد تعالج القليل من مشاكل الجزائريين لكنها ليست حلولًا حقيقةً".
البجث عن حل جذري
ويؤكد النقابي الجزائري في تصريحٍ لـ "العربي الجديد" أنه "يجب البحث عن حل اقتصادي جذري يصنع الثروة للجزائريين ويحررهم من قناة مداخيل البترول القاتلة للإرادة، فالواقع المعيشي للمواطن الجزائري شهد تدهورًا فظيعًا، ولعل أبرز ما فاقم معاناة الجزائريين وساهم في تدني قدرتهم الشرائية غلاء الأسعار وارتفاع نسبة التضخم وانخفاض قيمة العملة المحلية. ويضيف: "إن موجة الغلاء قسمت المجتمع الجزائري إلى فئتين: فئة تصنف في دائرة الفقر وتشكل الأغلبية المطلقة وتمثل أكثر من 80% من المجتمع، وفئة أخرى تزداد ثراءً وتمتلك الثروة وهي الأقل".
وتواجه الجزائر أزمة مالية خانقة بسبب تهاوي الإيرادات النفطية، ما أدى إلى نزيف كبير في الاحتياطي من النقد الأجنبي والذي بلغ 60 مليار دولار، مطلع مارس/آذار الماضي.
وبهذا الرقم يسجل احتياطي الصرف تراجعاً بأكثر من 12 مليار دولار في أقل من سنة، حيث استقر الاحتياطي مع نهاية إبريل/نيسان 2019، عند 6. 72 مليار دولار مقابل 88. 79 مليارا نهاية 2018 و33. 97 مليار دولار نهاية 2017. وتوقعت الحكومة الجزائرية في الموازنة التكميلية لسنة 2020، تراجع احتياطي الصرف من 6. 51 مليار دولار مع نهاية العام الجاري، إلى ما دون 40 مليار دولار العام المقبل.